دين ابن عربي
وكعهدك بي أُذكرك بما اختلقوه من إفك حول تلك الأسطورة؛
ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا مَنْ حَيَّ عن بينة.
يقول ابن عربي:
عقد الخلائق في الإله عقائداً ** وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه ( 1 )
ويقول:
لقد كنتُ قبل اليوم أنكر صاحبي ** إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة ** فمَرْعى لِغزْلانٍ، ودير لرهبانِ
وبيتٌ لأوثانٍ، وكعبةُ طائفٍ ** وألواحُ توراةٍ، ومصحف قرآنِ
أدينُ بدين الحب أنَّى تَوَجَّهَتْ ** ركائبُه، فالدين ديني وإيماني ( 2 )
ويحذر ابن عربي أتباعه أن يؤمنوا بدين خاص،
ويكفروا بما سواه،
فيقول: "فإياك أن تتقَيَّد بعقد مخصوص،
وتكفر بما سواه،
فيفوتك خير كثير،
بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه،
فكن في نفسك "هَيُولي" ( 3 ) لصور المعتقَدات كلها،
فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عَقْد دون عَقْد،
فالكلُّ مصيبٌ،
وكل مُصيبٍ مأجورٌ،
وكل مأجورٍ سعيدٌ،
وكل سعيدٍ مَرْضِيٌّ عنه ( 4 ).
وهذا الدين الأسطوري
يستلزم حتمًا نفي عذاب الآخرة،
فَرَبُّ الصوفية في دينهم
كل مشرك وكل موحِّد،
ويستحيل أن يعذب الرب نفسه،
ولهذا يقول ابن عربي:
فلم يبق إلا صادق الوعد وحدَه ** وما لِوَعيد الحقِّ(5) عينٌ تُعايِنُ
وإن دخلوا دارَ الشقاء، فإنهم ** على لَذَّةٍ فيها نعيمٌ مُبَاينُ
نعيمُ جنان الخُلدِ فالأمر واحد ** وبينهما عند التَّجَلِّي تَبايُنُ
يُسَمَّى عَذاباً من عُذوبةِ طعمِهِ * وذاك له كالقشر، والقشرُ صائنُ(6)
وهكذا يوغل ابن عربي إيغالاً سحيقاً
في الغُلُوِّ العجيب من التناقض،
ويكدح شيطانيته؛
لتبتدع من البدع
ما يقضى به على بقية الخير اليتيمة
من إيمان المسلمين!
لقد آمن بأن الرب عين العبد،
وأن الإيمان صِنْوُ الكفر حقيقة وغاية ،
فما الذي يمنعه من الإيمان بأن الوعد عين الوعيد ؟
وأن نعيم الجنة وكوثرها عين عذاب السعير وغسلينها ؟
لم يمنعه شيء،
فصرح كما ترى به!
فأي قضاء على الدين والأخلاق،
أشد طغياناً من ذلك،
إذا كان العمل الصالح يستوي والعملَ الخبيث،
وإذا كانت الفضيلة عين الرذيلة،
وإذا كان الخيرُ قرينَ الشر،
وما مصير الإنسانية
لو أنها آمنت بهذه الصوفية ؟!
******************
( 1 ) انظر شرح الفصوص لعبد الرحمن جامي شرح الفص الهودي
( 2 ) ص 39 ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق لابن عربي
( 3 ) الهيولي لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة، وفي الاصطلاح الفلسفي هي
"ما به الشيء بالقوة، أو جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال"،
وقد استعملها ابن عربي هنا بمعنى القابل،
أي الذي تنطبع فيه صور المعتقدات كلها، وينفعل بها،
وتصدر عنه أفعاله طبقاً لمعتقداته المتنوعة.
( 4 ) ص 191 وما بعدها فصوص الحكم بشرح بالي ط 1309هـ
( 5 ) يعني بالوعد النعيم في الآخرة، ويعني بالوعيد عذاب الآخرة.
يريد من هذا نفي العذاب مطلقاً في الآخرة حتى للمشركين
( 6 ) ص 94 فصوص جـ 1 بتحقيق الدكتور عفيفي.