الشبهة الثالثة عشرة:ترك الانقياد
سؤال:يتهم المخالفون الحكام بأنهم تركوا الانقياد لله، وتركوا الالتزام بشريعته، حين حكموا القوانين الوضعية. فهل هذا صحيح؟؟
الجواب:
هذا مما يخطئ فيه الكثيرون؛ إذ لا يعلمون تفسير مصطلح الانقياد، فإن معناه عند أهل العلم الخضوع للأمر، وإن لم يفعل المأمور به؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " كلام الله خبر، والخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام، وهو عمل في القلب، جماعه: الخضوع والانقياد للأمر، وإن لم يفعل المأمور به، فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد، فقد حصل أصل الإيمان في القلب، وهو الطمأنينة والإقرار" [1].
أما بالنسبة إلى الالتزام، فالالتزام في اصطلاح العلماء وعرف الفقهاء هو الإيجاب على النفس. فقولهم: التزم أحكام الإسلام، معناه أوجب على نفسه الأخذ بها، وإن لم يعمل بها[2]. وقد أوضح ذلك أيضا الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية نفسها، فقال: (ومن ترك التحكيم المذكور، غير ملتزم له، فهو كافر، ومن تركه مع التزامه، فله حكم أمثاله من العاصين).
فقوله: (ومن تركه مع التزامه) يعني مع إذعانه لها وعدم ردها وإن لم يعمل بها، وإلا تناقض كلامه. ومما يؤكد ذلك: استعمال ابن تيمية لهذا المصطلح في عامة كتبه، ومن ذلك قوله في مسألة تكفير تارك الصلاة:
" وتكفير تارك الصلاة هو المشهور المأثور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين.
ومورد النزاع هو فيمن أقر بوجوبها والتزم فعلها ولم يفعلها.
وأما من لم يقر بوجوبها، فهو كافر باتفاقهم.
وليس الأمر كما يُفهم من إطلاق بعض الفقهاء، من أصحاب أحمد وغيرهم: أنه إن جحد وجوبها كفر، وإن لم يجحد وجوبها، فهو مورد النزاع.
بل هناك ثلاثة أقسام:
أحدها: إن جحد وجوبها فهو كافر بالاتفاق.
والثاني: أن لا يجحد وجوبها، لكنه ممتنع من التزام فعلها؛ كبراً أو حسداً أو بغضاً لله ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فيقول: أعلم أن الله أوجبها على المسلمين، والرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صادق في تبليغ القرآن، ولكنه ممتنع عن التزام الفعل؛ استكباراً أو حسداً للرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو عصبية لدينه، أو بغضاً لما جاء به الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا أيضاً كافر بالاتفاق.
والثالث: أن يكون مقراً ملتزماً، لكن تركها كسلاً وتهاوناً أو اشتغالاً بأغراض له عنها، فهذا مورد النزاع … " [3].
______________________________________
[1] الصارم المسلول(3/967)
[2] (أنظر: معجم لغة الفقهاء للدكتور محمد رواس قلعجي:ص86)
[3] مجموع الفتاوى: الثالث(20/95)