دين ابن الفارض
يقول في تائيته الكبرى:
فبِي مجلسُ الأذكار سَمْعُ مُطَالِعٍ ** ولي حانَةُ الخمار عينُ طليعةِ
وما عقد الزُّنَّارَ(1) حُكْمًا سوى يدي * وإن حُلَّ بالإقرار بي، فَهْي حَلَّتِ
وإن نار بالتنزيل محرابُ مسجدٍ ** فما بار بالإنجيل هيكلُ بَيْعَةِ (2)
وأسفارُ توراة الكليم لقومه ** يناجي بها الأحبارُ في كل ليلةِ
وإن خَرَّ للأحجار في البُدِّ (3) عاكفٌ ** فلا وَجْهَ للإنكار بالعصبيةِ
وما زاغت الأبصارُ من كل مِلَّةٍ ** وما راغت الأفكار من كل نحلةِ
وما احتار مَنْ للشمس عن غِرَّة صَبا(4) **
وإشراقُها من نور إسفار غُرَّتي
وإن عبد النارَ المجوسُ ، وما انطفت **
كما جاء في الأخبار في ألف حجةِ (5)
فما قصدوا غيري، وإن كان قصدهم **
سواي، وإن لم يُظْهِروا عَقْد نيةِ
حانات الخمر، ومواخير الخطايا،
وصَلَوات ( 6 ) اليهود وبِيَع النصارى
وهياكل المجوس والصابئة،
وبيوت الأصنام،
ومجالس الذكر، ومساجد الله،
كلها عند ابن الفارض ساح فِسَاحٌ
يُعْبَد فيها الله عبادة يحبها ويرضاها ؛( 7 )
لأنه المعبود فيها والعابد !!
وهذا المشرك العاكف على الأصنام يسجد لصخورها الصُّم ،
وهذا الصابئ الساجد في معبد الكوكب ،
وهذا المجوسي يتبتل بضراعته إلى النار ،
وهذا اليهودي التائه يريق الدموع على مَبْكَاهُ ،
ويُؤَجِّج سعير الحقد على الله ،
كلُّ هؤلاء عند ابن الفارض
على بينة من الهدى والفرقان ،
فما هم في دينه إلا الذات الإلهية
متعينة في صور بشرية !!
******************
( 1 ) هو ما يشده النصارى على أوساطهم
( 2 ) معبد النصارى
( 3 ) الصنم أو بيت الأصنام
( 4 ) مال قلبه
( 5 ) يشير إلى ما يقال من أن نار المجوس التي ظلت تشتغل ألف عام خمدت ليلة مولد النبي
( 6 ) أمكنة عبادتهم
( 7 ) يقول جولد زيهر: "مهما تظاهر الصوفيون بتقديرهم للإسلام،
فلغالبيتهم نزعة مشتركة إلى محو الحدود التي تفصل بين العقائد والأديان،
وعندهم أن هذه العقائد كلها لها نفس القيمة النسبية إزاء الغاية المثلى التي ينبغي الوصول إليها "
ص 151 العقيدة والشريعة.