المدينه المنوره كانت المدن الإسلامية مراكز الإشعاع الفكري والحضاري للمسلمين ، وقد أسهمت المدن الإسلامية بدور أساسي في إيصال الحضارة الاسلامية إلى الأفاق في الشرق والغرب وفي المدينة المنورة استقر الإسلام والمسلمون واستكمل الوحي رسالته إلى النبي . وألف الإسلام بين قلوب أهلها وبنى النبي فيها الدولة الإسلامية ومنها خرج غازيا مجاهدا في سبيل الله وفيها صعدت روحه إلى بارئها حيث ضم ثراها رفاته الطاهر . كانت الهجرة إلى يثرب نقطة تحول في تاريخ الأمة الإسلامية كما كانت تحديدا عمليا لقيام الدولة الإسلامية فيثرب قبل الإسلام كانت واحدة من المراكز الحضارية في إقليم الحجاز ولها وضعها الاقتصادي الذي نافست به مكة والطائف كما كان لها ثقلها السياسي ومن ثم كان الصراع بينها وبين جيرانها على الزعامة السياسية لإقليم الحجاز وكان التكوين البشري في يثرب يختلف عما أصبح عليه بعدما هاجر رسول الله إليها فقد سكنها الاوس والخزرج القبائل اليهودية التي وصلت إلى يثرب بعد تخريب بيت المقدس على يد القائد الروماني تيتوس أما الأوس والخزرج فقد هاجروا إليها واستقروا فيها من اليمن بعد اضطراب أحوالها عقب تهدم سد مأرب عاشت القبائل العربيه الأوس والخزرج فترات عصيبة في يثرب فقد كانوا موالي لليهود فالحروب بينهم كثيرة منها ما كان بين الأوس والخزرج فوقعت الحروب بين الأوس والخزرج عندما قتل يهودي جارا للخزرج فاقتتلوا قتالا شديدا كان الظفر فيها للخزرج على الأوس , ويقول ابن هشام : أنه كانت بينهم حروب كثيره منها حرب داحس والغبراء . وكان وصول الرسول والمسلمين معه إلى يثرب نهاية للمعاناة وبداية لمرحلة جديدة وكان أهلها يتطلعون إلى دعوة النبي بل بايعوه على الحماية والنصر وأهل يثرب من الأوس والخزرج قد سئموا الحروب والحياة غير المستقرة فلم تعرف يثرب قبل الأسلام أي نوع من الاستقرار السياسي أو التنظيم الإداري . يحدثنا ابن هشام : أن أخبار الإسلام بدأت تصل إلى يثرب وخاصة بعد أن عرض رسول الله نفسه على القبائل وكان هذا بدء إسلام الأنصار . قال ابن اسحق : فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز وعده له خرج رسول الله في الموسم الذي لقيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم ، فبينما هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا ولما لقيهم الرسول قال لهم :من أنتم ؟ قالوا :نفر من الخزرج ،قال: أمن موالى اليهود ؟ قالوا :نعم ،قال:أفلا تجلسون أكلمكم ؟قالوا بلى ،فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عزوجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القران الكريم وانصرفوا إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا فلما قدموا يثرب ذكروا لأهلها رسول الله ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله , ثم كانت الهجرة التي اشترك فيها رجال من الأوس والخزرج تمهيدا لهجرة الرسول إلى يثرب والهجرة تعني انطلاقة المسلمين لتأسيس دولة الإسلام في يثرب ففيها أسس رسول الله مسجده ومنه سرت إشعاعات الحضارة الإسلامية فتحولت يثرب إلى مدينة إسلامية اتخذها المسلمون قاعدة لهم وفيها وضع الرسول أسس البناء الإجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة الإسلامية وآخى بين المهاجرين والأنصار وأصدر دستور المدينة وكان تأسيس المسجد النبوي في المدينة إيذانا بتحويلها إلى مدينة إسلامية وأصبح بناء المسجد هو الأصل في إقامة المدن والعواصم الإسلامية . والمسجد النبوي بسيط في بنائه يقول الدكتور احمد فكري : أغلب الظن أن المسجد كان يقتصر على رحبة واسعة تحيط بها جدران أربعة وأنه لم يكن لها سقف أول الأمر إلا أن الناس شكوا إلى الرسول شدة الحر فأقام لهم ظله وجعل في المسجد سواري من جذوع النخل . وفي المسجد النبوي كانت تعقد المعاهدات وتمضى العهود ويعلن الجهاد وتقلد الرايات وينظر في المظالم وتستقبل الوفود وعاشت المدينة عهد من الرخاء السياسي لم تشهده من قبل وكذلك الرخاء الاقتصادي وظلت مدينة الرسول عاصمة الخلافة الإسلامية وحاضرة للمسلمين خلال عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين المرجع :تاريخ النظم والحضارة الإسلامية /د:فتحية النبراوي