بسم الله الرحمن الرحيم
(16)
{ ذلك الكتاب لاريب فيه [ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ] }
لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق.فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا.
ولم يقبلوا هدى الله, فقامت عليهم به الحجة, ولم ينتفعوا به لشقائهم،
وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر, لحصول الهداية, وهو التقوى التي حقيقتها:
اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه, بامتثال أوامره, واجتناب النواهي, فاهتدوا به,
وانتفعوا غاية الانتفاع.قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا }
فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية, والآيات الكونية.
ولأن الهداية نوعان: هداية البيان, وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان, وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق.
وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها, ليست هداية حقيقية [ تامة ].
{وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} لم يقل: يفعلون الصلاة, أو يأتون بالصلاة,
لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة. فإقامة الصلاة,
إقامتها ظاهرا, بإتمام أركانها, وواجباتها, وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها,
وهو حضور القلب فيها, وتدبر ما يقوله ويفعله منها،
فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}
وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للإنسان من صلاته,
إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها.
تفسير السعدي