الرواية الثامنة والأربعون: محمد بن العباس، عن محمد بن القاسم، عن عبيد بن سالم، عن جعفر بن عبدالله المحمدي، عن الحسن بن إسماعيل، عن أبي موسى المشرقاني قال: …وذكر رواية فيها نزول آية التبليغ في شأن الغدير([115]).
أقول: عبيد بن سالم، إن كان العجلي فهو مجهول، ولا توجد ترجمة بهذا الاسم لغيره([116])، والمحمدي لا يعرف من هو على وجه التحديد([117])، والحسن بن الأفطس لم أجد له ترجمة، وكذا المشرقاني.
الرواية التاسعة والأربعون: الحلي، المظفر بن جعفر بن الحسين، عن محمد بن معمر، عن حمدان المعافي، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جده، قال: …فذكر رواية طويلة فيها نزول آية التبليغ في شأن الغدير([118]).
أقول: المظفر لم أجد له ترجمة، وابن معمر مجهول([119])، وكذا حال المعافي([120]).
وبعد.. فهذه هي جل الروايات التي أوردها القوم في إثبات نزول آيتي التبليغ وإكمال الدين في غدير خم، والتي وقفنا عليها من كتبهم حتى القرن السادس، وقد رأيت أنه لم يصح منها شيء ألبتة، ناهيك عن القول بتواترها بزعم القوم.
وليت شعري! هل يدلنا القوم ولو على رواية واحدة على الأقل صحت في هذا الباب دون أن يَروِي رواتُها المناكيرَ في مواضع أخرى، أو في غير هذا الباب؛ كفضائل يوم الغدير والذي ذكرنا بعضاً منها في مقدمة هذا الاستدلال، وأعرضنا عن بيان تهافت أسانيدها لفسادها البين؟
أو هل يدلنا القوم على رواية مسندة معتبرة لتلك التهويلات المصطنعة والتكلف الواضح كما في بعض الروايات التي وضعوها؛ لتناسب مزاعمهم في شأن القصة من رد من تقدم من القوم وحبس من تأخر، وأنه كان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء.. إلى آخر ما نسجته خيالاتهم، وأن حسان بن ثابت أنشد في ذلك أبياتاً معروفة.. وغيرها من مسائل أوهموا الخلق، أو هكذا ظنوا أنها من المسلمات عند جميع المسلمين بتفاصيلها المزعومة عند القوم، وأن كتب أهل السنة طافحة بذكرها، دون بيان الفرق بين الإيعاز والتخريج كما ذكرنا، ودون بيان أن ما أورده أهل السنة إنما كان على سبيل ذكر كل ما له صلة بالباب الذي يصنفون فيه، وليس بالضرورة اعتقادهم بصحة ما أوردوه فيه، وهذا هو علة إيراد مؤرخي ومحدثي المسلمين قاطبة من شيعة وسنة للروايات بأسانيدها، عملاً بمبدأ أن من أسند فقد برئت ذمته، وإنما على المحقق أن يتبين صحة تلك المرويات بعد دراسة أسانيدها، حتى قيل في ذلك ما أوردناه في مقدمة هذا الباب.
وليت الأميني الذي سَود أو سُود له كل هذه الصفحات من غديره، بيَّن لنا أهمية ذكر الأسانيد التي تشغل عادة لو جمعت مجلداً أو أكثر من أصل مجموع المصنف ذاته.
وليته أخبرنا عن كل تلك المصنفات التي وضعها أضرابه في علم الرجال، حتى جمعها آقابزرك الطهراني فبلغت المئات([121])، لماذا وضعت لو كانت المسألة بِبَساطةِ نَقلِ الأميني وأمثاله للروايات دون بيان صحتها إلا فيما
يتعارض مع معتقدهم؟ فتجده وأمثاله ينقلون ما يؤيد معتقدهم بلا زمام ولا خطام من دون بيان صحة أو إثبات، فإذا عارض معتقدهم فهنا تأتي محاولة التمحيص والتنقيب، وهل حملهم على كل ذلك إلا الهوى المحض لا طلب الحق! فالله المستعان.
وعلى أي حال، فقد أوقفناك على حال روايات القوم فيما زعموه، ورأيت أنه لم يصح منها شيء من طرقهم فكيف بطرق مخالفيهم!
وبينا أن الصحيح الذي ثبت عن رسول الله
في حق علي
قولـه: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) وغيره من ألفاظ قريبة كما ذكرنا يشد بعضها بعضاً.