دعوى الزهد
زعمت الأوهام أن الصوفية بِرُّ زهادة، وقداسة روحانية.
يعرجان بالروح إلى الملأ الأعلى،
فدعني إذن أسائل كل صوفي:
أليس في الإسلام ما تبلغ به النفس كمالها وسعادتها النضرة،
وما تتألق به الروح،
وتسمو إلى سماء الإيمان الحق، والنورانية الصافية،
وما ينبغ به الفكر،
فيدرك الحق إدراكاً لا يشوبه رَيْبُ وهْمٍ، ولا يريبه ظن،
وما يصفو به القلب،
فيفيض بالخير والرحمة والمحبة ؟
أحسبت الإسلام غير مُجْدٍ في تزكية الإنسان والتسامي به،
حتى تفرَّ مُنحدِراً إلى الصوفية ؟
إن في إخلاص التوحيد، وصدق الإيمان،
وطيب الإحسان فيما أنعم الله به
لواحة وريفة الظل، فَنَّاء الخميل،
ثَرَّة النبع في صحراء الحياة،
تَتْرَع من سلسلها العذب
ما يجعل الحياة حوليك
مجالي خير وسلام وصفاء،
ومجاني نعيم روحي وسعادة نفسية.
عبادتك الله كأنك تراه،
تجريد لك من نوازغ الشر ونوازعه ،
وتزكية لك مما يضل به الفكر ،
أو تطيش الغريزة ، أو تزل العاطفة ،
أو يخمد الشعور بحق الحياة الطيبة.
إنها تطلقك في رحاب الوجود
جهاداً دائباً في سبيل الحق
وعملاً صالحاً تنشد به رضاء الله وحده،
وتحقيق الخير العام للإنسانية،
وتسبيحاً وتقديساً لله وحده،
لا امتزاجاً،
أو اتحاداً،
كما تزعم الصوفية!.
ذلك بعض ما في الإسلام،
فماذا في الصوفية ؟!
فيما ذكرت لك من قبل الجواب الصادق.
إن الزهد الذي تبشِّر به الصوفية
– حين تريد اغتصاب اليتيم والمسكين ( 1 ) -
ليس من شعائر الإسلام، ولا من شرعته في شيء ،
مهما حاولت الصوفية تَوشِيَتَه؛
ليبدو لضحاياها شعيرة دينية سامية!.
فمعنى الزهد تحقير الشيء،
والتهوين من شأنه في اللغة التي شرفها الله،
فنزل بها كتابه،
وبهذا المعنى وردت في القرآن،
ولم ترد مادتها فيه إلا مرة واحدة.
قال تعالى يقص شأن السيارة الذين باعوا يوسف:
( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة،
وكانوا فيه من الزاهدين )
تأمل هذه الكلمات
"بخس، ودراهم، ومعدودة"
ثم تأمل ورود كلمة "الزاهدين" بعدها؛
لتدرك جيداً حقيقة معناها.
فهو إذن – وهذا معناه - مما يمقته الله ورسوله،
ويبرأ منه كل مؤمن بالله. ورحمته وحكمته؛
إذ معناه تحقير نعم الله،
والتهوين من شأنها الأعظم.
إن في الزهد الذي تزعمونه القضاء على الفرد،
وعلى قوى الجماعة الإسلامية،
فيه صرف للهمم
عن الجد والسعي في سبيل الخير للفرد والجماعة.
والاستعمارُ القديم والحديث
يعمل لنشر هذه الخرافة في الشرق
وحمل أهله على الإيمان بها؛
ليعيش أهله أذلاء النفس مهزولي القوى؛
يرضون باللقمة الساغبة من فتات المستعمرين؛
عالة على مستعبديهم،
يجرعونهم المسكنة والصغار!
أشباحاً هزيلة،
وظلالاً كابية
لِرُكَامٍ من الجيف!!
وقد صدَّق الشرق في أحقاب من تاريخه
خرافة الاستعمار الصوفي،
فهوى من قمة المجد والقوة والحرية
إلى حضيض المهانة والعبودية!
نبئوني،
ماذا يحدث لو اتخذ كل مسلم
من الزهد الصوفي شريعة له ؟!
سيكون المسلمون – وقد حدث –
فريسة هينة سهلة لكل ناب باغية،
ومضغة محتقرة يمجها كل مِشْفر!
وهذا هو هدف الاستعمار،
وربيبته الصوفية التعسة!
في الإسلام الذي أتم الله به على عباده النعمة،
وأكمل الدين،
كلمةٌ لو أخذ بها المسلمون،
لكانوا مع الله وحده قلوباً عابدة،
ومع إخوانهم قلوباً محبة
تنزع دائماً إلى الإيثار والفداء والتضحية:
إنها "التقوى"
تتقي الله،
فتطيعه طاعة قدسية،
وتتبع رسوله.
تتقي الله،
فلا تغصب ما ليس لك.
تتقي الله،
فتعمل لنفسك ما يزكيها،
ولغيرك ما يسعده،
ويحفظ عليك وعليه الحياة
( فاتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم،
وأطيعوا الله ورسوله )
ولجلال هذه الشعيرة الإيمانية
كان لها من الله هذا الجزاء الأعظم
( ومن يتق الله، يجعل له مخرجاً...
ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ).
( فمن اتقى، وأصلح،
فلا خوف عليهم، ولا هم يحزنون ).
( ولو أن أهل القرى آمنوا، واتقوا،
لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )
( بلى من أوفى بعهده، واتقى،
فإن الله يحب المتقين )
( إن الله مع الذين اتقوا،
والذين هم محسنون ).
فلماذا رغبتم عن " التقوى " إلى " الزهد "
وهو تراث "المانوية" ؟
وقد هولتم به،
كأنما هو وحده السبيل لهداية الإنسانية الحائرة؟
ترى هل ترون في القرآن
للزهد ذكرا،ً أو أجراً ؟!.
******************
( 1 ) من أعجب ما ترى. أن يدعو الشيوخ إلى الزهد.
وهم يتكالبون على كل شيء خبيث،
يدعون سواهم إلى الزهد؛
ليكون لهم هم وحدهم كل شيء.
أفلا يدعون أنفسهم إلى التقوى؟!