{ لوثــــات شيعيــــــة / 13/ مــزار زنـّـــوبة }
كانت المرأتان تجلسان متقابلتين .. يتوسط القبر بينهما .. وفوق القبر المسطح مالذ وطاب من الأطعمة والفواكــة ... جعلوا القبر كالمنضدة .. ولم يبق مكان فوقه من كثرة الأواني ... فامتدت السفرة على طول المبنى الطيني .. ووضعت الأواني والصحون في كل زاوية ...
مائدة تكفي لخمسين شخصاً ... (( هلا بيكم عيني ..تفضلوا )) .... ماكدنا نسمع الترحيب من المرأتين حتى توزعنا كــلٌّ في جهــة .. أزحنــا بعض الصحــون لتوسعة المكان للجلوس والأكل ...
كان بيد كل واحدة من المرأتين مغزلا وكمية من الصوف الأبيض .. كانت العجوزان تغزلان الصوف ... وتمضيان الوقت في المزار ... عندما يتعلق الأمر بالنذور فإن الناذرون يقدمون أجود ماعندهم ويتفانون بتقديم أفخر الأطعمة .. بينما يتركون أولادهم على الخبــز فقط .. يقدم معه أحياناً وليس دائماً ..صحناً صغيراً من الزيت المخلوط بالسكـّـر ..
أمــّا اسماك القطـّان .. اللحم العربي ..بوادي التشريب ..وكذلك الرمـّان والرقي والكوجــا .. فهي
من نصيب السيـّــد وأولاد السيـّـد .. غير محمودين ولا مشكورين عليها .... فنحن نؤدي واجباً مقدّســاً لذريـّة الزهــراء (( أكرم الله الزهراء وذريتها )) عن هؤلاء الإنتهازيون غلاظ العلابي ..كبار البطـون ....
همست إحدى المرأتيــن للأخرى ..أخاف يجي سيـّد عبـّاس ويسوي لنــا قصـة ... (( لا ... اليوم
مو.. يومــه )) .. اليوم يوم السيــّد عبد الستــار ...!!!
فهمنا منهما أن سيـّد عباس كان لئيمــاً شديد اللؤم .. وكان ضيـّق العين جــدّاً ... كان يتقاسم مع ابن عمــه عبد الستـّــار النذور القادمـــة بالتناوب ... فكل واحد منهما له يوم مخصص لجمع الغلـّــة ... يستقبــل
أحدهما النذور القادمة مثلاً في هذا اليوم فلا يعطي صاحبه شيئاً .... على أن يقوم الثانــي باستقبال النذور في الغـــد ..... هكذا يتداولون المــزار يوميـــّاً ..ويسيـــر الأمــر على هذه الطريقـــة منذ سنـــوات ..
كان سيــد عبـّــاس اللئيــم يدور على العشائــر ويوصــي أصحــاب النفــوذ فيهــا ... (( قولوا لربعكــم واللي يعــزعليكم )) اللي عنده فلــوس أو نـذر لايوديــه باليوم اللي من نصيب عبد الستـّــار .....!!!
خل يوديـــه في اليوم اللي من نصيبي ...!!!
تعارك السيـّدان بسبب ذلك كثيــراً .. ولكن الحرص على الغنيمة يجعلهما يبدوان وكأن لاشيء بينهمـــا ..
كان هؤلاء السادة هم الوحيدون الذين يمتلكون سيـّارات في المنطقة في ذلك الوقت (( السبعينيات )) وكـــان غالب سكـّــان الريــف بلا سيـّارات ... وكانوا يمتلكون الأراضي الزراعيـــة ... ولهم النصيب الأوفـرفي كل المناسبات الإجتماعيــة ..حفلات الزواج ../..المـآتـم ../.. الطهــور (( الختـان ))
يقـدّم السيـّــد أولاً .. يقوم الناس لإستقبالــه .. وتقبيل يديــه وكتفــه ..كلامـه مسمــوع وأمــره نــافذ .. وإذا مــاقام مـن المجلــس يتبــادر النــاس للقيــام بتوديعــه ...بل وحمل حـذاءه إليــه ليلبســه قبل ان ينهض .. يتفقدون أكلــه وشربــه ويعملــون على راحتــه ..... إنـّــه صنـمٌ يـُـعبد من دون الله ........
كثيــرٌ من النــاس لايحبـّــون هــذا التذلّل .. وهـذه المهانــة ..ولكــن سـُلبت إرادتهـم وكـأن لاعقــول لهـم
فهم كالمخدّرين لاحول لهم ولا قـوّة ....!!!
دفعني الفضــول لسـؤال أحد أخوالي كبــار الســن عن مــزار (( زنـّوبة )) ..ولماذا هذا التقديــس ؟؟ وماهي قصـّة المــزار ...؟؟ ..... فحدثـّني بقصــة غريبــة ...!!!
كانت زينب فتــاة يتيــمة صغيــرة .. ضربتها إمـرأة أبيــها ذات ليلــة .. وأخرجتهــأ من المنــزل ليلاً .. تركتهــا في العـــراء .. وعندما أرادت الطفلــة أن تنــام وغلبهـــا النعـــاس ... ذهبت إلـــى حوش الأبقـــار ... وعند الصبــاح .... ذهبــوا يبحثون عنهــا ..... فوجدوهــا نائمة ..
ولكــن ...!!!! .... وجدوا بجانبهــا شيئـًا غريبــاً ..!!!!!!!!!!