اسْكُبِ الدَّمْعَ إنَّ الشَّهْرَ مُرْتَحِلٌ * ولَا يَعِيْبُ بُكَاءً أيُّهَا الرَّجُلُ
كَأنَّ مَطْلَعَهُ فِي يَومِ مَغْرِبهِ * بَرْقُ السَّمَاءِ يَخْبُو وَهْوَ يَشْتعِلُ
يَكَادُ يَصْرَعُنَا لَولَا تَصَبُّرُنَا * إذَا يَشِيْعُ فِي حَارَاتِنَا الْأجَلُ
شَهْرٌ بِأكْمَلَ مِنْهُ نَشْرَ مَغْفِرَةٍ * ولَا بِأخْيَرَ مِنْهُ إذَا دَعَا الْوَجِلُ
إذا يَجِيءُ يَضُوْعُ الذَّكرُ أفْئِدَةً * والأَلْسُنُ الرُّطْبُ مِنْ تَرْدِيدِهِ ثَمِلُ
يَهْدِي نُفُوسَاً قَد أَعْيَا بِهَا السَّفَرُ * بَيْدَاءَ مُوحِشَةٍ مَا فِي جَوْفِهَا دَقَلُ
عَمِيَتَ قُلُوبٌ فِيهِ عَمَّا تُحَصَّلُهُ * جَهْلاً بِخَيْرِ لَيَالٍ لَيْلَ مَنْ تَصِلُ؟
ومَسجِداً مِثْلَ بَيْتِ النَّحْلِ مُحْتَشِداً * لِلنَّاسِ بالسَّحَرِ فِي سَاحَاتِهِ زَجَلٌ
لا يَقُومُ بِه فِي الظَّلْمَاءِ يَطْلُبُه * إلا الذَّيِنَ لَهُم فِيْمَا يَطْلُبُوا أمَلُ
فِي فِتْيَةٍ بِهَجِيْعِ اللَّيْلِ قَد عَلِمُوا * أنْ لَيْسٍ يَدْفَعُ عَنْ غُلَوائِهِمْ كَسَلُ
وشِيبةٍ ذَوِي عَزِيْمَاتً لَقَد فَطِنُوا * أنْ لَيْسَ يَمْنَعُ عَنْ ذِيْ الشَّيْبَةِ الْأمَلُ
يُطَالِعُ القَلْبَ مِنْهُم أنْوَارُ لَهَا شُعَلٌ * وأنفسٌ مِنْهُم بِهَا الْأَرْوَاحُ تَشْتَمِلُ
وَمَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْأُنْسِ عَامِرَةً * كَأنَّ تُرْبَتَهَا بِالْحُبِّ تَغْتَسِلُ
بَادَلْتُهُم حِبَاَل الْأُنْسِ مُغْتَبِطاً * وزَفْرَةً حَسْرَى مَا تَنْفَكُ تَعْتَمِلُ
أيَا لَيْلَةً شَرُفَتْ بِالْوَحْيِ مَنْزِلَةً * إنْ عَسَّ طَالِبُهَا فَازَ بِخَيْرِهَا بَدَلُ
صَفْوُ السَّمَاءِ طِيْبُ النَّسْمِ سَاكِنَةٌ * إذَا صَغَيْتَ يَكَادُ الْهَمْسُ يَتَّصِلُ
غَرَّاءُ شَهْبَاءُ مَحْشُودٌ مَلَائِكُهَا * تَكْفِي رَوَاحِلُهَا مَا ضَاقَتْ بِهِ الْأُوَلُ
لَمْ تَكُنْ ألْفَاً ولَمْ تَقْرُبْ مِنْ الْألْفِ * وَمَا تَرَاهَا لِغَيْرِ الْلَّهِ تَكْتَمِلُ
تَنْفِي بِهَا الآثَامَ مَا بَلَغَتْ ذَنْبٌ * بِعَبْدٍ أو خَوَّضَ بِه الْوَحْلُ
وَقَدْ أَقُودُ خُطَايَا إلَيْهَا فَتَسْبِقُنِي * وَقَدْ تُثَاقِلُنِي فَمَا تَرْضَى بِهِ بَدَلُ
وَقَدْ أُخَالِسُ حَظَّ النَّفْسِ غَفْلَتَهَا * وَقَدْ تُحَاذِرُ مِنَّي كَيْفَمَا تَنَلُ
وَلَو أَقُومُ إلى الْمِحْرَابِ يَغْمُرُنِي * دَمَعٌ سَكِيْبٌ بِهِ الآثَامُ تَغْتَسِلُ
إنْ تَرْكَنُوا فَطِلابُ العِزّ بُغْيَتُنَا * أَو تَحْمِلُونَ فَإنَّا خَلْفَ مَنْ حَمَلُوا
عَلّقْتُهَا رَغَباً فِي اللهِ قَدْ مَلَأتَ * قَلْبِي وَعَلّقَهُ ذَنْبَاً مَا أَوْهَنَ الرَّجُلُ
قَالَ الهِلَالُ لمَّا جِئْتُ أَرْقُبُه * عَهْدِي إلَيْكَ وعَهْدَاً مِنْكَ يَا رَجُلُ
أَفْطِمْ وَلِيدَ بَنِي الْإنْسَانَ مَوْعِظَةً * ألَّا يَبِيْتَ لِدَارٍ تَحْنُنْ وَهْيَ تَخْتَتِلُ
لا يَسْتَفِيْقُونَ عَنْهَا وَهْيَ خَادِعَةٌ * تُخْفِي نَوَاجِزُهَا مَا أَبْدَتِ المُقلُ
تُغْرِي بِهِمْ فَرْطَ مَأمُولٍ وبُغْيَتَهُ * حُبَّ البَقَاءِ ومِنْ ألْوَانِهِ شَكْلُ
لَتَطْلُبَنّكَ مَا طَابَ المُقَامُ بِهَا * مَا أَبْدَتَ مَفَاتِنَهَا والطَّرْفُ مُكْتَحِلُ
أمَا تَرَاهُمْ صَرْعًى لا نَجَاةَ لَهُمْ * تَجْفُو وتَتْرُكَهُمْ تَبْقَى ويَنْتَقِلُوا
أمَا تَرَاهَا بُيُوتَاً لا عِمَادَ لَهَا * يَبْنُوا فَتَهْدِمُهَا واْلحَالُ مُتَّصِلُ
يَشْقَى بِهَا ذُو عَزيْمَاتٍ لَهُ أنَفٌ * فِي السَّائِريْنَ وَإنْ عَلّوا وَإنْ نَهِلُوا
إنَّا مُنَادُوكَ فَأقْبِلْ أيُّهَا الرَّجُلُ * لَقَدْ بَلَوتَ فَلا يَغْرُرْ بِكَ الْأمًلُ
هَلَّا سَعَيْتَ إلى الْجَنّاتِ تُرْفَلُ فِي * ظِلّ ظَلِيْلٍ دُونَ سَمَائِهِ ظُلَلٌ
والْحُورُ تَبْقَى أبْكَاراً مُنَشّاةً * حَتَّى يُدَافَعُ عَنْ أَزْوَاجِهَا الْمَللُ
القَاصِرَاتُ هِدَابَ الطّرفِ نَظْرَتَهُ * والطَّاهِرَاتُ عَلَا أنْفَاسَهَا خَجَلُ
تَسْقِي كُوُؤسَاً لَهُمْ قَدْ جُنّبَتْ كَدَراً * صَفْواً تَجَانَفَ عَنْهَا شَارِبٌ ثَمِلٌ
ولُؤلُؤا نُثَّرتَ بِالْعَيْنِ تَحْسَبُهُمْ * مِن وَالِدِيْهِمْ إذَا أطْفَالُهُمْ دَخَلُوا
يَا مَنْ بَاتَ رَاغِبَاً فِي الْجَاهِ يَطْلُبُه * وَالْمَالَ يَجْمَعُه فَالْعُمْرُ مُرْتَحِلُ
كَنَاضِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيَغْسِلهَا * فَلَمْ يُنْقِهَا وأُخْسِرَ فَوقَهَا الْبَلَلُ