إنه يقول:
«واعلم أن أنوار المكونات كلها من عرش وفرش وسموات وأرضين
وجنات وحجب وما فوقها وما تحتها
إذا جمعت كلها وجدت بعضًا من نور النبي،
وأن مجموع نوره لو وضع على العرش لذاب،
ولو وضع على الحجب السبعين التي فوق الــعرش لتهافتت.
ولو جمعت المخلوقات كلها
ووضع ذلك النور العظيم عليها لتهافتت وتساقطت» ([1]).
أين هذا من قول الله تعالى للرسول:
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}.
[آل عمران: 128] .
وقوله:
{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ
وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ}.
[الاحقاف: 9].
وقوله:
{قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً *
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ
وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً}.
[الجن: 21ــ22].
أيرضيك يا سماحة الشيخ ما يقول سيدكم الدباغ؟
وهل تجد نسبًا بين قوله وقول رب العالمين ــ جل جلاله ــ؟
أم تجد قولة الدباغ قيئًا من فم الكفر المتقيح
وقول الله هو قول الله الحق المبين؟
ثم إليك ما يرويه الشعراني عن شيخكم الأكبر ابن عربي:
«وقال في قوله تعالى:
{وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}.
[طـه: 114].
اعلم أن رسول الله
أُعطي القرآن مـجملاً
قبل جبريل من غير تفصيل الآيات والسور.
فقيل له:
ولا تعجل بالقرآن الذي عندك قبل جبريل،
فتلقيه على الأمة مجملاً،
فلا يفهمه أحد عنك لعدم تفصيله» ([2]).
أين هذا من قوله تعالى:
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ *
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}.
[التكوير: 19ــ 24].
وقوله تعالى:
{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ *
لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ *
فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.
[الحاقة: 43 ــ47].
وقوله:
{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}.
[النساء: 113].
وقوله:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً
كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً *
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً}.
[الفرقان: 32 ــ33].
وقوله تعالى:
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى *
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى *
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى}.
[النجم: 1ــ7].
الآيات قاطعة الدلالة
على أن الذي علَّم الرسول
هو جبريل.
وإذا علمنا قوله تعالى:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}.
[القدر: 1].
فهمنا أن جبريل كان هو الذي يلقيه للرسول إذن من أول ليلة
كما قال الله تعالى:
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}.
[الشعراء: 192 ــ193].
فمتى علم الرسول القرآن مجملاً؟
الله تعالى يقول له:
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا
مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإيمَانُ}
[الشورى: 52].
هل علمه قبل الرسالة أو بعدها؟
والله يقول:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ
قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ
قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ
إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ *
قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ
فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ }.
[يونس: 15ــ 16].
يعلَّم الله الرسول أن يبرهن على صدق رسالته،
وأن القرآن من عند الله بأنه
لبث أعوامًا من قبل بعثته
لم يجئهم فيها بشيء يدل على أن عنده من القدرة ما يؤلف مثله،
فيزيد فيه أو ينقص منه، أو يبدل بعض نصوصه أو شرائعه وأحكامه،
فلو كان القرآن من عنده لجاءهم به قبل ذلك،
هذا يثبت قطعًا عدم معرفة الرسول بشيء من القرآن
إلا وقت أن أُوحي إليه،
حتى لكان يسأله أعداؤه محرجين متعنتين.
فما كان يحير جوابًا حتى يجيئه جبريل به من عند ربه،
ولقد سئل
عن الروح وفتية الكهف وذي القرنين.
فقال: غدًا أجيبكم،
ولم يقل إن شاء الله،
فحبس الله الوحي عنه حتى اشتد عليه الأمر جدًا،
فلما أتاه سأله عن علة التأخّر؟
فأنزل الله:
{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ
مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ
وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً }.
[مريم: 64].
وقد تظاهرت الدلالات القطعية من القرآن والسنة والعقل السليم
على أن الذي جاءه به جبريل.
فكيف بابن عربي يزعم هذا الزعم الباطل؟!
==============
([1]) (2/84) من كتاب «الإبريز» للدباغ ط 1292هـ.
([2]) (ص6) من كتاب «الكبريت الأحمر» على هامش «اليواقيت والجواهر»
والكتابان للشعراني طبع سنة 1307هـ.