الأثر الخامس:
من دخل في الفتن انحطَّ قدره
أيضاً من آثارها: أن من يدخل فيها وهو من أهل العلم ربما تؤدي به إلى نقص قدره وسقوط شأنه، ومن سلم من تلك الفتن تكون سلامته منها رفعة له وسبباً لانتفاع الناس بعلمه ومضي الخير وجريانه على يديه بتوفيق من الله تبارك وتعالى
ولهذا قال عبد الله بن عون: " كان مسلم بن يسار عند الناس أرفع من الحسن البصري، فلما وقعت الفتنة خف مسلم فيها وأبطأ عنها الحسن أي تأخر واعتزل الفتن، فأما مسلم فإنه اتضع أي عند الناس، وأما الحسن فإنه ارتفع " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (11/128)، وابن سعد في الطبقات (7/165)، وابن عساكر في تاريخه (58/146).
مسلم بن يسار الذي قال عنه عبد الله بن عون هذا الكلام؛ وهو ممن دخل فتنة ابن الأشعث؛ لكنه لما انتهت كان يحمد الله ويقول في حمده لله تبارك وتعالى: " يا أبا قلابة إني أحمد الله إليك أني لم أرم بسهم، ولم أطعن فيها برمح، ولم أضرب فيها بسيف "
معنى كلامه: أنا مشيت معهم؛ لكنني ما رميت بسهم ولا ضربت بسيف
فكان يقول هذا الكلام، يحمد الله، وكان عنده أبو قلابة رحمه الله
فقال له ابو قلابة: يا أبا عبد الله فكيف بمن رآك واقفاً في الصف؟ - أنت عالم ومعروف بين الناس ومكانتك معروفة؛ فكيف بمن رآك بين الصفين
فقال: " هذا مسلم بن يسار لن يقاتل إلا على حق؟! "
وقوفك بين الصفين، وحضورك بنفسك، وقيامك مع هؤلاء، وجودك نفسه هذا مما يزيد الفتنة.
فبكى مسلم بن يسار لما نبهه على هذا الأمر؛ فقال أبو قلابة: " فبكى وبكي حتى تمنيت أني لم أكن قلت له شيئاً "
أخرج هذا الأثر ابن سعد في طالبقات (7/187)، وخليفة في تاريخه (ص:52)، وابن عساكر في تاريخه (58/146)؛ أي: تأثر للحالة التي آل إليها أمر مسلم عندما ذكَّره بخطورة وقوفه حتى بدون مشاركة، فكيف بمن شارك؟!