{ لوثــات شيعيـة /9/ الخرفان والشياطين }
أخذت والدتي تحاول أن تسحب يدها من الشباك فلم تستطع ... بقيت متسمرة في مكانها وهي تصرخ (( يمــّه اسحب إيدي )) (( يمـّه أكو شيء ماسكني ))..... حاولت أن أساعدها .. ولكن كأن شيئا يسحبها للداخل ...... ترك الناس طوافهم وتجمعوا حولنا .. منهم من يقول ساعدوها .. ومنهم من يقول(( يريد يشفيها الإمام الكاظم )) ... ووالدتي المسكينة تزداد رعبا .... وصراخاً ..
جاء خالي أبو ياسر وأمسك بيدها .. حاول وحاول .. وطلب المساعدة من الآخرين .... ولكن لافائدة ... تجمع حولنا بعض المعممون .... والناس .. ووالدتي المسكينة تريد الخلاص ... وقد أخذ الرعب منها مالاأستطيع وصفه ........ إلى الآن .. لاأستطيع أن أمحو من ذاكرتي منظر الخوف في عينيها .... إنها والدتي الحبيبة ... أخذت أسحبها وأنا أبكي .... لافائدة ... بدأت تنهار وتسقط على الأرض .. ولكن يدها لازالت معلقــة داخل شبـّاك الوثن ..... بـــلغ بنا اليأس مبلغه ... عشرة دقائق تقريباً وكأننا نصارع الموت في البحـــر ... وفجأة سقطت والدتي على الأرض .. وقد أُفلتت يدهـــا ...!!!!
نظرت في وجهها .. كنت أظنها قد ماتت ... ولكن الحمدلله إنها تتنفس ... كان مغشيّـاً عليها فقط .. والناس حولنا يمجـّدون الإمام الكاظم .. (( شافاها الإمام )) (( طيّبها الإمام )) .. ونحن بدورنا نمجده بالعكس (( يطالبها الإمام ))..((زعلان الإمام )) ... في جميع الحالات (( الإمام هو الذي يكسب )) .. ونحن عبــّاد القبور الخاسرون الوحيدون ..
قام خالي أبو ياسر ووالدي بسحبها بعيداً قليلا عن الناس .. أفاقت والدتي وهي تبكي .. ونظرنا إلى يدها ... كان منظراً غريباً فعلاً .. كانت يدها زرقاء اللون من الكوع إلى الكف .. ومنتفخة انتفاخاً غير طبيعي أبدأ ..... كنّــا نظن أنّ فتحة الشباك الضيّقة هي السبب .. ولكن والدتي تحلف وتقول أنّها أدخلت كفها فقط .. ولكن شيئاً ما أمسكها من الكوع ... وسحبها إلى الداخل ..وتقول لنا لوأنّ السبب هو ضيق الفتحة لما خافت ولما أصابها كل هذا الرعب ..0
(( يمـّــة شفت الموت ياولدي )) .. لسان حالها يقول ...
بعد سنوات من هذه الحادثة .. وبعد فضل الله علينا بالهداية .. قرأت قصة خالد بن الوليد
عندما أرسله رسول الله
لهدم (( العـزّى )) صنم ثقيف .. وعندما ضربها بالفأس .. ((خرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها )) ... عرفت عند ذلك ماللذي أمسك بيد والدتي .. إنّ الذي نعبده في هذه المراقد هم الشياطين .
عزمنا على أن ترتاح قليلاً ثم نذهب بها إلى الطبيب ... أخذنا نتداول أمر هذه الحادثة .. فمرّة نجعل الإمام يحبها ويريد الإقتراب منها ... ومـرّة الإمام موراضي عليها ويريد الإنتقام منها ... وبينما نحن جلوس .. سمعنا صوتاً ..!!
(( ويـــن هاي الحجيــّة اللي صافحها الإمام الكاظم ...؟؟)) ... التفتنا إلى السائل .. كان أحد المعممين القائمين على المكان ... بكامل أناقته وقيافته .. وواضح عليه جداً أثر النعمــة .. ولاعجب..!!فهو لايلطم ولا يطبـّـر ولايطــوف .. ولا تخرج منه روائح العرق والتعب ..عمله الوحيد هو أن يحصد فقط .. وغيره يزرع ويتعب
كرر علينا السؤال .. ثم بادر قائلاً ..حجيـّـة سلامات .. هذا الإمام الكاظم ..(( يحبكم ويخاف عليكم بس أكو فــد شغلة بسيطة يعتب عليكم بيها ..!! )) (( أنتي مطلوبة نذر حجية )) فأجابت الوالدة بأنه ليس عليها نذور أبداً وليس في ذمتها شيء لأحد ... فقال المعمم الأنيق .. (( حتماً مطلوبة نذر وناسية )) وجل من لايسهو ولاينسى.. ترى ديروا بالكم لزماً توفون النذور .. اليوم إنتي سلمتي .. وغداً يمكن يصير شيء بالأولاد ..!! حتى لو ماعدكم نذور ... فأنتم الآن مطالبين حتى يرضى عليكم الإمام ..!!
هكذا أخذ مولانا المعمّم يعدد علينا فضائل الوفاء بالنذور .. وتخويفنا بالويل والثبور وعظائم الأمور .. ألزمنا شيئاً لم نفعله .. وأركبنا حقاً بريئين منه ...!! وياللعجب ..!! قررت المجموعة ترك الذهاب للطبيب والسير وراء هذا الذئب الماكــر ...
تبع والدي وخالي مولانا الذئب .. الذي خرج من الصحن إلى أحد الأماكن القريبة .. هناك وجدوا مجموعة من الخرفان المربوطة والمخصصة لنذور الزوّار ... كان سعر الخروف في ذلك الوقت خمسة عشر دينارا عراقياً تقريباً ... بينما خرفان الإمام الكاظم تباع بسعر دينارين فقط ... فرح والدي فرحاً شديداً ... فهذه أول مرة يرى خروفا بأسعار أيام الدولة العباسية .. دينارين فقط ؟؟.. قال والدي يتأكد .. (( نعم دينارين فقط )) ... ماشاء الله هذا المعمّم طيب جداً .. ويحب الخير للناس ..!!
كانت النيّة شراء خروف واحد فقط .. فلما رأى والدي هذا السعر الخيالي قرّر شراء خروفاً ثانياً .. واحد للوفاء بالنذر الموهوم .. والآخر للرجوع به معنا إلى الديار ..فإننا نحتاج لعمل وليمة عند عودتنا من الزيارة التي تعادل الحج إلى بيت الله إن لم تكن أفضل ..!!
دفع والدي القيمة .. فهو رئيس الرحلة والمشرف عليها .. ثم عدنــا إلى صحن الكاظم .. والسيد المعمم وأعوانه يتبعوننا ممسكين بالخروفين .. فلما دخلوا ترك السيد الخروف الذي بيده في صحن المرقد وقال لأبي ... (( شفت حجي .. هذا النذر الأول وصل .. اللهم صل على محمد وآل محمد)) تقبل الله منكم .. ثم أمر غلمانه بالإمساك بالخروف قبل أن يبتعد هارباً ... شكرهم والدي جزيل الشكر وأعطى الغلامين ربع دينار إكرامية أيضاً .. أمسك والدي بالحبل ليأخذ الخروفين إلى السيارة ... وعندما صافح السيّد المعمم ... حدث أمــر غير متوقـــع ...!!!