المبحث الرابع:
وداعه لأمته ووصاياه في حجة الوداع
1 ـ أذانه في الناس بالحج:
بعد أن بلَّغ صلّى الله عليه وسلّم البلاغ المبين
وأدى الأمانة، ونصح الأمة،
وجاهد في الله حق جهاده،
أعلن في الناس وأذَّن فيهم وأعلمهم
أنه حاج في السنة العاشرة
– بعد أن مكث في المدينة تسع سنين
كلها معمورة بالجهاد والدعوة والتعليم –
وبعد هذا النداء العظيم الذي قصد به صلّى الله عليه وسلّم
إبلاغ الناس فريضة الحج،
ليتعلموا المناسك منه صلّى الله عليه وسلّم؛
وليشهدوا أقواله، وأفعاله،
ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب،
وتشيع دعوة الإسلام، وتبلغ الرسالة القريب والبعيد([1]).
قال جابر
:
إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحج
ثم أذَّن في الناس في العاشرة
أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجٌّ،
فقدم المدينة بشر كثير
كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم،
ويعمل مثل عمله...
وساق الحديث وفيه:
حتى إذا استوت به ناقته على البيداء([2])
نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ،
وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك،
ومن خلفه مثل ذلك([3]),
ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا
وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله
وما عمل به من شيء عملنا به...
وساق الحديث وقال:
حتى إذا أتى عرفة
فوجد القبة قد ضُرِبت له بنمرة فنزل بها.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
([1]) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 8/422 , وشرح الأبي 4/244.
([2]) البيداء: اسم للمفازة والصحراء التي لا شيء فيها، وهي هنا موضع بذي الحليفة. فتح الملك المعبود 2/9.
([3]) قيل كان عددهم تسعين ألفاً، وقيل مائة وثلاثين ألفاً. انظر: المرجع السابق 2/9، و 105.