[ 149 ]
س : قد أخبرنا الله تعالى في كتابه
وعلى لسان رسوله وبما علمنا من صفات
أنه يحب المحسنين والمتقين والصابرين ،
ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
ولا يحب الكافرين ولا الظالمين
ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد ،
مع كون كل ذلك بمشيئة الله وإرادته
وأنه لو شاء لم يكن ذلك
فإنه لا يكون في ملكه ما لا يريد ،
فما الجواب لمن قال :
كيف يشاء ويريد ما لا يرضى به ولا يحبه ؟
جـ : اعلم أن الإرادة في النصوص جاءت على معنيين :
إرادة كونية قدرية
وهي المشيئة ولا ملازمة بينها وبين المحبة والرضا
بل يدخل فيها الكفر والإيمان والطاعات والعصيان
والمرضيّ والمحبوب والمكروه وضده ،
وهذه الإرادة ليس لأحد خروج منها ولا محيص عنها
كقوله تعالى :
{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا } ،
وقوله تعالى :
{ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } .
الآيات ، وغيرها .
وإرادة دينية شرعية
مختصة بمراضي الله ومحابه ،
وعلى مقتضاها أمر عباده ونهاهم
كقوله تعالى :
{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } ،
وقوله تعالى :
{ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
وغيرها من الآيات ،
وهذه الإرادة لا يحصل اتباعها إلا لمن سبقت له بذلك الإرادة الكونية ،
فتجتمع الإرادة الكونية والشرعية في حق المؤمن الطائع
وتنفرد الكونية في حق الفاجر العاصي ،
فالله سبحانه دعا عباده عامة إلى مرضاته ،
وهدى لإجابته من شاء منهم
كما قال تعالى :
{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .
فعمم سبحانه الدعوة وخص الهداية بمن شاء
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى } .