البرهان 172
من سورة النحل
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ
عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ *
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ *
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }
{ 48 - 50 ْ}
يقول تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا ْ}
أي: الشاكون في توحيد ربهم وعظمته وكماله،
{ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ْ}
أي: إلى جميع مخلوقاته وكيف تتفيأ أظلتها،
{ عَن الْيَمِينِ ْ} وعن { الشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ ْ}
أي: كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته وجلاله،
{ وَهُمْ دَاخِرُونَ ْ}
أي: ذليلون تحت التسخير والتدبير والقهر،
ما منهم أحد إلا وناصيته بيد الله وتدبيره عنده.
{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ ْ}
من الحيوانات الناطقة والصامتة،
{ وَالْمَلَائِكَةِ ْ} الكرام
خصهم بعد العموم لفضلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم
ولهذا قال: { وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ْ}
أي: عن عبادته على كثرتهم وعظمة أخلاقهم وقوتهم
كما قال تعالى:
{ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ
وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ْ}
{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ }
لما مدحهم بكثرة الطاعة والخضوع لله،
مدحهم بالخوف من الله
الذي هو فوقهم بالذات والقهر، وكمال الأوصاف،
فهم أذلاء تحت قهره.
{ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }
أي: مهما أمرهم الله تعالى امتثلوا لأمره، طوعا واختيارا،
وسجود المخلوقات لله تعالى قسمان:
سجود اضطرار ودلالة على ما له من صفات الكمال،
وهذا عام لكل مخلوق من مؤمن وكافر
وبر وفاجر وحيوان ناطق وغيره،
وسجود اختيار
يختص بأوليائه وعباده المؤمنين من الملائكة وغيرهم [من المخلوقات].