1. بعد فجيعتنا اليوم بوفاة أخينا العزيز الشيخ سليمان الخراشي رحمه الله جالَتْ في خاطري ذكرياتٌ جميلة كانت معه على مَرّ سنوات طويلة، وأحببتُ أن أبثّها هنا ببعض التغريدات، لعل فيها شيئاً من سيرته العطرة رحمه الله وأعلى منزلته في الجنة..
2. عرفتُ أبا مصعب رحمه الله قبل ربع قرن من الزمان من خلال كتبُه، فأول كتاب قرأتُه له هو كتاب:"محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة"، فبهرني الكتاب بما فيه من تأصيل شرعي، وحجج قويّة، ولغة علمية رصينة، وكنتُ بعدها أتتبّع كتبه وأقرؤها واحداً إثر الآخر..
3. ومع دخول الشبكة العالمية "الأنترنت" المملكة، وظهور المنتديات والمواقع الإلكترونية، وبخاصة "منتدى الساحات"، وجدتُ أبا مصعب رحمه الله قد اقتحم هذه المنتديات، بمقالات علمية وردود قوية على العلمانيين والليبراليين ودعاة التبرج والسفور، فضلاً عن تأصيله الشرعي لعلاقة الحاكم بالمحكوم.
4. والرد على التكفيريين والحزبيين وأصحاب الأهواء، ولاحظتُ منهجَه الصحيح القائم على الكتاب والسنة، وتأثّره كثيراً فيما يطرح بمنهج علمائنا الكبار كابن باز وابن عثيمين رحمهما الله وابن فوزان حفظه الله، وغيرهم من مشايخنا الكبار..
5. ومن سلامة منهجه رحمه الله كان يكتب في هذه المنتديات باسمه الصريح في وقت كانت المنتديات الإلكترونية مليئة بالأسماء المستعارة التي لا همّ لها إلا التشغيب والتهييج وإثارة الشُّبه الفكرية والدينية ، ولا ريب أن الكتابة بالاسم الصريح دليلٌ على سلامة الفكر والمنهج، والوثوق بما يكتب
6. ويتبنّى من أفكار وأطروحات منهجية تُظهر مدى التأصيل الشرعي والسير على منهج العلماء الكبار في النصح والتوجيه وإنكار المنكر والرد على أهل الزيغ والضلال..
7. أوّلُ لقاء جمعني بالشيخ رحمه الله كان قبل عشرين عاماً تقريباً، وكنتُ مسروراً أيّما سرور أن سنَحت لي تلك الفرصة أن ألتقي بمَن عرفتُه بكتبه ومقالاته قبل لقياه، وأذكر حينها أني وجدتُ أخاً متواضعاً لطيفاً ذا دُعابة كأنّي أعرفه من عشرات السنين..
8. توثّقتْ العلاقة معه رحمه الله بعد لقائنا الأول، واستمرّ التواصل معه إلى قبيل وفاته بأشهر قليلة حيث قطعه المرض عن رفقته وأصحابه إلى أن فُجعنا بوفاته صباح اليوم رحمه الله..
9. كان أبو مصعب رحمه الله مثالاً لطالب العلم المتمكّن الباحث عن الحق المتجرّد من الهوى، وكان رجّاعاً إلى الصواب إذا تبيّن له الخطأ، وهذا المسلك يندر أن تجده الآن في زمن غلبتْ فيه الأهواء والمصالح والاسترزاق ...
10. لم يُمضِ أبو مصعب زمناً طويلاً في مهنة التدريس، فقد تقاعد مبكّراً، وتفرّغ للتأليف والتحقيق وكتابة المقالات العلمية، وتشهد بذلك كتبُه ومواقعه الشخصية الإلكترونية المليئة بالنافع المفيد، ولعله رحمه الله انتهج مسيرة العلامة بكر أبو زيد رحمه الله، فالشيخ عُرِف بكتبه وليس محاضراته
11. ودروسه، وكذلك حبيبنا أبو مصعب رحمه الله ما عرفناه إلا بمؤلفاته ومقالاته ودفاعه عن الدعوة السلفية الإصلاحية وأئمتها وعلمائها، ونصرته للسنة وردوده على المبتدعة والضُّلّال..
12. كان رحمه الله محبّاً لولاة أمر هذه البلاد وفقهم الله ومنافحاً عن هذه الدولة المباركة التي قامت على التوحيد والسّنّة، وكان ناصحاً للمسؤولين بكتاباته وفق المنهج الشرعي الصحيح...في لقاءاتنا العديدة به كنتُ ألحظ همّه وحُرقتَه على ما يطرحه العلمانيون والمفسدون
13. وما يُلبّسون به على عامّة الناس بتشكيكهم في دينهم وعقيدتهم، وبخاصة مَن يزعمون "التنوير" منهم، بدعوى نبذ التشدد والتطرف، وكنتُ أرى همّه الأكبر في مواجهة التغريبيين الداعين إلى انحلال المرأة وتبرّجها ونزع حجابها واختلاطها بالرجال، لذا نجد أنه رحمه الله سخّر قلمه في مواجهة ذلك،
14. فقد ألّف أكثر من كتاب في هذا الشأن، ومن أهمها كتابه: "الخطوة الأولى" الذي أثبت فيه تاريخياً أن الاحتشام وغطاء وجه المرأة هو الأصل في المجتمعات المسلمة، وأن التبرج والسفور لم يظهر في نساء المسلمين إلا في مظلّة الاستعمار الأجنبي وبأيدي أذنابهم من المفكرين والسياسيين.
15. في أحد لقاءاتي به أثنيتُ على رسالتيْه: وشكرتُ له جهده الاستقصائي الذي بذله في ردّ شبهة أن الحنابلة المتشدّدين ومنهم النجديّون هم مَن يرون وجوب تغطية وجهة المرأة،
واقترحتُ عليه لو أعاد طباعتهما بعد تنقيحهما وإضافة بعض أسماء العلماء المعاصرين ممّن يرون 16. وجوب تغطية وجه المرأة، ودمج الرسالتين في كتاب واحد، واستحسن الفكرة، وعزم على ذلك، لكن المنيّة سبقتْ عن إتمام ذلك..
أذكر في لقاء معه بصحبة بعض الأحباب كان يحثّ الجميع على الكتابة في مدافعة أهل الباطل والفكر المنحرف من أصحاب الشهوات والشبهات، وقد خصّني مرة بهذا النصح،
17. وكنتُ أراه يُشجّع مَن يكتب ويثني ويوجّه ويستدرك، وكان ذلك بأسلوب لطيف ونُصح صادق، دون حُبّ لبروز أو ظهور..الذكريات مع أخينا أبي مصعب كثيرة وجميلة،
ويضيق المقام عن تناولها كلّها، وختاماً أسأل الله عز وجل أن يجعل ما كتبه في ميزان حسناته، وأن يكون شفيعاً له يوم القيامة.
عبد العزيز بن عبد الله الفالح ...