(14)
العلم النافع هو :
قال الشيخ رحمه الله
((أَمَّا الْعِلْمُ فَيُرَادُ بِهِ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْعِلْمُ بِهِ نَفْسِهِ ; وَبِمَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ مِنْ نُعُوتِ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى .
وَهَذَا الْعِلْمُ إذَا رَسَخَ فِي الْقَلْبِ أَوْجَبَ خَشْيَةَ اللَّهِ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَى طَاعَتِهِ ;
وَيُعَاقِبُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ ; كَمَا شَهِدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْعِيَانُ
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَيَّانَ التيمي - أَحَدِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ -
الْعُلَمَاءُ ثَلَاثَةٌ :
عَالِمٌ بِاَللَّهِ لَيْسَ عَالِمًا بِأَمْرِ اللَّهِ ,
وَعَالِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَيْسَ عَالِمًا بِاَللَّهِ ,
وَعَالِمٌ بِاَللَّهِ وَبِأَمْرِ اللَّهِ .
فَالْعَالِمُ بِاَللَّهِ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ وَالْعَالِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي يَعْرِفُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ .
وَقَالَ رَجُلٌ لِلشَّعْبِيِّ : أَيُّهَا الْعَالِمُ فَقَالَ : إنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ .
وَقَالَ - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ جَهْلًا .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي يُرَادُ بِالْعِلْمِ بِاَللَّهِ :
الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ

:
{ أَنَّهُ تَرَخَّصَ فِي شَيْءٍ فَبَلَغَهُ أَنَّ أَقْوَامًا تَنَزَّهُوا عَنْهُ فَقَالَ :
مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ أَشْيَاءَ أَتَرَخَّصُ فِيهَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ }
وَفِي رِوَايَةٍ { وَاَللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ } فَجَعَلَ الْعِلْمَ بِهِ هُوَ الْعِلْمَ بِحُدُودِهِ .
وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ التَّابِعِينَ فِي صِفَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -

حَيْثُ قَالَ : إنْ كَانَ اللَّهُ فِي صَدْرِي لَعَظِيمًا وَإِنْ كُنْت بِذَاتِ اللَّهِ لَعَلِيمًا أَرَادَ بِذَلِكَ أَحْكَامَ اللَّهِ ,
فَإِنَّ لَفْظَ الذَّاتِ فِي لُغَتِهِمْ لَمْ يَكُنْ كَلَفْظِ الذَّاتِ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ يُرَادُ بِهِ مَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ كَمَا قَالَ خبيب

.
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ***يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ :
{ لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ كُلُّهَا فِي ذَاتِ اللَّهِ } .
وَمِنْهُ قوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ }
{ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } وَنَحْوُ ذَلِكَ .
فَإِنَّ ذَاتَ تَأْنِيثُ ( ذُو ) وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ مُضَافًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْوَصْفِ بِالْأَجْنَاسِ
فَإِذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ مُذَكَّرًا قِيلَ ذُو كَذَا ; وَإِنْ كَانَ مُؤَنَّثًا قِيلَ ذَاتُ كَذَا كَمَا يُقَالُ ذَاتُ سِوَارٍ .
فَإِنْ قِيلَ أُصِيبَ فُلَانٌ فِي ذَاتِ اللَّهِ فَالْمَعْنَى فِي جِهَتِهِ وَوُجْهَتِهِ : أَيْ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَأَحَبَّهُ ; وَلِأَجْلِهِ .))
3/333