عرض مشاركة واحدة
قديم 21-03-16, 12:46 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
تألق
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 2735
المشاركات: 6,427 [+]
الجنس: انثى
المذهب: سني
بمعدل : 1.26 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 33
نقاط التقييم: 729
تألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدع

الإتصالات
الحالة:
تألق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : البيــت العـــام

قَبَسٌ من صفحاتِ اليقين
اليقين بالله _عز وجل_ من أجلِّ العبادات القلبية، ومن أعظم منازل الإيمان، نغفل عنه كثيرا في خضم هذه الدنيا، مع أن كلَّ ما فيها ينبغي أن يزيدنا يقينا. واليقين هو: العِلْم وإزاحة الشك وتحقيقُ الأَمر، وهو نَقيض الشك[1]. واليقين بالله معناه أن توقن بوجوده فلا يخالطك شك، وتوقن بألوهيته فتعبده كما أمر، وتوقن بكتابه فتعلم أنه كلامه _سبحانه وتعالى_ لا كلام مخلوق.
فاليقين بوجوده تعالى يجده الإنسان في قرارة فطرته النقية، ويزداد كلما تأمل نفسه وما حوله من الوجود، فيرى نفسه هباءةً منثورة في ساحات هذا الكون الشاسعة، ويرى ما دون نفسه ذرات صغيرة، وهو عملاق أمامها، فكأن الإنسان كون يعيش في كون. وقد دعا الله الناس في كتابه أن يتأملوا في خلق السموات والأرض وما فيهما، وهذه دعوة إلى اليقين بأنه الخالق المدبر لهذا الكون مما نراه وما لا نراه. يتأمل الإنسان ما خلق الله، فيجد جبالا تتصل بجبال، وبحارا يتلوها بحار، وسماء لا يرى لها حدودا، وأفلاكا لا يعلم لها عدًّا، وأمما من الدّواب والطير تعيش بنظام دقيق عجيب، ويتأمل ويتأمل فلا العجائب تنتهي، ولا الأسرار تنقضي.
إن الطفل ليندهش حين يرى أسراب النحل وهي تصنع العسل وتبني بيتها بإحكام فلا يملك إلا أن يقول: سبحان الله!، وإن العالِم ليندهش حين يرى ذرّات الخلية تحت مجهره بانتظام عجيب فلا يملك إلا أن يقول: سبحان الله، نعم سبحان الله لا سبحان غيره؛ فالطفل الجاهل والعالم الكبير يستويان في التسبيح؛ إذْ خلْقُ الله لا تجد فيه عشوائية ولا صدفة، إنهما لا توجدان إلا في خيال من وأد فطرته
ثم يقودك هذا اليقين إلى مرتبة أعلى وهو اليقين بألوهيته واستحقاقه للعبادة؛ فمظاهر الكون تنطق أن الخالقَ حكيمٌ، عليمٌ، قديرٌ، رحيمٌ، لطيفٌ، يدبر أمر النطفة الصغيرة كما يدبر أمر الأفلاك الكبيرة، لا يشغله شأن عن شأن، فإذا استقر في قلب العبد هذا أيقن أن اللهَ مدبرٌ أمرَه أحسنَ تدبير، يدبره في يسره وعسره، وفي قوته وضعفه، وفي غناه وفقره، فيتألّه لربه حبا وخوفا، رغبة ورهبة. انظر لحالك في تلك الليلة التي انكسر فيها قلبك لله، وتضعضع منك كل عضو وأنت ساجد بين يديه، وانهلت منك دموعك، تجري على موطن سجودك، تناجيه بصوت خفيض، وقلب ذليل، ثم قمتَ من حالك وقد أشرق قلبك من لذيذ المناجاة ولمّا يأتِ الفرج بعد، أتظن أن مثل هذه المشاعر ستكون لو كانت بين يدي مخلوق مثلك؟! لا والله، إن الانكسار لله جبر، والذل لله عز، والافتقار له غنى، إن تأمل مثل هذه المشاعر يزيد يقينك بأن الله هو الله، فتدعوه وأنت موقن بالإجابة {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} 62 النمل. كيقين نبيك -صـلى الله عليـه وسلم- في الغار حين اشتد الكرب {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 40 التوبة, ويقين يعقوب –عليـه السـلام- حين اشتد الفقد {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} 86 يوسف. ويقين إبراهيم –عليـه السـلام- حين اجتمع الكيد {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ} 69 الأنبياء. ويقين موسى –عليـه السـلام- حين تراءى الجمعان {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} 62 الشعراء.
ويزداد اليقين كلما أقبلت على القرآن تاليا متدبرا، تمرّ بآيات الوعد فتشعر أن روحك قد سبقتك إلى رَوح الجنة، فتبكي شوقا، وتقرأ آيات الوعيد فيقشعر جلدك، فتبكي فرقا، وتتلو آيات الخلْقِ والنِّعَمِ فلا تملك إلا أن تقول: سبحان الله والحمد لله، أتراك تنفعل هذا الانفعال مع كتاب غير القرآن؟!
ثم يزداد يقينك أكثر وأكثر كلما تأملت أسرار بيان القرآن، فتقرأ الآية وتجد في أولها أن الله -عز وجل- يتكلم فيها عن نفسه بضمير المتكلم، ثم ينتقل الأسلوب – دون أن تشعر- فيتكلم الله عن نفسه بضمير الغائب، أو العكس، والمتكلم هو هو!، وتجد آية أخرى يوجه الله تعالى الكلام للمخاطَب مباشرة بضمير الخطاب، ثم في لمح البصر ينتقل إلى ضمير الغائب، أو العكس، والمخاطَب هو هو !، فإذا عدتَ وتأملتَ هذا التنويع في الأسلوب فُتِح لك من العلم ما لم تعلم. بينما تقرأ هذا الأسلوب في كلام العرب فلا تجد له من الدهشة والروعة ما تجده في القرآن، ولا غروَ؛ فشتّان شتّان[2].
ثم تأمل هذه: تجد وخْزا في قلبك ونغزا حين تهجر القرآن، وتنسى وِردك، وتنشغل بعملك، فيأتي إيمانك بالقرآن ينغز قلبك على هذا الهجر، فتتنهّد وتستغفر، وتشعر أنك أتيت ذنبا عظيما، ثم لا إخالك إلا أنك تضم المصحف وتقبُّله، ثم تُقْبِل عليه فتقرؤه، فتجد روحك انتعشت ونشِطت. أتراك تجد هذا الوجدان تجاه كتاب آخر؟!
إن هذا اليقين بالله الذي نجده في قلوبنا يزداد كلما غذّيْناه بالتأمل في صفحة الكون وفي صفحة القرآن، {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} 10 يونس، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} 47 محمد
فارْقَ في معارج اليقين طالبا الهدى، واستصحب حال نبيك صـلى الله عليـه وسلم الذي بلغ من اليقين ما بلغ، ورأى من عالم الغيب ما رأى، وكشف الله له الماضي والمستقبل[3]، ووصل إلى سدرة المنتهى، ومع ذلك كان يكثر أن يقول: "يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك".

[1]انظر لسان العرب، مادة: يقن.
[2]يُسمّى هذا الأسلوب في البلاغة: الالتفات، وهو من أعظم الأساليب القرآنية التي تثبت أن القرآن مُعجِز.
[3] أراه الله تعالى الأنبياء السابقين في حادثة الإسراء والمعراج، ثم عرج إلى السماء ورأى الجنة والنار.
تألق



قَبَسٌ صفحاتِ اليقين


الموضوع الأصلي: قَبَسٌ من صفحاتِ اليقين || الكاتب: تألق || المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد

كلمات البحث

شبكــة أنصــار آل محمــد ,شبكــة أنصــار ,آل محمــد ,منتدى أنصــار





rQfQsR lk wtphjA hgdrdk wtphjA










توقيع : تألق

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


التعديل الأخير تم بواسطة عقيدتي نجاتي ; 28-03-16 الساعة 02:45 AM سبب آخر: صغر حجم الخط
عرض البوم صور تألق   رد مع اقتباس