لأجاهدن عداك ما أبقيتني ... ولأجعلن قتالهم ديداني
ولأفضحنهم على رؤوس الملا ... ولأفرين أديمهم بلساني
ولأكشفن سرائر خفيت على ... ضعفاء خلقك منهم ببيان
ولأتبعنهم إلى حيث انتهوا ... حتى يقال أبعد عبادان
ولأرجمنهم بأعلام الهدى ... رجم المريد بثاقب الشهبان
ولأقعدن لهم مراصد كيدهم ... ولأحصرنهم بكل مكان
ولأجعلن لحومهم ودماءهم ... في يوم نصرك أعظم القربان
ولأحملن عليهم بعساكر ... ليست تفر إذا التقى الزحفان
بعساكر الوحيين والفطرات ... بالمعقول والمنقول بالإحسان
حتى يبين لمن له عقل من الأولى ... بحكم العقل والبرهان
ولأنصحن الله ثم رسوله ... وكتابه وشرائع الإيمان
إن شاء ربي ذا يكون بحوله ... إن لم يشأ فالأمر للرحمن
واسمع كذلك إلى ما يقوله الإمام القحطاني في نونيّته([72]):
يا معشر المتكلمين عدوتم ... عدوان أهل السبت في الحيتان
كفرتم أهل الشريعة والهدى ... وطعنتم بالبغي والعدوان
فلأنصرن الحق حتى أنني ... آسطوا على ساداتكم بطعاني
الله صيرني عصا موسى لكم ... حتى تلقف أفككم ثعباني
بأدلة القرآن أبطل سحركم ... وبه ازلزل كل من لاقاني
هو ملجئي هو مدرئي وهو منجني ... من كيد كل منافق خوان
إن حل مذهبكم بأرض أجدبت ... أو أصبحت قفرا بلا عمران
والله صيرني عليكم نقمة ... ولهتك ستر جميعكم أبقاني
أنا في حلوق جميعهم عود الحشا ... اعيى أطبتكم غموض مكاني
أنا حية الوادي أنا أسد الشرى ... أنا مرهف ماضي الغرار يماني
وقال – أيضاً -:
يا أشعرية هل شعرتم أنني ... رمد العيون وحكة الأجفان
أنا في كبود الأشعرية قرحة ... أربو فأقتل كل من يشناني
ولقد برزت إلى كبار شيوخكم ... فصرفت منهم كل من ناواني
وقلبت ارض حجاجهم ونثرتها ... فوجدتها قولا بلا برهان
والله أيدني وثبت حجتي ... والله من شبهاتهم نجاني
والحمد لله المهيمن دائما ... حمدا يلقح فطنتي وجناني
أحسبتم يا أشعرية إنني ... ممن يقعقع خلفه بشنان
أفتستر الشمس المضيئة بالسها ... أم هل يقاس البحر بالخلجان
عمري لقد فتشتكم فوجدتكم ... حمرا بلا عن ولا أرسان
أحضرتكم وحشرتكم وقصدتكم ... وكسرتكم كسرا بلا جبران
إلى أن قال:
أشعرتم يا أشعرية أنني ... طوفان بحر أيما طوفان
أنا همكم أنا غمكم أنا سقمكم ... أنا سمكم في السر والإعلان
أذهبتم نور القرآن وحسنه ... من كل قلب واله لهفان
فوحق جبار على العرش استوى ... من غير تمثيل كقول الجاني
ووحق من ختم الرسالة والهدى ... بمحمد فزها به الحرمان
لأقطعن بمعولي أعراضكم ... ما دام يصحب مهجتي جثماني
ولأهجونكم واثلب حزبكم ... حتى تغيب جثتي أكفاني
ولأهتكن بمنطقي أستاركم ... حتى أبلغ قاصيا أو داني
ولأهجون صغيركم وكبيركم ... غيظا لمن قد سبني وهجاني
ولأنزلن إليكم بصواعقي ... ولتحرقن كبودكم نيراني
ولأقطعن بسيف حقي زوركم ... وليخمدن شواظكم طوفاني
ولأقصدن الله في خذلانكم ... وليمنعن جميعكم خذلاني
ولأحملن على عتاة طغاتكم ... حمل الأسود على قطيع الضان
ولأرمينكم بصخر مجانقي ... حتى يهد عتوكم سلطاني
ولأكبتن إلى البلاد بسبكم ... فيسير سير البزل بالركبان
ولأدحضن بحجتي شبهاتكم ... حتى يغطي جهلكم عرفاني
ولأغضبن لقول ربي فيكم ... غضب النمور وجملة العقبان
ولأضربنكم بصارم مقولي ... ضربا يزعزع أنفس الشجعان
ولأسعطن من الفضول أنوفكم ... سعطا يعطس منه كل جبان
فهل بعد هذه النقول عن أئمة السلف، التي توضح وتبرز طريقة معاملة أهل السنّة لأهل البدع، وأن الشدّة في التعامل معهم ممدوحة، بل ومنقبة حميدة.
فهل بعد هذا يجوز لشخص أن يذم أحداً من أهل السنّة بهذه الخصلة السلفيّة، فإن كان فاعلاً فلا يدري المسكين أنّه يذم بذلك السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة كما أسلفنا النقل عنهم.
ألا فليتق الله أقوام يدّعون السنّة، ويخذلون أهلها والذابين عنها بحق وعلم، ويحامون عن أهل البدع ويوالون ويعادون من أجلهم.
فأفسدوا بذلك شباباً كُثر، وصدوهم عن سبيل الله ومنهج السلف بهذه الأساليب والمواقف التي يبرأ منها الإسلام وأهله من الصحابة والتابعين وأهل السنّة وأئمتهم، فجنـوا على الإسلام بذلك جناية عظيمة.
فسلوك سبيل السلف الصالح في التعامل مع هؤلاء المبتدعة هو الطريق إلى النجاة من هذه الفتن، نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنّة.
ولكن ينبغي التنبيه على أن هذه الشدة على المخالفين التي كان يمتاز بها هؤلاء الأئمة، لا تعني أنهم كانوا على أخلاق سيئة أو دنيئة بل كانوا يتحلون بالأخلاق الكريمة
والخصال الحميدة من الصبر والحلم والأناة والصدق والورع وغير ذلك
ولكنهم رأوا أن هذا المقام يحتاج لمثل هذه الشدة لقمع هؤلاء المبتدعة لا سيما الدعاة منهم، وصرف بدعهم عن الناس، وما ذلك إلا لعلمهم بخطر تلك البدع
وما تؤدي إليه أحياناً من الكفر والزندقة، وكل ذلك راجع إلى حكمة الداعي وفقهه في المعاملة.
قال ابن القيم – رحمه الله -([73]):
" ومن أنواع مكايده ومكره – أي الشيطان -: أن يدعو العبد بحسن خلقه وطلاقته وبشره إلى أنواع من الآثام والفجور، فيلقاه من لا يخلصه من شرّه إلا تجهمه والتعبيس في وجهه والإعراض عنه
فيحسن له العدو أن يلقاه ببشره، وطلاقة وجهه، وحسن كلامه، فيتعلق به فيروم التخلص منه فيعجز، فلا يزال العدو يسعى بينهما حتى يصيب حاجته
فيدخل على العبد بكيده من باب حسن الخلق، وطلاقة الوجه، ومن ههنا وصّى أطباء القلوب بالإعراض عن أهل البدع وأن لا يسلّم عليهم، ولا يريهم طلاقة وجهه، ولا يلقاهم إلا بالعبوس والإعراض".
والله تعالى أعلم.
يتبع...
--------------------------
([1]) مناقب الإمام أحمد ( ص : 253 ) .
([2]) مدارج السالكين ( 3/ 123 ) .
([3]) شفاء العليل ( ص : 60 ) .
([4]) شرح السنّة للالكائي ( 3/635-636 ) .
([5]) رواه مسلم ( 8 ) .
([6]) الإصابة لابن حجر ( 3/130 ).
([7]) كان السلف - رحمهم الله - يعدّون الطعن على أهل السنّة والذابين عنها، من علامات أهل البدع والضلال، بل قد يعدّون الرّجل من أهل البدع بمجرد طعنه عليهم
قال أبو زرعة - رحمه الله - : (( إذا رأيت الكوفي يطعن على سفيان الثوري وزائدة: فلا تشك أنّه رافضي، وإذا رأيت الشامي يطعن على مكحول والأوزاعي:
فلا تشك أنّه ناصبي، وإذا رأيت الخراساني يطعن على عبد الله بن المبارك: فلا تشك أنّه مرجئ، واعلم أنّ هذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل؛ لأنّه ما من أحد إلا وفي قلبه منه سهم لا بُرْء له ))
[طبقات الحنابلة ( 1/199-200 ) ].
وقال نعيم بن حمّاد: (( إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتّهمه في دينه، وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير فاتّهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتّهمه في دينه ))
[ تاريخ بغداد (6/348)، وتاريخ دمشق (8/132) ].
وقال أبو جعفر محمد بن هارون المخرمي الفلاّس: (( إذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل فاعلم أنَّه مبتدع ضالّ )) [ تقدمة الجرح والتعديل ( ص:308-309)، وتاريخ دمشق (5/294)].
وقال أبو حاتم الرازي: (( إذا رأيت الرّازي وغيره يبغض أبا زرعة فاعلـم أنَّـــه مبتدع )) [ تاريخ بغداد (10/329)، وتاريخ دمشق ( 38/31)].
وقال أبو حاتم -أيضاً-: (( علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ))[السنة للالكائي (1/179)].
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني: (( وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم: شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي -
- واحتقارهم واستخفافهم بهم )) [عقيدة السلف (101)].
وقال ابن أبي داود في قصيدته الشهيرة:
ولاتك من قوم تلهوا بدينهم فتطعن في أهل الحديث وتقدح.
قال السفاريني: (( ولسنا بصدد ذكر مناقب أهل الحديث فإنَّ مناقبهم شهيرة ومآثرهم كثيرة وفضائلهم غزيرة، فمن انتقصهم فهو خسيس ناقص، ومن أبغضهم فهو من حزب إبليس ناكص ))
[ لوائح الأنوار (2/355)] .
([8]) انظر سير أعلام النبلاء ( 7/447-452 ) .
([9]) تبيين كذب المفتري ( ص : 89 ) .
([10]) سير أعلام النبلاء ( 8/209 ) .
([11]) التقريب ( ص : 436 ) .
([12]) الإبانة لابن بطة ( 2/469 ) .
([13]) مناقب مالك للزواوي ( ص : 152 ) .
([14]) السير ( 7/380 ) .
([15]) الجامع لابن أبي زيد القيرواني ( ص : 125 ) .
([16]) الاعتصام للشاطبي ( 1/131 ) .
([17]) مناقب الشافعي ( 1/469 ) .
([18]) تاريخ دمشق ( 45/365 ) .
([19]) انظر تبيين كذب المفتري لابن عساكر ( ص : 348 ) .
([20]) انظر السير ( 8/474-475 ) .
([21]) السير ( 12/69 ) .
([22]) الديباج المذهب ( ص:134 ).
([23]) السير ( 13/322 ) .
([24]) انظر السير ( 13/323 ) ، وتذكرة الحفاظ ( 2/622 ) .
([25]) الديباج المذهب لابن فرحون ( ص:94 ) .
([26]) ترتيب المدارك (4/375-376).
([27]) طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ ابن حيان ( 3/447 ) .
([28]) السير ( 15/90 ) .
([29]) البداية والنهاية ( 11/213) .
([30]) طبقات الحنابلة ( 2/18 ) ، والمنهج الأحمد ( 2/26 ) .
([31]) المنهج الأحمد ( 2/37 ) .
([32]) طبقات الحنابلة ( 2/44 ) .
([33]) تاريخ دمشق ( 5/118 ) .
([34]) التقييد لابن نقطة ( 1/264 ) .
([35]) تنبه - أخي في الله - إلى أنه جعل ذكر معائب أهل البدع والطعن عليهم وكثرة ذكر ذلك من الإنصاف للناس
ولم يجعل الإنصاف ذكر الحسنات إلى جانب السيئات كما يقوله أهل منهج الموازنات ، ألا ساء ما يحكمون .
([36]) البدع والنهي عنها لابن وضاح ( ص : 28-32 ) .
([37]) ترتيب المدارك للقاضي عياض ( 3/301-302 ) .
([38]) تاريخ بغداد ( 4/237 ) .
([39]) تاريخ بغداد ( 1/351 ) .
([40]) تاريخ بغداد ( 10/382-383 ) .
([41]) تذكرة الحفاظ ( 3/1098-1099 ) ، والسير (17/568 ) .
([42]) السير ( 17/659-660 ) .
([43]) السير ( 18/333 ) .
([44]) البداية والنهاية ( 12/103 ) .
([45]) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ( 1/538 )، وانظر السير ( 18/547 ).
([46]) طبقات الحنابلة ( 2/242 ).
([47]) طبقات الحنابلة ( 2/243 ).
([48]) طبقات الحنابلة ( 2/246 ).
([49]) ذيل طبقات الحنابلة ( 3/57 ) .
([50]) ذيل الطبقات ( 3/ 60-61 ) .
([51]) السير ( 18/509 ) .
([52]) العبر ( 2/343 ) .
([53]) المنتظم ( 16/278 ) .
([54]) السير ( 18/509 ) .
([55]) معرفة القراء الكبار للذهبي ( 1/436 )، ولسان الميزان لابن حجر ( 3/298 ) .
([56]) السير ( 19/116 ) .
([57]) الديباج المذهب ( ص:275 ) .
([58]) الديباج المذهب ( ص:42 ) .
([59]) الرد الوافر لابن ناصر ( ص: 65 ) .
([60]) العقود الدرّية ( ص : 7 ) .
([61]) الرد الوافر ( ص : 75 ) .
([62]) الرد الوافر ( ص : 108-109 ) .
([63]) الرد الوافر ( ص : 130 ) .
([64]) الرد الوافر ( ص : 147 ) .
([65]) الرد الوافر ( ص : 181 ) .
([66]) الرد الوافر ( ص : 199 ) .
([67]) الرد الوافر ( ص : 248 ) .
([68]) الرد الوافر ( ص : 254 ) .
([69]) الرد الوافر ( ص : 262 ) .
([70]) الرد الوافر ( ص : 284 ) .
([71]) ( ص : 214 ) .
([72]) ( ص : 49-53 ) .
([73]) إغاثة اللهفان ( 1 / 140 ) .