باب قوله
"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه "
قول الله تعالى :
( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ )
[ سورة الأعراف : الآية 179 ]
أصل التوحيد إثبات ما أثبته الله لنفسه :
أو أثبته له رسوله من الأسماء الحسنى :
ومعرفة ما احتوت عليه من المعاني الجليلة , والمعارف الجميلة ,
والتعبد لله بها ودعاؤه بها ,
فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه :
فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى :
فمن دعاه لحصول رزق فليسأله باسمه الرزاق ,
ولحصول رحمة ومغفرة فباسمه الرحيم الرحمن البر الكريم
العفو الغفور التواب ونحو ذلك .
وأفضل من ذلك أن يدعوه بأسمائه وصفاته دعاء العبادة ,
وذلك باستحضار معاني الأسماء الحسنى وتحصيلها في القلوب
حتى تتأثر القلوب بآثارها ومقتضياتها , وتمتلئ بأجل المعارف .
فمثلا أسماء العظمة والكبرياء والمجد والجلال والهيبة
تملأ القلب تعظيما لله وإجلالا له .
وأسماء الجمال والبر والإحسان والرحمة والجود
تملأ القلب محبة لله , وشوقا له وحمدا له وشكرا .
وأسماء العز والحكمة والعلم والقدرة
تملأ القلب خضوعا لله وخشوعا وانكسارا بين يديه
وأسماء العلم والخبرة والإحاطة والمراقبة والمشاهدة
تملأ القلب مراقبة لله في الحركات والسكنات ,
وحراسة للخواطر عن الأفكار الردية , والإرادات الفاسدة .
وأسماء الغنى واللطف تملأ القلب افتقارا واضطرارا إليه
والتفاتا إليه كل وقت في كل حال .
فهذه المعارف التي تحصل للقلوب
بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته وتعبده بها لله
لا يحصل العبد في الدنيا أجل ولا أفضل ولا أكمل منها ,
وهي أفضل العطايا من الله لعبده ,
وهي روح التوحيد وروحه ,
ومن انفتح له هذا الباب
انفتح له باب التوحيد الخاص والإيمان الكامل ,
الذي لا يحصل إلا للكمل من الموحدين .
وإثبات الأسماء والصفات هو الأصل لهذا المطلب الأعلى .
وأما الإلحاد في أسماء الله وصفاته
فإنه ينافي هذا المقصد العظيم أعظم منافاة ,
والإلحاد أنواع
إما أن ينفي الملحد معانيها كما تفعله الجهمية ومن تبعهم ,
وإما بتشبيهها بصفات المخلوقين
كما يفعله المشبهة من الرافضة وغيرهم ,
وإما بتسمية المخلوقين بها كما يفعله المشركون
حيث سموا اللات من الإله ,
والعزى من العزيز , ومناة من المنان ,
فاشتقوا لها من أسماء الله الحسنى فشبهوها بالله ,
ثم جعلوا لها من حقوق العبادة
ما هو من حقوق الله الخاصة ,
فحقيقة الإلحاد في أسماء الله
هو الميل بها عن مقصودها لفظا أو معنى ,
تصريحا أو تأويلا أو تحريفا .
وكل ذلك مناف للتوحيد والإيمان