رَدُّ هذه الفِرْية وبطلان هذه الفِرْية بَدَهِيُّ يحكم به مَنْ في قلبه بارقة من إيمان، بيد أن غشاوة الصوفية على بصائر مُعتَنِقيها حالت بينها وبين إدراك الحقيقة الإيمانية الأولى، وهي أن رب الوجود هو الله وحده لا شريك له، فَلِم لا تحول بينها وبين إدراك بطلان تلك الفرية ؟! لهذا نذكرك بهَدْي الله سبحانه : ( علَّمه شديدُ القوى، ذو مِرَّةٍ فاستوى؛ وهو بالأفق الأعلى). آيات بينات تهديك إلى أن الذي علَّم رسول الله القرآن هو جبريل، وإلى أنه : لم يكن على علم بشيء ما منه قبل أن يَنزِل جبريل به عليه. ( وقال الذين كفروا: لولا نُزِّل عليه القرآنُ جملةً واحدة كذلك لِنُثَبِّتَ به فؤادَك ورتَّلناه ترتيلاً، ولا يأتونك بمثل، إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً ). ويقول ابن عربي أنه نزل عليه جملة واحدة، فقوله قول الكافرين!! ومن قوله سبحانه : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر) نؤمن بأن محمداً لم يعلم بآية ما من كتاب ربه إلا في ليلة القدر، فمتى علم الرسول القرآن مجملاً ؟ أقبل ليلة القدر، أم بعده ؟ ومَنْ عَلَّمه إياه مجملاً ؟ أجبريل، أم غيره ؟ ائتوني بأثارة من علم، إن كنتم صادقين. ويهب الله للحق برهاناً تنجاب به كل ريبة : ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا، ما كنتَ تدري ما الكتاب، ولا الإيمان ) أيفهم الصوفية، أم هي اللجاجة في العناد ؟ ( وإذا تُتْلى عليهم آياتنا بينات، قال الذين لا يرجون لقاءنا: إئت بقرآن غير هذا، أو بَدِّله، قل : ما يكون لي أن أُبَدِّله من تلقاء نفسي، إن أَتَّبِع إلا ما يُوحَى إليَّ، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، قل: لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمراً من قبله، أفلا تعقلون؟ ). وفرية الصوفية تناقض هذه الحجة الإلهية على صدق محمد. أولا يذكر الصوفية أن رسول الله حين فجأه الوحيُ، كان يقول – وجبريل يغطه: "ما أنا بقارئ" ؟! وأنه عاد إلى زوجه الطيبة الطهور في خوف وقلق، وأن هذه المؤمنة العظيمة قالت له قَوْلَتَها التي طَيَّبها الإيمانُ بروحانيته "والله لا يخزيك الله أبداً" أفكان يحدث هذا، أو بعضه، لو أنه ، كان على بينة من القرآن، قبل نزوله عليه ؟ لِمَ قال: ما أنا بقارئ ؟ يكررها ثلاثاً؟ لِمَ عاد خائفاً حتى زَمَّلُوه ودَثَّروه ؟ لِمَ بَثَّ ذات نفسه إلى زوجته خديجة، ولِمَ ذهب معها إلى ورقة بن نوفل ؟! كل هذا حدث منه حتى بعد نزول الوحي عليه!! أهذه دلائل علم سابق بالقرآن، ويقين جازم به قبل نزول جبريل عليه به في ليلة القدر ؟، أم دلائل مشاعر نفس مؤمنة تقية، فجأها من الله سبحانه، ما لم تكن تدريه من قبل ؟! واهاً للصوفية!! تبصر نور الشمس يتوهج، فتقول ياللظلام الدامس!! كبعض الطير يعشيه النهار!! ولقد كان أعداء الرسول يسألونه مُحْرِجين مُتَعَنِّتين، يبتغون تكذيبه، والتجديف عليه، فلم يكن يجيبهم بشيء – لأنه لا يعرف الجواب – عما سألوه عنه، إلا بعد أن ينزل جبريل عليه به. سألوه عن الروح، وعن فتية الكهف، وعن ذي القرنين، فقال : غداً أجيبكم!! وأنساه حرصه النبيل على إقامة الحجة عليهم وهدايتهم، فلم يقل: إن شاء الله، ففتر عنه الوحي حتى حَزَبه الأمرُ، وبلغت به الشدة مبلغها، ولم لا؟ وعدُوُّه مُتَرَبِّصٌ به، حريص على تكذيبه، وعلى أن يثير الشبهات حول رسالته، ورغم هذا يفتر عنه الوحي!! ثم مَنَّ الله عليه به، فعلم عن الله جواب ما سألوه عنه فقال الرسول لجبريل: "لقد رِثْتَ عليَّ، حتى ظن المشركون كل ظن" فنزل قوله تعالى : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) ( 1 ) . أفكان يحدث هذا، لو أن رسول الله، كان على بينة من القرآن قبل نزوله ؟ لماذا لم يجب مَنْ سألوه ؟ لأنه لم يكن يعرف الجواب، ولكن ابن عربي يكفر بكل تلك الدلائل، ويفتري أسطورته، فَتَؤُجُّ في الصوفية كالنار في الهشيم، وتنتشر كالوباء الفتَّاك، وتظل ديناً يكتبه الشعراني ويهرف به حمقى الصوفية !! وعذرنا في إطالة الرد على هذه الفرية أنها دين قوم يُحسبون على الإسلام، ومن أئمته، وما زال عَدُوُّ ربه "فلان" ينعب بها حتى اليوم في رحاب الأزهر، يضج بها نعيبُه، والموذن يقول : الله أكبر!! ****************** ( 1 ) انظر تفسير ابن كثير في هذه الآية
بهجة قلوب الأبرار