باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
وهذا الباب تكميل للباب الذي قبله وتابع له ,
فإن تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر ,
ومن البدع القولية الاعتقادية ,
والبدع الفعلية العملية , ومن المعاصي ,
وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات ,
وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد ,
ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله ,
وبالسلامة من البدع والمعاصي التي تكدر التوحيد وتمنع كماله ,
وتعوقه عن حصول آثاره .
فمن حقق توحيده بأن امتلأ قلبه من الإيمان والتوحيد والإخلاص ,
وصدقته الأعمال بأن انقادت لأوامر الله طائعة منيبة مخبتة إلى الله ,
ولم يجرح ذلك بالإصرار على شيء من المعاصي ,
فهذا الذي يدخل الجنة بغير حساب :
ويكون من السابقين إلى دخولها وإلى تبوء المنازل منها .
ومن أخص ما يدخل في تحقيقه كمال القنوت لله وقوة التوكل على الله :
بحيث لا يلتفت القلب إلى المخلوقين في شأن من شئونه ,
ولا يستشرف إليهم بقلبه , ولا يسألهم بلسان مقاله أو حاله ,
بل يكون ظاهره وباطنه وأقواله وأفعاله وحبه وبغضه ,
وجميع أحواله كلها مقصود بها وجه الله متبعا فيها رسول الله .
والناس في هذا المقام العظيم درجات
( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )
[ سورة الأنعام : الآية 132 ]
وليس تحقيق التوحيد بالتمني ولا بالدعاوي الخالية من الحقائق ,
ولا بالحلي العاطلة ,
وإنما ذلك بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان وحقائق الإحسان
وصدقته الأخلاق الجميلة , والأعمال الصالحة الجليلة ,
فمن حقق التوحيد على هذا الوجه
حصلت له جميع الفضائل المشار إليها في الباب السابق بأكملها
والله أعلم .