الحلقة الحادیة عشرة
زادت الھموم وبان الخوف على رجل مسكین ینظر إلى الحق ولا
یصل إلیھ ، بسبب أفواه مكللة بأنیاب الذئاب تھش علیھ ؛ لكي لا یصل
لما یرید ..
فزادت ھمة الرجل وأصبح الأمر متساویاً بالنسبة لھ ، فأراد كشف
الوصیة لأن الورثة تلاعبوا بھا ...
ذھبنا في شھر بارد وفي یوم ھادئ إلى بلد یقطنھا سید عظیم وحجة
معتبر اسمھ العاملي ، فكان لنا معھ لقاء لیس للحوار ، ولكنھ لرد عقلي
إلى الدین الحق دین آل بیت النبي - صلوات ربي علیھ وآلھ وسلم ..
جلست بقربھ وكان الحرس شدیدین الوقوف حولھ ، فقال لي ما بك
یا بني ، وكأني ولدت من أمھات عدة فكل واحد یقول ابني ابني ..
قلت لھ : یا سیدنا المفضل ، أنت ذكرت جواز السھو في كتابك الطبعة
الأولى ، وفي الطبعة الثانیة حذفت ھذه الروایة من كتابك ..
فقال : أنا لم أتطرق لھذه المسألة ، ونفي السھو من مستلزمات الدین
من الضرورة ، فعندما نجوز السھو فنحن ننفي العصمة ، وھذا لا
یمكن أبداً ، وممكن أنھ خطأ بالطباعة ( .. نسي أنھ ذكر رأیاً لھ ولیس
خطأ في كلمة أو حرف !!... )
قلت لھ : یا سیدنا ، ھناك دلالات كثیرة على أن العصمة إنما تكون
بالتبلیغ من الوحي إلى البشر ، ولیس أن تكون لمنوال الحیاة كلھا ،
نحن نقول مثلاً أن علي - علیھ السلام - إنما ترك الإمامة لأبو بكر
؛لأنھ لم یجد النصرة ، وھو قد قلد النبي - صلى االله علیھ وآلھ - عندما
صدع بالدعوة في مكة بدون أن یقاتل ...
فعدم المقاتلة على الحق لا ینفي النبوة ، وكذلك الأمر بالنسبة
للمقاتلة على الإمامة لا ینفیھا ..
قال : نعم .
قلت : طیب یا سیدنا الإم ، ام یكون فعلھ وعملھ وقولھ وإقراره مثل
فعل وقول وإقرار النبي - صلى االله علیھ وآلھ - بان یكون تشریع لا
یختلف بعده الناس ...
ھل ھذا صحیح ؟؟
قال : نعم ..
قلت : فلماذا لم یكن صمت علي - علیھ السلام - عن الإمامة للأسباب
التي نذكرھا دائماً لماذا لا یكون تشریعاً لمن بعده ..؟
الحسین علیھ السلام قاتل من أجل الإمامة ..
الحسن اتبع أباه في عدم شق العصا ..
الأئمة من بعدھم اتبعوا أباھم علي - علیھ السلام - في الصمت إن لم
یكن ھناك نصرة ...
فلماذا شط الحسین - علیھ السلام - فقط بالأمر ، فھل ھي شجاعة منھ
لم تكن لغیره أم ھو رأي منھ بأنھ یرى أن االله سبحانھ أمره بذلك حتى
لو كان الموت ھو سبیلھ ؟
قال لي : كلام طویل جداً ، وفیھ من المنطق وفیھ من الخبل التعصبي
، والمختصر فیھ أنھ یرى أن الأحداث ونكبة أھل الكوفة ھي سبب
خروج الحسین - علیھ السلام - ولو وجد الأمر لغیره من الأئمة لفعلوا
مثل ما فعل ، ولكنھم یعرفون أھل الكوفة وخداعھم للحسین - علیھ
السلام .
قلت لھ : إذن یا سیدنا العاملي ، ما فعلھ علي - علیھ السلام - لیس
تشریعاً ، ولكنھ إخبار للأئمة بأن وكی نوا على ما ھو علیھ من ظروف
فلیتبعوا فعلھ ، إو ن كانوا في منعھ وقوة فلیقاتلوا من أجل الإمامة ؟
قال لي : نعم ، فأمیر المؤمنین - علیھ السلام - رأى أن الضعف الذي
ھو فیھ من ناحیة التأیید غیر معقول ، فسلم الأمر وأخذ بالأسباب
المنطقیة بأن بایع تقیة ...
والحسین - علیھ السلام - رأى أن القوة في یده ، ولكن أھل الكوفة
خذلوه ، فلا یلام ھذا ولا یلام ذاك ، فكل واحد منھم رأى الحالة فعمل
بمقتضى الأسباب التي یملكھا ...
والنبي - صلى االله علیھ وآلھ - كان ھو القدوة في ذلك فھو لم یقاتل من
اجل إشھار الدین عندما كان یرى أنھ ضعیف بمن معھ ..
ولكنھ عندما قوي وصار في منع ة استخدم القوة في نشر الدین إن منع
من ذل .. ك
قلت لھ : یا سیدنا ، ھنا نعلم أن النبي - صلى االله علیھ وآلھ - عندما علم
أنھ في ضعف فیمن معھ ، فھو لم ییأس ، ولكنھ دعا ودعا وبلغ ، وجمع
رجالاً وھاجر ، وبحث عن الأسباب ، وأصبح في منع ة فیمن حولھ من
الصحابة الذین نقول عنھم كفار منافقین ظلمة زنادقة وأنت ا لآن تقول
أنھم ھم المنعة والقوة التي نشرت الدین !!.. .
لیس ھذا مرادي ولكنھا خرجت وأنت تتحدث یا سیدنا ، ولكن المراد
الأصلي ھو لماذا لم یبحث علي - علیھ السلام - عن الأسباب ویحاول
أن یقوي نفسھ اقتداء بالنبي - صلى االله علیھ وآلھ ؟؟
فھو لم یقتدي بھ ولكن كأنما ینتظر السماء أن تمطر لھ رجالاً وعتاداً
لینتصر فیرجع حقھ المغتصب ..
فأین القدوة !؟
النبي - صلى االله علیھ وآلھ - جاھد بالدعوة في مكة ..
علي - علیھ السلام - صمت عن الدعوة في الناس ، بأن یبلغھم أنھ ھو
الولي ، ویذكرھم النصوص والروایات من زمن أبو بكر إلى نھایة
زمن عثمان ، وتقول أنھ اقتدى بالنبي - صلى االله علیھ وآلھ - من قبلھ
!!
قال لي - : بنبرة المحتاج لكأس ماء - یا فلان ، ( لم یقل یا بني !!) ھل
ترید أن تقنعنا بأنھ لا ولي ولا إمام منصوص على إمامتھ ؟
قلت لھ : بصوت المنتصر الفرحان ( ممكن ... )
قال : كیف ؟
قلت : لم یناضل .
قال : لا یوجد لھ حول ولا قوة ..
قلت : لو أن الأمر سنة سنتین عشر سنین عشرین سنھ لھان الأمر ،
ولكن لم یستطع أن یبلغ الناس بأنھ ولي وإمام ، ولم یقدر على إقناعھ م
لمدة تزید عن عشرین س !ة ن !..
ھذا فشل إما في القیادة عنده أو في التخطیط أو لا أجد حلاً لھذه
المعضلة ..
ھل یفشل من دعواه مستجابة وعقلھ راجح ولسانھ ینقط الحق والحكمة
منھ في أن یقنع على الأقل عشرة رجال ..!؟..
لأننا لا نقر بإیمان أكثر من ثمانیة على أكثر الروایات لو صحت ..
فھذا طعن في شجاعتھ وعقلھ ورجاحتھ وحكمتھ ومحبة الناس لھ ، فاالله
تعالى یبث حب العباد للعبد إن أحبھ االله ، فكیف وھو الذي مشھود لھ
بأنھ رجل یحبھ االله ورسولھ ! ؟
انتھینا من ھذه المسألة فسقط العاملي فیھا شر سقطة ، ولا أریده أن
یسقط ، ولكني أریده أن یتكلم ویقنعني لأني مازلت أحب مذھب آل
البیت ، وما زالت أفكاري معلقة فیھ في ذاك الوقت .
نتابع إن شاء االله المسألة الأخرى مع العاملي ، وبعدھا سافرنا وعدنا
بخبر غریب ومفاجأة قویة من سید أشھر من نار على علم ، وھو یقر
بأمر لم أتوقعھ أبداً أبداً من سید عالم فقیھ بعلم آل البیت - علیھم السلام
- ولیشھد التاریخ !! .
-------------------------------------------------------------