خرجنا من قومنا غفار .
وكانوا يحلون الشهر الحرام .
فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا .
فنزلنا على خال لنا .
فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا .
فحسدنا قومه فقالوا : إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس .
فجاء خالنا فنثا علينا الذي قيل له .
فقلت : أما ما مضى من معروفك فقد كدرته ، ولا جماع لك فيما بعد .
فقربنا صرمتنا .
فاحتملنا عليها .
وتغطى خالنا ثوبه فجعل يبكي .
فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة .
فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها .
فأتيا الكاهن .
فخير أنيسا .
فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها .
قال : وقد صليت ، يا ابن أخي ! قبل أن ألقى رسول الله
بثلاث سنين .
قلت : لمن ؟ قال : لله . قلت : فأين توجه ؟ قال : أتوجه حيث يوجهني ربي .
أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء .
حتى تعلوني الشمس .
فقال أنيس : إن لي حاجة بمكة فاكفني .
فانطلق أنيس حتى أتى مكة .
فراث علي .
ثم جاء فقلت : ما صنعت ؟ قال : لقيت رجلا بمكة على دينك .
يزعم أن الله أرسله .
قلت : فما يقول الناس ؟ قال : يقولون : شاعر ، كاهن ، ساحر .
وكان أنيس أحد الشعراء .
قال أنيس : لقد سمعت قول الكهنة .
فما هو بقولهم .
ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر .
فما يلتئم على لسان أحد بعدي ؛ أنه شعر .
والله ! إنه لصادق .
وإنهم لكاذبون .
قال : قلت : فاكفني حتى أذهب فأنظر .
قال فأتيت مكة .
فتضعفت رجلا منهم .
فقلت : أين هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ فأشار إلي ، فقال : الصابئ .
فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم .
حتى خررت مغشيا علي .
قال فارتفعت حين ارتفعت ، كأني نصب أحمر .
قال فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء : وشربت من مائها .
ولقد لبثت ، يا ابن أخي ! ثلاثين ، بين ليلة ويوم .
ما كان لي طعام إلا ماء زمزم .
فسمنت حتى تكسرت عكن بطني .
وما وجدت على كبدي سخفة جوع .
قال فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان ، إذ ضرب على أسمختهم .
فما يطوف بالبيت أحد .
وامرأتين منهم تدعوان إسافا ونائلة .
قال فأتتا علي في طوافهما فقلت : أنكحا أحدهما الأخرى .
قال فما تناهتا عن قولهما .
قال فأتتا علي .
فقلت : هن مثل الخشبة .
غير أني لا أكني .