4 ـ وصيته ووداعه لأمته يوم النحر:
عن أبي بكرة
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قعد على بعيره
وأمسك إنسان بحطامه – أو بزمامه –
وخطب الناس فقال:
”أتدرون أيُّ يوم هذا“؟
قالوا: الله ورسوله أعلم
[فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه,
فقال: ”أليس بيوم النحر“؟
قلنا: بلى يا رسول الله!
قال: ”فأي شهر هذا“؟
قلنا: الله ورسوله أعلم
[فسكت] حتى ظننا أنه سيسمه بغير اسمه,
فقال: ”أليس بذي الحجة“؟
قلنا بلى يا رسول الله.
قال: ”فأي بلد هذا“؟
قلنا الله ورسوله أعلم
[فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: ”أليست البلدة الحرام“؟
قلنا: بلى يا رسول الله ,
قال:
”فإن دماءكم, وأموالكم, وأعراضكم, وأبشاركم
عليكم حرام كحرمة يومكم هذا,
في شهركم هذا, في بلدكم هذا
[وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم,
فلا ترجعوا بعدي كفاراً
[أو ضُلاَّلاً يضرب بعضكم رقاب بعض,
ألا ليبلغ الشاهد [منكم] الغائب
[فَرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع]
ألا هل بلَّغت
[ثم انكفأ([1]) إلى كبشين أملحين فذبحهما..“([2])
قال ابن عباس
ا:
فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته
فليبلغ الشاهد الغائب([3]).
وسكوته صلّى الله عليه وسلّم بعد كل سؤال من هذه الأسئلة الثلاثة
كان لاستحضار فهومهم, وليقبلوا عليه بكليتهم,
وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه([4]).
وعن ابن عمر
ا قال:
"وقف النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر بين الجمرات...
وقال: ”هذا يوم الحج الأكبر“
وطَفِق([5]) النبي يقول:
”اللهم اشهد“
وودع الناس فقالوا:
هذه حجة الوداع"([6]).
وقد فتح الله أسماع جميع الحجاج بمنى
حتى سمعوا خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر,
هذا من معجزاته أن بارك في أسماعهم وقوَّاها
حتى سمعها القاضي الداني
حتى كانوا يسمعون وهم في منازلهم([7]).
فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي
قال:
"خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن بمنى
فَفُتِحت أسماعُنا حتى كنا نسمع ما يقول
ونحن في منازلنا.."([8]).
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
([1]) انكفأ: أي انقلب. انظر: شرح النووي 11/183.
([2]) البخاري 3/26 برقم 67, 105, 1741, 3197, 4406, 4662, 5550, 7078, 7447, ومسلم برقم 1679 والألفاظ من هذه المواضع.
([3]) البخاري برقم 1739.
([4]) انظر: فتح الباري 1/159.
([5]) طفق: جعل وشرع بقول.
([6]) البخاري برقم 1742.
([7]) انظر: عون المعبود 5/436, وفتح الملك المعبود 2/106.
([8]) أبو داود برقم 1957 وفي آخره قصة تدل على أنه يوم النحر, والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 1724, 1/369.