وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ
قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ
لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ *
قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ *
فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ
أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ
إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ *
قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ *
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
{ 93 - 98 }
أي: قال يوسف
لإخوته:
{ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا
فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا }
لأن كل داء يداوى بضده،
فهذا القميص - لما كان فيه أثر ريح يوسف،
الذي أودع قلب أبيه من الحزن والشوق ما الله به عليم
- أراد أن يشمه، فترجع إليه روحه،
وتتراجع إليه نفسه، ويرجع إليه بصره،
ولله في ذلك حكم وأسرار،
لا يطلع عليها العباد،
وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الأمر.
{ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }
أي: أولادكم وعشيرتكم وتوابعكم كلهم،
ليحصل تمام اللقاء،
ويزول عنكم نكد المعيشة، وضنك الرزق.
{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ }
عن أرض مصر مقبلة إلى أرض فلسطين،
شمَّ يعقوب ريح القميص،
فقال: { إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ }
أي: تسخرون مني،
وتزعمون أن هذا الكلام،
صدر مني من غير شعور،
لأنه رأى منهم من التعجب من حاله
ما أوجب له هذا القول.
فوقع ما ظنه بهم فقالوا:
{ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ }
أي: لا تزال تائها في بحر الحبّ لا تدري ما تقول.
{ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ }
بقرب الاجتماع بيوسف وإخوته وأبيهم،
{ أَلْقَاهُ } أي: القميص
{ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا }
أي: رجع على حاله الأولى بصيرا،
بعد أن ابيضت عيناه من الحزن،
فقال لمن حضره من أولاده وأهله
الذين كانوا يفندون رأيه،
ويتعجبون منه منتصرا عليهم،
متبجحا بنعمة الله عليه:
{ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
حيث كنت مترجيا للقاء يوسف،
مترقبا لزوال الهم والغم والحزن.
فأقروا بذنبهم ونجعوا بذلك
و { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ }
حيث فعلنا معك ما فعلنا.
فـ { قَالَ } مجيبا لطلبتهم، ومسرعا لإجابتهم:
{ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
أي: ورجائي به أن يغفر لكم ويرحمكم،
ويتغمدكم برحمته،
وقد قيل:
إنه أخر الاستغفار لهم إلى وقت السحر الفاضل،
ليكون أتمَّ للاستغفار،
وأقرب للإجابة.