عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-13, 01:05 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
تألق
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 2735
المشاركات: 6,427 [+]
الجنس: انثى
المذهب: سني
بمعدل : 1.26 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 33
نقاط التقييم: 729
تألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدع

الإتصالات
الحالة:
تألق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تألق المنتدى : بيت الـلـغـة العــربـيـة
افتراضي

ومن عجيب ذلك أنك ترى لفظتين تدلان على معنى واحد، وكلاهما حسن في الاستعمال، وهما على وزن واحد وعدة واحدة، إلا أنه لا يحسن استعمال هذه في كل موضع تستعمل فيه هذه، بل يفرق بينهما في مواضع السبك، وهذا لا يدركه إلا من دقّ فهمه وجلّ نظره.
فمن ذلك قوله تعالى: «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه»
وقوله تعالى: «رب إني نذرت لك ما في بطني محررا»
فاستعمل الجوف في الأولى والبطن في الثانية، ولم يستعمل الجوف موضع البطن، ولا البطن موضع الجوف، واللفظتان سواء في الدلالة، وهما ثلاثيتان في عدد واحد، ووزنهما واحد أيضا، فانظر إلى سبك الألفاظ كيف تفعل؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

وإذا تصفحت أشعارهم أيضا وجدت الوحشيّ من الألفاظ قليلا بالنسبة إلى المسلسل في الفم والسمع، ألا ترى إلى هذه الأبيات الواردة للسموأل بن عاديا، وهي:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه...فكلّ رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها...فليس إلى حسن الثّناء سبيل
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا...فقلت لها إنّ الكرام قليل
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا...عزيز وجار الأكثرين ذليل
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا...وتكرهه آجالهم فتطول
وما مات منّا سيّد حتف أنفه...ولا طلّ منّا حيث كان قتيل 176
وكذلك قد ورد للعرب في جانب الرقة من الأشعار ما يكاد يذوب لرقته، كقول عروة بن أذينة «1» :
إنّ الّتي زعمت فؤادك ملّها...خلقت هواك كما خلقت هوى لها
بيضاء باكرها النّعيم فصاغها...بلباقة فأدقّها وأجلّها
حجبت تحيّتها فقلت لصاحبي...ما كان أكثرها لنا وأقلّها
وإذا وجدت لها وساوس سلوة...شفع الضّمير إلى الفؤاد فسلّها
وكذلك ورد قول الآخر «2» :
أقول لصاحبي والعيس تهوي...بنا بين المنيفة فالضّمار
تمتّع من شميم عرار نجد...فما بعد العشيّة من عرار
ألا يا حبّذا نفحات نجد...وريّا روضه غبّ القطار «3» 177
ومما ترقص الأسماع له، ويرن على صفحات القلوب، قول يزيد بن الطّثريّة في محبوبته من جرم:
بنفسي من لو مرّ برد بنانه...على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كلّ شيء وهبته...فلا هو يعطيني ولا أنا سائله
وإذا كان هذا قول ساكن في الفلاة لا يرى إلا شيحة أو قيصومة، ولا يأكل إلا ضبّا أو يربوعا، فما بال قوم سكنوا الحضر، ووجدوا رقة العيس، يتعاطون وحشيّ الألفاظ، وشظف العبارات، 178

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
وقد قيل في صفات خلق الإنسان ما أذكره ههنا، وهو الصبّاحة في الوجه، الوضاءة في البشرة، الجمال في الأنف، الحلاوة في العينين، الملاحة في الفم، الظّرف في اللسان، الرّشاقة في القدّ، اللّباقة في الشمائل، كمال الحسن في الشعر؛ فالظرف إنما يتعلق بالنطق خاصة، فغيرته العامة عن بابه. 184
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

والأصل في هذا الباب ما أذكره، وهو أن الأصول من الألفاظ لا تحسن إلا في الثلاثي وفي بعض الرباعي، كقولنا: عذب وعسجد، فإن هاتين اللفظتين إحداهما ثلاثية والأخرى رباعية، وأما الخماسي من الأصول فإنه قبيح، ولا يكاد يوجد منه شيء حسن، كقولنا: جحمرش «1» وصهصلق «2» وما جرى مجراهما 191
ولهذا لا يوجد في القرآن من الخماسي الأصول شيء، إلا ما كان من اسم نبي عرّب اسمه ولم يكن في الأصل عربيا نحو إبراهيم وإسمعيل.
وحضر عندي في بعض الأيام رجل من اليهود، وكنت إذ ذاك بالديار المصرية، وكان لليهود في هذا الرجل اعتقاد؛ لمكان علمه في دينهم وغيره، وكان لعمري كذلك، فجرى ذكر اللغات، وأن اللغة العربية هي سيدة اللغات، وأنها أشرفهن مكانا، وأحسنهن وضعا؛ فقال ذلك الرجل: كيف لا تكون كذلك، وقد جاءت آخرا فنفت القبيح من اللغات قبلها وأخذت الحسن؟ ثم إن واضعها تصرّف في جميع اللغات السالفة؛ فاختصر ما اختصر، وخفف ما خفف، فمن ذلك اسم الجمل؛ فإنه عندنا في اللسان العبراني «كوميل» ممالا على وزن فوعيل، فجاء واضع اللغة العربية وحذف منها الثقيل المستبشع، وقال: جمل، فصار خفيفا حسنا، وكذلك فعل في كذا وكذا، وذكر أشياء كثيرة، ولقد صدق في الذي ذكره؛ وهو كلام عالم به.193











توقيع : تألق

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عرض البوم صور تألق   رد مع اقتباس