قالت:
فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
إلى أبي بكر؛ ليصلي بالناس,
فأتاه الرسول([1]) فقال:
إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تصلي بالناس.
فقال أبو بكر – وكان رجلاً رقيقاً –
يا عمر! صلِّ بالناس.
فقال له عمر: أنت أحقُّ بذلك.
قالت: فصلَّى بهم أبو بكر تلك الأيام.
ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
وجد من نفسه خِفَّة فخرج بين رجلين
– أحدهما العباس([2])–
لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس,
فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر,
فأومأ إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن لا يتأخر ,
وقال لهما: ”أجلساني إلى جنبه“
فأجلساه إلى جنب أبي بكر,
فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم
يأتم بصلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم
والناس يصلون بصلاة أبي بكر
والنبي صلّى الله عليه وسلّم قاعد“([3]).
وهذا صريح في أن هذه الصلاة هي صلاة الظهر([4]).
وقد كان صلّى الله عليه وسلّم حريصاً
على أن يكون أبو بكر هو الإمام
وردد الأمر بذلك مراراً,
فمن عائشة
ا قالت:
لما ثَقُل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
جاء بلال يؤذنه بالصلاة,
فقال: ”مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس“
فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف([5])
وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس
فلو أمرت عمر؟
فقال: ”مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس“
قالت: فقلت لحفصة:
قولي له إن أبا بكر رجل أسيف
وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس
فلو أمرت عمر, فقالت له
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
”إنكنَّ لأنتن صواحب يوسف
مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس“
فقالت حفصة لعائشة:
[ما كنت لأصيب منك خيراً].
قالت عائشة:
فأمروا أبا بكر يصلي بالناس
فلما دخل في الصلاة
وجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من نفسه خفة,
فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض،
حتى دخل المسجد،
فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر,
فأومأ إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
”قم مكانك“
فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
حتى جلس عن يسار أبي بكر,
فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً
يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم
ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر“([6]).
والسبب الذي جعل عائشة
ا
تراجع النبي صلّى الله عليه وسلّم
في إمامة أبي بكر بالصلاة
هو ما بيَّنَتْه في رواية أخرى قالت
ا:
”لقد راجعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك
وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي
أن يحب الناس بعده رجلاً قام مقامه أبداً,
ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه
إلا تشاءم الناس به,
فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أبي بكر“([7])؛
ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم لها ولحفصة:
”إنكن لأنتن صواحب يوسف“([8]).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"وتقديمه صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر
معلوم بالضرورة من دين الإسلام
وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة,
وأقرؤهم لما ثبت في الصحيح:
”يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله..“([9]) الحديث.
نعم قد اجتمعت في أبي بكر
هذه الصفات
...([10]).
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
([1])أي الذي أرسله إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ليصلي بالناس.
([2])والآخر علي
كما تقدم.
([3])البخاري برقم 687 ومسلم برقم 418 وقد اخترت بعض الألفاظ من البخاري وبعضها من مسلم.
([4])وزعم بعضهم أنها الصبح, واستدل برواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس:
”وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القراءة من حيث بلغ أبو بكر,
وهذا لفظ ابن ماجه وإسناده حسن؛ لكن في الاستدلال به نظر؛
لاحتمال أن يكون صلّى الله عليه وسلّم سمع لما قرب من أبي بكر الآية التي انتهى إليها أبو بكر خاصة,
وقد كان هو يسمع الآية أحياناً في الصلاة السرية كما في حديث أبي قتادة,
ثم لو سلم لم يكن فيه دليل على أنها الصبح بل يحتمل أن تكون المغرب
فقد ثبت في الصحيحين من حديث أم الفضل قالت:
"سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفاً,
ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله" البخاري برقم 763 و4429, ومسلم برقم 462
قال ابن حجر: لكن وجدت في النسائي أن هذه الصلاة التي ذكرتها أم الفضل كانت في بيته
وقد صرح الشافعي أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يصلِّ بالناس في مرض موته في المسجد إلا مرة واحدة
وهي هذه التي صلى فيها قاعداً وكان أبو بكر فيها أولاً إماماً ثم صار مأموماً يسمع الناس التكبير.
انظر: الفتح 2/175.
([5])أسيف: شديد الحزن: والمراد أنه رقيق القلب إذا قرأ غلبه البكاء فلا يقدر على القراءة.
فتح 2/152, 165, 203.
([6])البخاري برقم 713 , 2/204 ومسلم برقم 418,
قول حفصة
ا: ما كنت لأصيب منك خيراً. البخاري برقم 679.
([7])البخاري برقم 198, و4445, ومسلم برقم 418 رواية 93.
([8])البخاري برقم 713, مسلم برقم 418 وتقدم تخريجه.
([9])مسلم برقم 673.
([10])البداية والنهاية 5/234 وروى البيهقي عن أنس
أنه كان يقول:
”آخر صلاة صلاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع القوم في ثوب واحد ملتحفاً به خلف أبي بكر“
قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية 5/234: ”وهذا إسناد جيد على شرط الصحيح“
ورجح العلامة ابن باز حفظه الله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يصلِّ خلف أحد من أمته إلا عبد الرحمن بن عوف.
قلت: أما الصلاة التي صلاها مع أبي بكر فإنه هو الإمام كما تقدم والله أعلم.