(15)
[السبب في عدم تفصيل النفي في القرآن]
فإن قيل: فلِمَ لَمْ يفصل النفي في القرآن؟ أي: لِم لم تنف صفات النقص بالتفصيل كالجهل والعجز وغير ذلك؟
فيقال: لأن الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه الإثبات مفصلاً، ومعلوم أن المتقابلين تقابل التضاد أو التناقض يمتنع عند ثبوت أحدهما ثبوت الآخر،
بمعنى: أن الله لما وصف نفسه بأنه سميع وبصير، وأنه موصوف بالكلام والقدرة: إلى غير ذلك؛ عُلم بضرورة العقل أنه منزه عن ضد ذلك؛ لأن الجمع بين الضدين ممتنع.
وعليه: فإن كل نقص يُعلم أنه منفي بضرورة العقل وضرورة الشرع.
أما ضرورة العقل: فلأن الله سبحانه وتعالى مستحق للكمال منزه عن النقص، وهذا معروف بدلائل عقلية.
وأما ضرورة الشرع: فلأن الله ذكر في كتابه الإثبات مفصلاً، فكل ما ضاد هذا الإثبات يُعلم بضرورة الشرع أنه منفي.
[طريقة المتكلمين في النفي والإثبات]
وطريقة المتكلمين هي التفصيل في النفي والإجمال في الإثبات، وهي طريقة مخالفة للقرآن وللعقل؛
أما مخالفتها للعقل: فلأن النفي الذي يستعملونه هو النفي المحض، الذي لا يدل على الكمال، ولا يتضمن أمراً ثبوتياً،
فهو نوع من التعطيل؛ ولهذا فإن من فقه السلف رحمهم الله أنهم سموا أصحاب هذا المذهب بالمعطلة
لأن من استعمل النفي المحض فإنه ينتهي إلى التعطيل؛ لأن الأشياء المعدومة والممتنعة تشترك في هذا النفي،
ومن أخص القواعد الشرعية والعقلية: أن كل موجود لابد أن يكون له صفات تليق به،
والله سبحانه وتعالى هو الخالق البارئ، الذي خلق الخلق وأبدع الكائنات، فلابد أن يكون له من الصفات ما يحصل بها هذا الكمال.