دندنة الغزالي بوحدة الوجود
يقول : "العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة،
اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحق،
ولكن منهم من كان له هذه الحالة عرفانا علمياً ( 1 )
ومنهم من صار ذوقاً وحالا ( 2 ) ،
وانتفت عنهم الكثرة بالكلية،
واستغرقوا بالفَرْدَانيَّة المحضة،
فلم يبق عندهم إلا الله،
فسكروا سكراً، وقع دونه سلطان عقولهم،
فقال بعضهم: أنا الحق ( 3 )!.
وقال الآخر: سبحاني!. ما أعظم شأني! ( 4 )
وقال الآخر : مافي الجبة إلا الله ( 5 )
وكلام العشاق في حال السكر، يُطوي، ولا يُحكى ( 6 )
فلما خف عنهم سكرهم، وردوا إلى سلطان العقل،
عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد، بل يشبه الاتحاد،
مثل قول العاشق في حال فرط العشق:
أنا من أهوى، ومن أهوى أنا ** نحن روحان حللنا بدنا ( 7 )
وتسمى هذه الحالة بالإضافة إلى المستغرق فيها
بلسان المجاز: اتحاداً
وبلسان الحقيقة توحيداً.
ووراء هذه الحقائق أسرار لا يجوز الخوض فيها " ( 8 )
توحيد مَنْ ؟؟
أتوحيد الرسول
،
أم توحيد البررة الأخيار من أصحابه؟
أجيبوا يا ضحايا الغزالي
وسدنة الأصنام من كتبه ؟
******************
( 1 ) أي وصل إليها عن طريق الدليل والبرهان
( 2 ) أي وصل إليها عن طريق الكشف والإلهام
( 3 ) قائلها طيفور البسطامي
( 4 ) قائلها البسطامي
( 5 ) قائلها الحلاج
( 6 ) يصف الغزالي هذه المجوسية الصوفية بأنها هتفات أرواح سكرت بعشق الله، ولم يجد الغزالي ما ينقد به هذه الصوفية – إن عددته نقداً – سوى قوله: وكلام العشاق يطوى ولا يحكى !!
ولكن ما حكم الله يا غزالي؟ لا يجيب !!،
ولكنه حكم من قبل بأن ذلك أسمى مراتب التوحيد!!
( 7 ) هذا البيت للحلاج وانظر ص 34 طواسين، والبيت الذي بعده.
فإذا أبصرتني، أبصرته ** وإذا أبصرته أبصرتنا
والغزالي يعرف أن ذلك للحلاج غير أنه يتستر على شيطان وحيه،
والحلاج حلولي يؤمن بثنائية الحقيقة الإلهية،
فيزعم أن الإله: له وجهان، أو طبيعتان هما : اللاهوت والناسوت،
وقد حل الأول في الآخر. فروح الإنسان هي لاهوت الحقيقة الإلهية، وبدنه ناسوته.
فإذا كان الغزالي قد رفض القول بالاتحاد، ودان بما يشبهه،
فقد آمن بما هو أخبث منه، وهو الحلول.
بدليل استشهاده بالبيت الذي عبر به الحلاج عن حلوليته!!
( 8 ) ص 122 مشكاة الأنوار للغزالي ط 1934م