أصل الزهد الصوفي
أتدري عمن اقترف الصوفية دعوى الزهد الذي يحقر نعم الله،
ويعمل لتحطيم كل مُقومات الجماعة الإسلامية ؟!
إنهم بَشَّرُوا بفتنة غَيِّه عن المجوسية المانوية
التي آمنت بألوهية الخير والشر،
وبأن هذين المتقابلين في قِيَم الأخلاق
امتزجا بربها الأكبر امتزاجاً تاماً،
وأن هذا الرب "المانوي" ( 1 ) الثنائي الطبيعة،
لن يستطيع التخلص من الشر الذي يُقَوِّم ذاته،
أو النجاة منه إلا بفناء العالم،
فوصى "ماني" مُسَيلمةُ هذا الدين بالزهد وعدم الزواج؛
لينحدر مسرعاً إلى هوة العدم.
استمدته من "الغنوصية" ( 2 )
التي زعمت أن غاية الإنسانية العظمى
هي في الاتحاد بالرب !!
الرب "الغنوصي" الذي صنعه الهوى،
وأمدته الأساطير بالوجود الأسطوري!.
هذا هو أساس الزهد الصوفي،
وهدفه، عليه قام، ويقوم،
وهو كما ترى غير التقوى الإسلامية.
غيرها في كل شيء،
غيرها في المعنى والروح والنسب والغاية،
فغاية الزهد الصوفي تدمير الجماعة الإسلامية ( 3 )،
وغاية التقوى سُمُوٌّ بالفرد، وسمو بالجماعة،
وتَشْيِيدٌ لصروح العدالة والحب والإيثار والإخاء الكامل،
وبالرغم مما تأفك الصوفية من دعاوى الزهد،
فإنا نرى كهانها عدواً خصيماً للقناعة،
فتوجههم ضراوة الذئاب إلى الفتك بالحملان الوديعة البريئة،
ويثيرهم الجشعُ إلى سلب ما على فم اليتيم.
وإلا فاهدني إلى جواب ما أسائلك عنه.
أيُحْسَبُ قانعاً من يغصب قوت اليتيم؛
ليتخم به بطوناً تشكو البطنة ؟!
من يهتك عن أيَامَى المسكنة، وأرامل الفقر أستارَهُنَّ؛
ليجعل منها للأصنام عمائم ضخمة كالداهية،
منتفخة كبطون السحت،
سوداء كحقد المشرك،
حمراء كالجريمة المسفوحة،
خضراء كالعشب السام،
بيضاء كالكفن ؟!
من يغصب الفُتَات من الغارمين،
ثم يأكله ناراً من الربا الجائر ؟!
من تَخُبُّ في الحرير،
ويدب بنعليه على الطنافس،
ويزعج الهامدين بأبواق سياراته،
وتضج حانات الليل من عربدته ( 4 )،
ودراويشُه من حوله يخبون في المآسي،
ويدبون على الفواجع،
ويقتاتون بالنكبات،
ويتجرعون غصص الدموع،
ويحتسون دمَ الجراح ؟! ( 5 ).
أيُحْسَبُ قناعة هذا النَّهَمُ المُسْتَشْرِي بالحرام،
وذلك التكالُب الضاري على سُحْت الأضرحة ؟!
انظر إلى مَنْ حولك من كهانها،
وأرني فيهم من يَمَسه الزهد
حتى خطرة ذاهلة مضغةٍ حَيْرَى
على شَفَتَي يتيمٍ محروم،
نالها بعد سَغَبٍ يائس !!؟
ذلك هو الزهد الصوفي،
فما ذِكْرُهم ؟.
******************
( 1 ) نسبة إلى ماني بن فانك متنبئ فارسي، وقد وصى أتباعه بالزهد المسرف في الغلو.
وبعدم الزواج؛ ليفنى العالم،
فيستطيع الرب التخلص من طبيعة الشر الكامنة فيه.
وعنه استمد الصوفية ذلك.
يقول أبو طالب المكي مفترياً على رسول الله هذين الحديثين:
"إذا كان بعد المائتين، أبيحت العزبة لأمتي" أي عدم الزواج.
وقال: "لأن يربي أحدكم جرو كلب، خير من أن يربي ولداً"
نفس الدين، ونفس الهدف المانوي!
انظر ص 150 جـ 4 قوت القلوب ط 1351، تجد المانوية الصرفة،
ويقول الجنيد:
"أحب للمبتدئ ألا يشغل قلبه بهذه الثلاث، وإلا تغير حاله،
التكسب وطلب الحديث والتزوج،
وأحب للصوفي ألا يقرأ ولا يكتب؛ لأنه أجمع لهمه"
إذا كان لا يتكسب وهو شاب، فمتى؟
وإذا كان لا يطلب حديث الرسول، فماذا؟
وإذا كان لا يتعلم، فأي شيء يكون هو؟
لو أننا نفذنا وصايا الجنيد لم تبق للأمة الإسلامية باقية.
انظر ص 135جـ 3 المصدر السابق.
( 2 ) معناه الاصطلاحي إدراك الأسرار الربانية بواسطة الكشف،
والذي أعطاها هذا المعنى طائفة من المفكرين،
عاشوا في القرون الأربعة الأولى من ميلاد المسيح،
ومنهم يهود ومسيحيون ووثنيون.
وأهم ما يدينون به هو الثنائية بين المادة والذات الإلهية،
ومحاولة اجتياز الفاصل بينهما عن طريق سلسلة من الوسطاء،
والمادة عندهم هي أصل الشر،
والسبب الذي من أجله انحطت طبيعة الإنسان،
ولكن الإنسان يستطيع عن طريق الخلاص "أي الزهد"
أن يعود إلى الذات الإلهية والأصل الأول.
انظر ص 7 التراث اليوناني للدكتور بدوي
( 3 ) يتحدث جولد زيهر عن أثر الزهد الصوفي
في تغيير النظر إلى المُثُل العليا للمسلمين:
"تغير النظر إلى المثل الأعلى للحياة الإسلامية،
فأصبح ينظر إليه من وجهة تخالف تلك التي أقرتها تعاليم المذاهب السنية،
وهكذا أثر الصوفيون على الجماهير الخاضعة لنفوذهم،
فقلَّ إعجاب الناس بتلك السمة العسكرية لأبطال الإسلام
– والشهداء الأقدمون ما كانوا إلا من فئة المجاهدين- فانصرفوا عنها،
وولوا وجوههم نحو صور الزهاد الشاحبة وأجسام العباد الهزيلة
والرهبان المنقطعين في الصوامع،
بل إن الأبطال الأقدمين في عصور الإسلام الأولى الذين كانوا مثالاً يحتذى،
صار لزاماً عليهم أن يحصلوا على صفات البطولة الجديدة،
أي أنهم جُرِّدوا من سيوفهم، وأُلبسوا أردية الصوف!!"
ص 154 العقيدة والشريعة
( 4 ) قال أبو حمزة البغدادي، مما يرائي، ويخدع به عن حقيقة التصوف:
"علامة الصوفي الصادق أن يفتقر بعد الغنى، ويذل بعد العز،
ويخفى بعد الشهرة
وعلامة الصوفي الكاذب أن يستغني بعد الفقر، ويعز بعد الذل، ويشتهر بعد الخفاء"
ص 4 شرح الحكم لابن عجيبة
وطبِّق هذا على السادة الصوفية !!
( 5 ) قال الأستاذ التابعي:
"إنني أعرف شيخ طريقة اختار أحد بارات شارع شريف مقراً له.
ويقصد إليه في البار المذكور أتباعه ومريدوه كلما أرادوا مقابلته في أمر ما،
ويخرج إليهم ويمد يده يلثمونها، ورائحة الخمر تفوح من فمه، وقطرات الخمر على يده،
وبقايا "المزة" على صدره وذقنه وأكمامه ...
ويلتفت الشيخ إلى أصدقائه الجالسين في البار ويطلق نكتة ما.
ويشترك معهم في الضحك من عبط المريدين والأتباع"
صحيفة الأخبار 2/11/1955