باب قول الله تعالى
"أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون”
قول الله تعالى :
( أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ )
[ سورة الأعراف : الآية 191 ]
هذا شروع في براهين التوحيد وأدلته ,
فالتوحيد له من البراهين النقلية والعقلية ما ليس لغيره ,
فتقدم أن التوحيدين : توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات من أكبر براهينه وأضخمها .
فالمتفرد بالخلق والتدبير ,
والمتوحد في الكمال المطلق من جميع الوجوه ,
هو الذي لا يستحق العبادة سواه .
وكذلك من براهين التوحيد
معرفة أوصاف المخلوقين , ومن عبد مع الله ,
فإن جميع ما يعبد من دون الله من ملك وبشر ومن شجر وحجر وغيرها
كلهم فقراء إلى الله ,
عاجزون ليس بيدهم من النفع مثقال ذرة ,
ولا يخلقون شيئا وهم يخلقون ,
ولايملكون ضرا ولانفعا ,
ولاموتا ولاحياة ولانشورا ,
والله تعالى هو الخالق لكل مخلوق ,
وهو الرازق لكل مرزوق ,
المدبر للأمور كلها ,
الضار النافع , المعطي المانع ,
الذي بيده ملكوت كل شيء
وإليه يرجع كل شيء
وله يقصد ويصمد ويخضع كل شيء ,
فأي برهان أعظم من هذا البرهان
الذي أعاده الله وأبداه في مواضع كثيرة من كتابه وعلى لسان رسوله ,
فهو دليل عقلي فطري كما أنه دليل سمعي نقلي على وجوب توحيد الله ,
وأنه الحق وعلى بطلان الشرك .
وإذا كان أشرف الخلق على الإطلاق
لا يملك نفع أقرب الخلق إليه
وأمسهم به رحما
فكيف بغيره :
فتبا لمن أشرك بالله
وساوى به أحدا من المخلوقين :
لقد سلب عقله بعد ما سلب دينه :
فنعوت الباري تعالى وصفات عظمته وتوحده في الكمال المطلق
أكبر برهان على أنه
لا يستحق العبادة إلا هو ,
وكذلك صفات المخلوقات كلها
وما هي عليه من النقص والحاجة والفقر إلى ربها في كل شئونها
وأنه ليس لها من الكمال إلا ما أعطاها ربها
من أعظم البراهين على
بطلان إلهية شيء منها ,
فمن عرف الله وعرف الخلق
اضطرته هذه المعرفة إلى عبادة الله وحده ,
وإخلاص الدين له والثناء عليه ,
وحمده وشكره بلسانه وقلبه وأركانه
وانصرف تعلقه بالمخلوقين خوفا ورجاء وطمعا
والله أعلم .