المبحث الثالث:
خير أعماله وخواتمها
كان صلّى الله عليه وسلّم إذا عمل عملاً أثبته وداوم عليه؛
ولهذا قال:
”إن أحب الأعمال إلى الله تعالى
ما داوم عليه صاحبه وإن قل“([1]).
وعن أبي هريرة
قال:
”كان النبي صلّى الله عليه وسلّم
يعتكف في كل رمضان عشرة أيام
فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً،
وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة،
فلما كان العام الذي قُبض فيه عرض القرآن مرتين“([2]).
وعن عائشة
ا قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يكثر القول قبل أن يموت:
”سبحانك اللهم وبحمدك،
أستغفرك وأتوب إليك“.
قالت:
قلت: يا رسول الله،
ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟
قال:
”جُعلت لي علامةٌ في أمتي إذا رأيتها قلتها
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}([3]).
وقد قال ابن عباس
ا لعمر عن هذه:
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}
إنها: أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه إياه,
فقال: ما أعلم منها إلا ما تعلم“([4]).
وقيل:
نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} يوم النحر
والنبي صلّى الله عليه وسلّم في منى بحجة الوداع([5])،
وقيل:
نزلت أيام التشريق([6])،
وعند الطبراني أنها لما نزلت هذه السورة
أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
أشدَّ ما كان اجتهاداً في أمر الآخرة([7])؛
ولهذا قالت عائشة
ا:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده:
”سبحانك اللهم ربنا وبحمدك،
اللهم اغفر لي“ يتأول القرآن([8]).
ومعنى ذلك أنه يفعل ما أمر به فيه
وهو قوله تعالى:
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}([9]).
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
([1]) البخاري مع الفتح 9/43، برقم 4998، و 4/213، ومسلم 2/811 وتقدم تخريجه.
([2]) البخاري برقم 4433، ومسلم 2450.
([3]) مسلم 1/351.
([4]) البخاري مع الفتح 8/130.
([5]) انظر: الفتح 8/734، وقيل: عاش بعدها إحدى وثمانين يوماً. فتح 8/734.
([6]) انظر: المرجع السابق 8/130.
([7]) انظر: فتح الباري 8/130.
([8]) البخاري برقم 794، ومسلم برقم 484.
([9]) انظر: شرح النووي 4/447.