دولة المرابطين بالأندلس ( 484- 539هـ )
من المرابطون؟ من هؤلاء الذين يهدد بهم ابن عبّاد ألفونسو؟
المرابطون هم قبائل ينسبون إلى حمير، وأشهر هذه القبائل لمتونه وجدالة ولمطة، ومن لمتونه كان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وقد دخلت هذه القبائل المغرب مع موسى بن نصير، وتوجَّهوا مع طارق بن زياد إلى طنجة، لكنهم أحبوا الانفراد فدخلوا الصحراء بالمغرب الأقصى واستوطنوها
وفي سنة 448هـ حدث بينهم انبعاث ديني، وانبثق فيهم من يدعو إلى الجهاد في سبيل الله، وتسمَّى هؤلاء بالمرابطين، وقد تغلب هؤلاء المرابطون على المنطقة كلها من الجزائر إلى السنغال، وكانوا رجالاً من طابع طارق وأصحابه لا تنقصهم الشجاعة وليس للترف إليهم منفذ، وفي سنة 462هـ آل أمر المرابطين إلى يوسف بن تاشفين وكان رجلاً تقيًا حازمًا داهية مجربًا، فمد فتوحه في المغرب الأفريقي حتى دان له جميعه، واختط مدينة مراكش تحت جبال المصامدة، الذين هم أشد أهل المغرب قوة، فكانت مراكش عاصمة لدولة المرابطين ثم ملك سبته وطنجة وأصبح بذلك مطلاً على جنوب الأندلس، ودولته هي أقوى دولة بالمغرب ومن ثم استنجد به أهل الأندلس
السلطان يوسف بن تاشفين أمير المرابطين:
هو أمير المسلمين، السلطان أبو يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني، ويعرف بأمير المرابطين وقال عنه ابن الأثير: "أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ملك المغرب والأندلس، وكان حسن السيرة خيرًا عادلاً، يميل إلى أهل العلم والدين، ويكرمهم ويحكِّمُهم في بلاده ويصدر عن آرائهم، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه"
وقال عنه ابن خلكان: "كان حازمًا سائسًا للأمور، ضابطًا لمصالح مملكته، مؤثرًا لأهل الدين والعلم، كثير المشورة لهم.
معركة الزلاقة
وافق يوسف بن تاشفين على تقديم المساعدة لأهل الأندلس واشترط أن يُمنَح الجزيرة الخضراء لتكون مركزًا لانطلاق جيوشه، بعد ذلك عبر يوسف بن تاشفين بجيوشه مضيق جبل طارق ونزل في الجزيرة الخضراء فنظم شؤونها وحصنها، ثم تابع تقدمه باتجاه إشبيلية.
كان ألفونسو السادس آنذاك يحاصر مدينة سرقسطة، وحينما علم بأنباء الزحف الإسلامي، رفع الحصار عنها وأسرع بجيوشه نحو جيوش المسلمين من المغاربة والأندلسيين، فالتقى بهم في شمال شرقي بطليوس عند سهل الزلاقة، وهناك دارت بين الطرفين معركة طاحنة في شهر رجب 479هـ أكتوبر عام 1086م، هزم فيها ألفونسو هزيمة شنعاء وجرح في المعركة واضطر إلى التراجع باتجاه الشمال مخليًا إقليم بلنسية.
والحقيقة أن انتصار المسلمين في الزلاقة كان له آثار كبيرة حيث أنقذ العالم الإسلامي في الأندلس من السقوط في يد النصارى، كما ثبت أقدام المرابطين فيها
وبعد هذه المعركة رجع يوسف بن تاشفين إلى المغرب بعد أن ترك حامية مرابطية مكونه من ثلاث آلاف جندي بقيادة سير بن أبي بكر تساعد القوات الأندلسية في التصدي للهجمات الإسبانية التي بدأت تشن غاراتها على الأندلس انتقامًا لهزيمتها في الزلاقة
بعد ذلك عاد الأندلسيون إلى سيرتهم الأولى بعد رحيل يوسف بن تاشفين، فاختلفوا فيما بينهم، وضايقوا القوة المغربية التي بقيت في الأندلس لحملها على ترك البلاد، وتجاوز الإسبان بعد عام ذيول هزيمتهم في الزلاقة بعد النجدات التي وفدت عليهم من فرنسا والبابوية فاستأنفوا عملياتهم العسكرية، واختاروا المناطق الأكثر ضعفًا في شرق الأندلس وهي بلنسية ومرسية ولورقة والمرية
ونظرًا لخطورة الوضع قرر المعتمد الذهاب بنفسه إلى المغرب لطلب المساعدة من يوسف بن تاشفين، ووافق الزعيم المغربي على العبور مرة ثانية إلى الأندلس لإنقاذها من براثن الخطر النصراني، والسيطرة على ملوك الطوائف فعبر المضيق في عام 481هـ= 1088م، واستنفر الأندلسيين للجهاد.
وهاجم المسلمون حصن الليط الذي أقامه ألفونسو السادس، بين مرسية ولورقة، بعد معركة الزلاقة، غير أن تجددت الخلافات بين الأندلسيين وبخاصة بين المعتمد صاحب إشبيلية، والمعتصم صاحب المرية، حال دون فتح الحصن، وعاني يوسف بن تاشفين من هذه الخلافات ففقد ثقته بالأندلسيين، وعاد إلى المغرب عام 482هـ= 1089م وأخذ يستعد لعزل أمراء الأندلس، وضمها إلى المغرب.
ضم الأندلس إلى المغرب
عبر يوسف بن تاشفين المضيق للمرة الثالثة في عام 483هـ= 1090م دون طلب استغاثة، فسار مباشرة إلى طليطلة مجتاحًا أراضي قشتالة، لكنه فشل في اقتحامها، ولم يتقدم أحد من الزعماء الأندلسيين لمساعدته، ثم اتجه إلى غرناطة وبها الأمير عبد الله بن بلكين بن باديس بن زيري الصنهاجي، فدخلها بعد حصار، وضم مالقة، وقاومه المعتمد بن عباد، وترك ابن تاشفين القيادة لبعض قواده الذين استطاعوا الاستيلاء على الكثير من الأراضي الأندلسية.
وجد المعتمد بن عباد نفسه وحيدًا في مواجهة المرابطين مما جعله يستنجد بألفونسو السادس، لكن المساعدة العسكرية التي دفع بها إلى ميدان القتال لقيت هزيمة قاسية في معركة جرت على مقربة من حصن المدور، بعد ذلك بفترة وجيزة تمكن المرابطين من دخول المدينة في 22من رجب 484هـ= سبتمبر 1091م
ولم يكن من الصعب بعد سقوط إشبيلية التي كانت أقوى دول الطوائف أن يضم المرابطون باقي أجزاء الأندلس، ولم ينجح بالاحتفاظ باستقلاله سوى المستعين أحمد بن هود صاحب سرقسطة، والذي كانت إمارته بمثابة شوكة في خاصرة النصارى الشماليين، ويبدو أن يوسف بن تاشفين أدرك مدى أهميتها العسكرية كخط دفاع أول أمام النصارى، وفي تكوين جبهة قوية للوقوف في وجههم، لذلك بقيت سرقسطة الإمارة الوحيدة التي لم يضمها المرابطون، وعبر يوسف بن تاشفين في عام 496هـ= 1102م إلى الأندلس لتنظيم شؤونها الإدارية، وأضحى هذان البلدان المغرب والأندلس يشكلان دوله واحدة عاصمتها مدينة مراكش التي بناها يوسف بن تاشفين
وقد تُوُفي يوسف بن تاشفين في شهر محرم عام 500هـ = سبتمبر 1106م تاركًا لابنه أبي الحسن علي أقوى دولة عرفها الغرب الإسلامي حتى ذلك الحين
علي بن يوسف بن تاشفين:
خلف يوسف ابنه علي وكان في الخامسة والثلاثين من عمره، وكان قد تدرب على شئون الحكم والحرب وسياسة الدولة في أيام أبيه، ولهذا فقد سار بأمور دولته سيرًا حثيثًا إلى الأمام، وسجل اسمه بين عظماء تاريخ المغرب الإسلامي، وكان إلى جانب ذلك شديد التدين حريصًا على الجهاد، منصرفًا إلى الدراسة ومجالسة الفقهاء
واهتم علي بن يوسف بالدفاع عن بلاده وتصدى بشجاعة كبيرة لمحاربة النصارى في الأندلس، فأرسل خيرة رجاله وقواده إلى القتال واستشهد كثيرون منهم في ميدان القتال، وإذا كان أبوه قد كسب موقعة الزلاقة فقد كسب هو معارك اقيش 501هـ= 1116م وافراغة 528هـ = 1134م وفي هذه المعركة الأخيرة لقي ألفونسو المحارب ملك أرغون مصرعه بعد أن طال حكمه وكثر أذاه للمسلمين
وبينما كان علي بن يوسف يواصل جهوده في المغرب والأندلس بدأ محمد بن تومرت المعروف بمهدي الموحدين دعايته ضد المرابطين واجتهد في تشويه سمعتهم واتهامهم بالمروق عن الدين والتجسيم وما إلى ذلك، وقد نجحت دعايته لأنه توجه بها إلى فريق من البرانس كانوا يتشوقون بدورهم إلى إنشاء دولة تضاهي ما وصلت إليه قبائل لمتونه ومسوفة وجدالة وغيرها من المجموعة الصنهاجية الصحراوية المرابطية
توفى علي بن يوسف سنة 533هـ= 1138م فانتهت بوفاته فترة طويلة من الرخاء واستقرار الأحوال في الأندلس والمغرب، وكان قد تلقب مثل أبيه بلقب أمير المسلمين.
دولة الموحدين
محمد بن تومرت:
من قبيلة مصمودة البربرية، ولكنه كان في الأصل من أحفاد العلويين الأدارسة الذين اندمجوا في البربر بعد سقوط دولتهم، فهو عربي الأصل، بربري النشأة، خرج طالبًا للعلم وتأثر بآراء بن حزم، ورحل إلى المشرق فلقي في بغداد أبا بكر الشاشي وأخذ عليه شيئًا من أًول الفقه وسمع الحديث على المبارك بن عبد الجبار، ثم عاد فمرَّ بالإسكندرية فحضر مجالس أبي بكر الطرطوشي، ثم ذهب إلى بلاد المغرب ومنها إلى أغمات، ولحق بالجبل وبدأ في دعوته
أسس عبد الله محمد بن تومرت دعوته على أساس ديني قوامه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أساس قبلي وهو الصراع بين القبائل البربرية، قبيلة لمتونة (المرابطين)، وقبيلة هرغة من مصمودة (الموحدين)، واتخذ محمد بن تومرت حصن (تينملل) مقرًا له ولدعوته.
أما المرحلة الثانية لدولة الموحدين فكانت بقيادة عبد المؤمن بن علي 524- 543هـ والتي توجت بسقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين
عبد المؤمن بن علي:
هو عبد المؤمن بن علي، سلطان المغرب، لقب بأمير المؤمنين، ذكر ابن العماد في شذرات الذهب أنه كان ملكًا عادلاً، سائسًا، عظيم الهيبة، عالي الهمة، متين الديانة، كثير المحاسن، قليل المِثل، وكان يقرأ كل يوم سُبُعًا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير وكان يصوم الاثنين والخميس، ويهتم بالجهاد والنظر في الْمُلْك كأنما خُلق له، ولكنه كان سفّاكا لدماء من خالفه
وذلك أمر غريب أن يجتمع التدين الظاهري مع سفك الدماء، ولكن هذه الدولة – دولة الموحدين – كانت دولة فاسدة العقيدة منذ مؤسسها ابن تومرت، ولم يصلح منها، ويسير على منهج الإسلام إلا أبا يعقوب يوسف المنصور بن عبد المؤمن هذا.
عاد مسلمو الأندلس يطلبون النجدة من الموحدين في شمال إفريقية كما طلبوها من قبل من المرابطين، فأرسل عبد المؤمن جيشًا سنة 539هـ فدخل الأندلس ولم يمض أكثر من خمس سنوات حتى صارت جميع بلاد المسلمين في الأندلس في يد الموحدين، ولكن الموحدين لم يفكروا في أن يجعلوا من الأندلس قاعدة لملكهم، بل أرسلوا نوابًا عنهم يحكمونها باسمهم، وبقيت قاعدة ملكهم مراكش
تُوُفي الخليفة عبد المؤمن في 20من جُمَادى الآخرة 558هـ= 25مايو 1163م، وخَلَفَه ابنه أبو يعقوب يوسف.
أبو يعقوب يوسف المنصور:
يقول فيه يقول فيه ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان "وهو الذي أظهر أبهة ملكهم ورفع راية الجهاد ونصب ميزان العدل وبسط أحكام الناس على حقيقة الشرع ونظر في أمور الدين والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته الأقربين كما أقامها في سائر الناس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه وعظمت الفتوحات.
موقعة الأرك 591هـ
الأرك حصن على بعد عشرين كيلو مترًا إلى الشمال الغربي من قلعة رباح، على أحد فروع نهر وادي آنة، وهي نقطة الحدود بين قشتالة والأندلس، في حين تجهَّز ألفونسو الثامن ملك قشتالة للقاء الجيش الإسلامي وطلب العون من ملكي ليون وونبارة.
ونظم أبو يوسف يعقوب المنصور جيشه، ودارت المعركة وانتهى يوم الأرك بهزيمة النصارى على نحو مروع، وسقط منهم في القتال ثلاثون ألف قتيل، وغنم المسلمون معسكر الإسبان بجميع ما فيه من المتاع والمال، واقتحموا عقب الموقعة حصن الأرك، وقلعة رباح
نتائج معركة الأرك:
ارتفاع الروح المعنوية لمسلمي الأندلس، وسقوط هيبة ملوك النصارى أمام مسلمي الأندلس، كما جعلت ملوك النصارى يسارعون في عقد المعاهدات مع المسلمين، وإيقاف الحروب والإذعان للشروط التي يضعها الموحدون، وأيضًا من النتائج المهمة أن انصاعت بعض قبائل المغرب التي كانت تفكر في الثورة على الموحدين.
عصور الضعف في تاريخ الأندلس
1- عهد الولاة
2- مرحلة التدهور في عهد الإمارة الأموية
3- مرحلة التدهور في الدولة العامرية
4- نهاية حكم الأمويين بالأندلس
5- عصر ملوك الطوائف
6- فترة الضعف في أواخر دولة المرابطين
7- فترة الضعف في أواخر دولة الموحدين
8- دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة
9- حركة إزالة العالم الإسلامي
عهد الولاة
تولى عبد العزيز بن موسى بن نصير بعد والده ولكنه تعرض لحادثة اغتيال وكان ذلك بداية عهد مضطرب ومشوش كان من أبرز سماته عدم الاستقرار السياسي والتناقضات القبلية والعنصرية بين العرب أنفسهم ثم بينهم وبين البربر ، ومما يدل على التدهور الذي وصلت إليه البلاد في تلك الفترة من (95 – 138هـ) (714 – 755م) هو أن من تولى أمر الأندلس خلال تلك الفترة 22واليًا حكم واحد منهم مرتين
تتابع الولاة على الأندلس بعد مقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير، فتولى أيوب بن حبيب اللخمي لمدة ستة أشهر فقط، ثم عين الحر بن عبد الرحمن الثقفي الذي نقل العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة، وأنهمك في قمع الفتن والثورات التي كانت ناشبة بين العرب والبربر ولكنه فشل في حل تلك النزاعات، وتولى بعده السمح بن مالك الخولاني وبادر إلى وضع حد للنزاعات وقام بالعديد من الإصلاحات، ولكنه استشهد في معركة مع الصليبيين بالقرب من تولوز عام 102هـ= 721م
بعد ذلك تولى عنبسة بن سحيم الكلبي وقتل هو الأخر أثناء عودته من إحدى الغزوات في 107هـ=712م، وبعد وفاته عمت حالة من الاضطراب وفقدان الاستقرار البلاد في ظل تفاقم الخلافات بين القبائل، وتمرد البربر، وتفكك الجيش، وعاقب على الحكم ولاة معظمهم فرضته العصبية القبلية، ولم تنتهِ هذه الحالة المضطربة إلا بتعين عبد الرحمن الغافقي واليًا على الأندلس عام 113هـ=731م.