قال الحق عز وجل :
{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ *
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ
وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ
وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }
فلما بين تعالى ما بيَّن من هذه المخلوقات العظيمة،
وما فيها من العبر الدالة على كماله وإحسانه،
قال:
{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ } أي:
الذي انفرد بخلق هذه المذكورات وتسخيرها،
هو الرب المألوه المعبود، الذي له الملك كله.
{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } من الأوثان والأصنام
{ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } أي:
لا يملكون شيئا، لا قليلا ولا كثيرا،
حتى ولا القطمير الذي هو أحقر الأشياء،
وهذا من تنصيص النفي وعمومه،
فكيف يُدْعَوْنَ، وهم غير مالكين لشيء
من ملك السماوات والأرض؟
ومع هذا { إِنْ تَدْعُوهُمْ }
لا يسمعوكم لأنهم ما بين جماد وأموات وملائكة مشغولين بطاعة ربهم.
{ وَلَوْ سَمِعُوا } على وجه الفرض والتقدير
{ مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } لأنهم لا يملكون شيئا، ولا يرضى أكثرهم بعبادة من عبده،
ولهذا قال: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } أي: يتبرأون منكم،
ويقولون: { سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ }
{ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }
أي: لا أحد ينبئك، أصدق من الله العليم الخبير،
فاجزم بأن هذا الأمر، الذي نبأ به كأنه رَأْيُ عين،
فلا تشك فيه ولا تمتر.
فتضمنت هذه الآيات، الأدلة والبراهين الساطعة،
الدالة على أنه تعالى المألوه المعبود،
الذي لا يستحق شيئا من العبادة سواه،
وأن عبادة ما سواه باطلة متعلقة بباطل،
لا تفيد عابده شيئا.
من تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي
رحمه الله تعالى