عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-11, 08:44 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
الشـــامـــــخ
اللقب:
المـديـــر العـــام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية الشـــامـــــخ


البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 14
المشاركات: 10,332 [+]
الجنس: ذكر
المذهب: سني
بمعدل : 1.96 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 10
نقاط التقييم: 949
الشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدع

الإتصالات
الحالة:
الشـــامـــــخ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشـــامـــــخ المنتدى : بيت موسوعة طالب العلم
افتراضي

الحاصلُ: أنَّ الله تعالى لم يطلب منا أن نعبده كما نرى، لم يترك لنا الحرية في أن نعبدَه بالذي نراه، ليس لنا حرية في اختيار ألوان العبادات التي نَعبدُ بها الربَّ الجليل الأعلى سبحانه وتعالى، لم يترك لنا ربُّنا تبارك وتعالى الحريةَ في اختيارِ الطريقةِ على ما نحبُّ ونستحسن، ولكن طَلَبَ منَّا أن نعبدَهُ بما أَمَرَنَا أن نعبدَه به، وبالكيفية التي يريد, وبالكمية التي يريد, وفي الزمان والمكان المُرَادَين, كما فَصَّلَ لنا ذلك في كتابِهِ وعلى لسانِ رسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا مجالَ للإنسان في أن يخترعَ من العباداتِ ما لم يأذن به اللهُ تعالى.
سُنَّةُ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تكونُ بالفعلِ تكون بالتَّرْكِ، والتَّرْكُ المراد هاهنا هو التَّرْكُ الوجودي، وهو: أنْ يقعَ الشيء في زمنِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ويوجد المقتضِي لفعلِهِ - الدافع والباعث - الذي يدفع ويبعثُ لفعله والشيء موجود, ومع وجودِ هذا المقتضي وانتفاءِ المانع الذي يمنع من فعلِهِ، مع ذلك يتركه رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا كان ذلك كذلك؛ فالتَّرْكُ سُنَّةٌ والفعلُ بدعة، التَّرْكُ المراد هو التَّرْكُ الوجودي أنْ يقع الشيء ويوجد المقتضي الدافع لفعلِهِ وينتفي المانعُ من فعله، ومع ذلك يترُكُهُ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، فالتَّرْكُ الذي هو سُنَةٌ وقُرْبَةٌ هو التَّرْكُ في ما لم يكن مانعٌ من فعلِهِ مع وجودِ المقتضي لفعلِ ذلك الأمر الذي تَرَكَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو التَّقَرُّبُ إلى اللهِ تبارك وتعالى، والوقتُ وقتُ تشريعٍ وتنزيل وبيان للأحكام، لأن النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يؤخرُ البيانَ عن وقت الحاجة، فلو كان ذلك جائزًا على هذا النحو: قام المقتضي لفعله، الدافع لفعله موجود, والمانع الذي يمنع من فعله منتفٍ لا وجود له, ومع ذلك يتركه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ, حينئذٍ يكون التَّرْكُ سُنَّةً ويكونُ الفعلُ بدعةً.
كما تَرَكَ الأذان للعيدين، وكما تَرَكَ الغُسْلَ لكل صلاة, وكما ترك الاحتفالَ بعيد مولده أو عيد ميلاده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وكما ترك الأذان للتراويح، وكما ترك صلاة النصف من شعبان، وكما ترك القراءة على الموتى وغير ذلك، فهذه أمورٌ تُرِكَتْ على عهدِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السنينَ الطُّوَال مع عدمِ المانعِ من فعلِها, وقيامِ المقتضي الدافع الذي يدفعُ لفعلها, ومع ذلك تركها رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, والوقتُ وقتُ تشريعٍ للأحكام, فظهرَ من ذلك أنَّ هذا التَّرْكَ سُنَّةٌ, وأنَّ الفعلَ - الذي ينافي هذا التَّرك - بدعةٌ في دين اللهِ ربِّ العالمـــين.
لو كانت مشروعة وكان فعلُها ينطوي على شيءٍ من الخير لفعلها النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرْكُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذه الأمور ومواظبتُه على الترك مع عدم المانع ومع وجود المقتضي الدافع لفعل الفعل, وهو التقرب إلى الله تبارك وتعالى، تَرْكُ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك وهو كذلك والوقت وقت تشريع وتنزيل وبيان للأحكام دليل على أنَّ المشروع في هذه الأمور هو التَّرْك، وأنَّ الفعلَ خلافُ المشروع، فلا يُتَقَرَّبُ بفعل مثل ذلك؛ لأن القُرْبَةَ لابد أنْ تكونَ مشروعة.
العملُ لا بد أنْ يكون خالصًا وأنْ يكون صوابًا، والصواب أنْ يكونَ على قدمي رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنْ يتوفرَ فيه شرطُ المتابعة لدينِ اللهِ ربِّ العالمـــين الذي جاء به النّبيُّ الأمين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
وهذه قاعدة من القواعد الجليلة جدًّا يحتاجُها المسلمُ المُتَسَنِّنُ بسُنَّةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحتاجُها طالبُ العلم من أجل التمييزِ بين ما هو سُنَّة وما هو بدعة, ويحتاجها العالم الداعية من أَجْلِ أنْ تكونَ غُصَّةً وحجرًا يُلْقَمُ في أفواه وحُلُوقِ المبتدعة, ما يسمى بـ «السُّنَّة التَّرْكية» هو: ما تَرَكَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع قيام المقتضي لفعله وانتفاء المانع من فعله - مع أنَّ الزمانَ زمانُ تشريع وبيان للأحكام -, فالحكم في ذلك أنَّ التَّرْكَ سُنَّة وأنَّ الفعل بدعة - قاعدة مهمة في غاية الأهمية ذكرها العلماء رحمةُ اللهِ عليهم -.
وكيف يُعقل أنْ يتركَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا نافعًا يعودُ على الأمةِ بالرحمة وهو من بَيَّنَ لنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّه {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة : 128] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ كيف يُعقل أنْ يترك النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلَ هذا؟!
وهل يُعقل أنْ يكونَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ قد رأى في ذلك بابًا من أبوابِ الرحمة ثم يتركُه حياتَه كلَّها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- ولا يفعلُه ولو مرةً واحدةً لبيان الجواز حتى ولو كان لبيان الجواز؟
مثال ذلك أنَّ الناسَ إذا ماتَ لهم ميت جمعوا بعضَ أحبَّائِهِم وأودَّائِهِم وأصفيائِهِم وصنعوا للميتِ (عِتَاقَة كبرى!) أو (عِتَاقَة صغرى!)، فيجلسون يقرؤون سورةَ الإخلاصِ عددًا، ألف مرة أو مائة ألف مرة في العتاقة الصغرى والعتاقة الكبرى! ويقولون إننا إذا قرأنا هذا القدر ثم وهبنا ثوابَه للمتوفَّى فإنه تُعْتَقُ رقبتُهُ من النار!!
فيُقال: هذا المقصد هو الذي لأَجْلِهِ أرسلَ اللهُ رسولَهُ، من أجل عِتْقِ الناس من النار، أنْ يوحدوا اللهَ وأن يعبدوه حتى ينجوَ هؤلاءِ من النار، فهذا هو المقصد الذي لأَجْلِهِ أَرْسَلَ اللهُ ربُّ العالمـــين رسولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
ما المانع الذي كان يمنعُ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أنْ يُكَلِّفَ بعضَ أصحابِهِ رضوان الله عليهم بعد موتِ واحدٍ من الصحابةِ رضوان الله عليهم أنْ يجتمعوا ناحيةً, وأن يقرؤوا سورةَ الإخلاصِ هذا القَدْرَ, ثم يَهَبُوا ثوابَ تلك القراءةِ للميت، ما الذي كان يمنع؟
لا شيء.
إذن؛ ليس هنالك مانع، والدَّافع المقتضي لوجود الفعل قائم - وهو عِتْقُ هذا المتوفَّى من النار -, والزمانُ زمان تشريع وتنزيل للأحكام على قلبِ النّبيِّ الهُمَام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك لم يفعلْه, فيكون التَّرْكُ سُنَّةً, ويكونُ الفعلُ بدعة.
قد يقول قائل: لقد ظهرت بدعٌ كثيرةٌ حَسَنَة وقد رَضِيَ بها العلماءُ وسار عليها المسلمون إلى يومنا هذا، مثل جَمْع عمر بن الخطاب نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة المسلمينَ في صلاة التراويح على إمامٍ واحدٍ, وكان النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ قد ترك ذلك وتركه أبو بكر وتركه عمر صدرًا من خِلافته, ثم جمع المسلمين بعد ذلك على أُبَي بن كعب رضي الله تبارك وتعالى عنه - قد يُقال هذا -.
فالجواب: ما رواه البخاريُّ ومسلمٌ بسنديهما عن عُرْوَةَ بن الزبير أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ - تعني: في رمضان - فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا, فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ - يعني: في الليلة التالية -, فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ, فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ, فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ - غَصَّ المسجدُ بأهلِهِ، عَلِمَ الناسُ جميعًا أنَّ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي التراويح - قيام الليل في رمضان في المسجد جماعة -, فأتى الصحابة رضوان الله عليهم لكي يُصَلُّوا خلف النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فماذا حدث؟ لم يخرج النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ في تلك الليلة وظَلُّوا في المسجد - حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ, فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ».
هنا وُجِدَ مانعٌ، المقتضي للفعلِ موجود ولكن وُجِدَ المانعُ، فإذا زالَ المانعُ يُرْجعُ إلى الأصل، ولا يُقال إنَّ هذه سُنَّةٌ تَرْكِيَّةٌ؛ لأن السُّنة التركية: أنْ يوجد الدافع وأنْ ينتفي أنْ يزول أنْ لا يكون للمانع وجود, والزمانُ زمانُ تشريع وتنزيل للأحكام على قلبِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هنا وُجِدَ الدافعُ والباعث والمقتضي لاجتماعِ الناسِ خلفَ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة قيام الليل في رمضان، في صلاة التراويح، ولكن هنالك مانع وهو: خشيةُ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُفْرَضَ ذلك على المسلمين فَيَعْجِزُوا عنه، فلمَّا خافَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الأمرَ على الأمة امتنعَ عن الخروج لصلاةِ قيامِ الليل في رمضان في المسجد جماعةً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فالمانعُ من صلاة التراويح في جماعةٍ على عهدِ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو خشيةُ أنْ تُفْرَضَ على الأمة، والزمان زمان تشريع وتنزيل، والرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخشى أنْ تُفرضَ فيقع العَجْزُ عنها، وتتورطُ الأمةُ في الإثم، فَتُوفِّيَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمرُ على ذلك، ثم كان الأمرُ على ذلك خلافةَ أبي بكر نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة؛ لأنَّ خلافة أبي بكر كانت قصيرة، سَنَتَان وشيء يسير من الزمان، وكان مشغولًا -رضوان الله عليه- بحروب الرِّدَّةِ وبالحرب مع مانعي الزكاة، وبتسيير الجيوش للجهاد والفتح، فلم يتفرغ لذلك، وكذلك كان الأمرُ صدرًا - يعني: قدرًا متقدمًا - في خلافة عمر رضوان الله عليه لانشغاله -نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- والمسلمون معه بحربِ فارسَ والروم.
فلما أنْ استقر الأمرُ جمعهم عمرُ رضوان الله عليه على أُبَي بن كعب في مسجدِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، زال المانع؛ لأنها لا يمكن أنْ تُفْرَضَ بعد موتِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
أخرجَ البخاريُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ - يعني: جماعات - مُتَفَرِّقُونَ, يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ, وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ - من الثلاثة إلى التسعة -, فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ - أي: كان أفضل -, ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة, ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ, وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ إليها. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ, وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَ الليل» هذا حديثُ البخاريِّ رحمةُ اللهِ عليه.
استنبط عمر نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة أنَّ جمعَهُم على إمامٍ واحدٍ أفضلُ - من تقرير النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى معه في تلك الليلة -، استنبطه من أي شيء؟ من تقرير النّبي، لا أنَّه أفضلُ من تقرير النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
يعني: لمَّا خرجَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان فصَلَّى وصلَّى بصلاته أُنَاسٌ، ثم في الليلة الثانية ثم في الليلة الثالثة، لم يمنعهم النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصلاة ذاتها على هذا النحو، وإنما امتنع خشيةَ أنْ تُفْرَضَ على الأمة، ولكن لم يمنع النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الاجتماعِ خلفَ إمام واحد، وإنما خَشِيَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ مِنْ أنْ تُفْرَضَ الصلاةُ على أُمَّةِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ وحينئذٍ يَعْجِزُونَ عنها، اللهم صلِّ وسَلِّم وبارك عليه.
فَلَمَّا ماتَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ حَصَلَ الأمنُ من ذلك؛ لأنَّه لا يمكن أنْ يُفرضَ شيءٌ على الأمة بعد موتِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ, ولم يفعل ذلك أبو بكر رضوان الله عليه؛ لانشغاله في حروب الرِّدَّةِ وحروبِ مانعي الزكاة, وكذلك لم يفعلْه عمرُ رضوان الله عليه صدرًا من خلافته -رضوان الله عليه-؛ لانشغاله بحربِ فارسَ والروم، فَلَمَّا أنْ استقرَ الأمرُ رَاجَعَ عمرُ رضوان الله عليه سُنَّةَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا قال عمر رضوان الله عليه: «نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ», بدعةٌ هي؟!
يقولُ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عليكم بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذِ, وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور», هذا أولًا.
وثانيًا: لأنَّ هذه مشروعة فكيف تكونُ بدعة؟!
يعني الذي قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-: «إِنِّي أخشى أنْ تُفْرَضَ عليكم»، هو الذي قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- «كُلُّ بدعةٍ ضلالة», فلا تناقضَ بين قولِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ في الحالتين.
النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ إنما قَرَّرَ ذلك سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ، وإنما امتنعَ عن الإتيانِ بها لِعِلَّةٍ بَيَّنَها الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انتفى المانعُ نعودُ إلى الأصل الذي أصَّلَهُ لنا نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
فإذا قال عمر: «نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» يعني: أنها لم تكن مستفيضةً على عهدِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ولم تكن في خلافةِ أبي بكر رضوان الله عليه, فأَتَى بالمعنى اللُّغوي للبدعة، والبدعةُ في اللغة تَعُمُّ كلَّ ما فُعِلَ ابتداءً من غير مثالٍ سابق، وأمَّا البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليلٌ شرعيٌ مِنْ كتابِ اللهِ ولا مِنْ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
إذا كان ذلك كذلك فقولُ عمر رضوان الله عليه من قَبِيلِ الأخذِ بالأخذ اللُّغوي الأول على شُمُولِهِ.
وإطلاق معنى البدعة بالمعنى اللغوي أشملُ وأعم من إطلاقها بالمعنى الشرعي، قال ابن رجب رحمه الله : «ما وقع في كلام السَّلف من استحسان بعض البدع, فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية». «في البدع اللغوية» يعني: بالمعنى اللغوي لا في المعنى الشرعي.
بعضُ البدع تشبه ما يسمى عند العلماء بـ (المصالح المُرْسَلَة)، وشتّان ما بينهما، المصلحة المرسلة: هي المعنى الملائم لتصرفاتِ الشرعِ الذي لم يأتِ دليلٌ معينٌ باعتبارِهِ ولا بإلغائِهِ، ولذلك سُمِّيت - هي موافقةٌ لمقاصد الشرع, ولم يأتِ دليلٌ بالإلغاء ولم يأتِ دليل بالإثبات، ومن هنا قيل لها - (مُرْسَلَة)، يعني: لا هي مَلْغِيَّة ولا هي مُثْبَتَة, وإنما هي مُرْسلة.
مثل: جمعُ الأصحابِ رضوان الله عليهم لكتابِ اللهِ تبارك وتعالى بعد موتِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فهذه لا يُقال إنها بدعة، ولكنها من قَبِيلِ ما يُسَمَّى بـ (المصالح المرسلة).
قد يُقال في المسائل المتعلقة بعيد ميلاد النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل تمنعون ذكرَ اللهِ وقراءةَ سيرةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
والجواب: ذكرُ اللهِ ومعرفةُ سيرة النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعظمِ القُرُبَاتِ وأفضلِ الطاعاتِ، وذلك يُحَضُّ عليه ويُرَغَّبُ فيه, وموطنُ النزاع إنما هو تخصيصُ ذلك بيومٍ في السَّنَةِ من غير ما مُخَصِّص، مع الكيفيةِ المُحْدَثَةِ والمخالفاتِ المبتدعة.
وقد يُقال : قال ابن الجزري: «رُئِيَ أبو لهب في المنام فقيل له: كيف حالُك؟ قال في النار، ولكنه يُخفف عنه كل ليلة اثنين؛ لأنه فَرِح بِمَولِدِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعتقَ جاريتَهُ ثُوَيْبَة», فيقولون: مادام هذا حال الكافر استفاد بسبب فَرَحِهِ برسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فكيف حالُ من يفرح ويحتفلُ بعيدِ ميلادِهِ كلَّ عام وهو مسلمٌ يعبدُ اللهَ تبارك وتعالى؟
الجواب: هذا الدليلُ أوهنُ من بيت العنكبوت، بل هو هباء، الرائي الذي حَكَى عنه ابنُ الجزري مجهول! والمرويُّ عنه كافر! فأيُّ إسناد هذا؟!
ومتى كانت الأحلامُ دليلًا على إثباتِ حكمٍ شرعي؟!
وأيضًا: هذا الفرح الذي أتى من أبي لهب فَرَحٌ جِبِلِّي؛ لأنه فَرِحَ بأن رُزِقَ أخوه - الذي مات وترك امرأته حاملًا أنْ رزق - بمولودٍ ذَكَر، فهذا فَرَحٌ جِبِلِّي، ولذلك لم يَفرح بِبَعْثَةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل حاربَهُ أشدَّ المحاربة, وعانده أشدَّ المعاندة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
قد يُقال أيضًا: إنَّ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ صامَ يومَ الاثنين, فلمَّا سُئِلَ قال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-: «ذلك يومٌ وُلِدتُ فيه»، فقالوا: إذن؛ ينبغي أنْ نحتفل بعيدِ ميلادِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ!
والجواب: مشروعيةُ صوم الاثنين لا تُنكر، وكذلك فضلُ صيامِهِ، وكذلك يومُ الخميس, فصومُهما مستحبٌ على طول العام، لا في وقت دون وقت، ولكن أنْ تقيس ما هو مشروع - وهو الصيام - على ما لم يُشرع - وهو الاحتفال - قياسٌ مع الفارق, وهو قياس باطل.
وأيضًا: صَحَّ عن النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ في تَعْلِيلِ صيامِ الاثنين والخميس أنَّه قال: «إنَّ الأعمال تُعرض على الله -ربِّ العالمـــين- كلَّ اثنين وخميس، فَأُحِبُّ أنْ يُعرض عملي وأنا صائم». -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
شيءٌ آخر وهو: أنَّ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ حُبُّهُ من أعظمِ أصولِ الدِّينِ، قال ربُّنا تبارك وتعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة : 24]، فكفى بهذا حَضًّا وتنبيهًا ودلالةً وحجةً على إلزامِ محبةِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووجوبِ ذلك وعِظَمِ خَطَرِهِ واسْتِحْقَاقِهِ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى قَرَّعَ من كان مالُهُ وأهلُهُ وولدُهُ أحبَّ إليه من اللهِ ورسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتَوَعَّدَهُم بقولِهِ تعالى: {فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ}, ثم فَسَّقَهُم بتمامِ الآية، وأَعْلَمَهُم أنَّهم ممن ضَلَّ عن سبيلِ اللهِ ربِّ العالمـــين، فاللهمَّ اجعل نبيَّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحبَّ إلينا من أنفسِنَا إنَّك على كل شيءٍ قدير.
قال النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {النّبي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}».
وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ».
وقال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». ولمَّا قال عمر رضوان الله عليه للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا نَفْسِي, قَالَ: «ولَا هذه يا عمر»، قَالَ: الْآنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كلِّ شيء حتى نفسي, قَالَ: «الْآنَ يَا عُمَرُ».
فَمَحَبَّةُ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واجبةٌ وأَصْلٌ عظيمٌ من أصولِ الدِّينِ، ولكن الدَّليلُ على صدقِ المحبةِ التأدبُ مع رسول الله، وعدمُ التقديم بين يدي رسول الله.
أسألُ الله تبارك وتعالى أنْ يرزقنا مَحَبَّتَهُ ومَحَبَّةَ نبيِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنْ يرزقنا الاتباع، وأنْ يُجَنِّبَنَا الابتداع، إنَّه على كل شيءٍ قدير.
وصَلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.


تاريخ إلقاء هذه المحاضرة: الثلاثاء 8 من ربيع الأول 1428هـ الموافق 27-3-2007م




مكان إلقاء هذه المحاضرة: بمسجد صلاح الدين بمدينة أشمون - محافظة المنوفية




نبذة مختصرة عن المحاضرة: في بيان حكم الاحتفال بعيد ميلاد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.




=============


المحاضرة مفرغة من هنا


=============



====================

لحفظ المحاضرة: MP3 وأيضاً: RM
====================


الفقيرُ إلى رَبِّ العالمين

أبو عبد الله هيثم آل فايد










توقيع : الشـــامـــــخ

يسرنا متابعتكم وتواصلكم عبر الحسابات التالية

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عرض البوم صور الشـــامـــــخ   رد مع اقتباس