ومن طالعه ذلك كله أدرك علو كعبه في التحقيق، فهو ليس محققا فقط، بل مسددا للنواقص ومستدعيا للشوارد والدقائق، ومن خاصة علمه في هذا المجال قدرته على معرفة خطوط العلماء والنساخ أسماء ورسما.
وقفات:
- أبو سليمان: كريم مضياف حيثما حل فبيته مفتوح لجموع الوافدين من العلماء والطلاب من غير تكلف فسيماه التبسط والتواضع، وإنك لتعجب من هذه الشخصية المضياف الكريمة مع انقطاع للعلم محبة واحتسابا وحين أقول احتسابا أي أنه لم يشتغل بما يشتغل به قرناؤه في العلم الأكاديمي من التطلع للترقيات.
- من مقولاته: «أي كتاب يدخل مكتبتي بطريقة غير مشروعة لن يكون فيه بركة».
- جلس مرة في مكتبته بعد العشاء ليستعرض بعض مخطوطات جلبها معه فلم يشعر إلا وضوء الشمس قد دخل عليه من النافذة فسئل عن ذلك فقال: «لقد صورت مخطوطات فلم أستطع النوم حتى أتأكد من تصوير كل ما طلبت».
- لا يحنث من يقول: إنه ليس هناك خزانة مخطوطات أو دار كتب لم يقلب أبو سليمان محتوياتها أو يستكشف كنوزها أو يستعرض محتوياتها.
- ومن طريف ما ذكره أخونا فضيلة الدكتور محمد الفريح في مقاله الماتع عن أبي سليمان - رحمه الله - ما ذكره من اقتراح الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - على الشيخ عبد الرحمن أن يقدم لكتاب «السحب الوابلة»، بتحقيقه سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
فقال أبو سليمان: «الشيخ بن باز على رأسي ومحل والدي، ولكن لو فعلت ذلك لمزقت الكتاب! إذا لم أكن راضيا عن عملي فلا حاجة لإغراء الباحثين بتقديم الشيخ، وإذا كنت راضيا عن عملي فلا داعي لأطلب الثناء عليه».
عجيب هذه الروح وأعجب منه هذه الثقة التي في محلها وأحسب أنه موقف جدير بالعناية للغاية.
إن الحديث عن أبي سليمان - رحمه الله - يطول، فهو رحالة علمية ومحقق مخالط له حفاوة ومكانة في تخصصه، وهو من نوادر المحققين الكبار، الذي يستوجب على المؤسسات العلمية العناية بتركته العلمية اهتماما ونشرا، كما يجب على طلابه ومن له تواصل علمي بيان منهجه في الدراسة والتحقيق للتراث الإسلامي. ومن حق أبي سليمان أن يحفظ حقه، ويقدر له علمه وفضله.
وإنني أرجو مخلصا من جامعتي وجامعته جامعة أم القرى الشامخة أن تعرف لابنها فضله، وتحفظ له مقامه، فتقيم مؤتمرا أو ندوة كبرى تحمل اسمه وتراثه يتحدث فيها ويكتب المختصون المحبون والخبراء، فهو من خير من أنجبت الجامعة علما وفضلا ومكانة، مع اختيار قاعة من قاعات العلم في الجامعة لتزدان بحمل اسمه - رحمه الله - مع طباعة تراثه.
ورحم الله أبا سليمان وأسكنه فسيح الجنان وجعله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. وأصلح عقبه وذريته إنه سميع مجيب.
د. صالح بن عبد الله بن حميد