|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
اليوم, 09:05 AM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
السليماني
المنتدى :
تـراجــم علمـائـنـا
القاضي شخصية مهيبة في الواقع والخيال، وله مكانته الخاصة عبر العصور في مختلف الحضارات، وصدق من وصف القضاء بعرض الأمة، وهو عرض قمين بالصون من أهله وشتى طبقات المجتمع، فباستقلاله وقوته ونزاهته تُحفظ الحقوق، ويُحمى الضعفة، ويُؤطر على الحق كل أحد، وقد ظهرت هذه المعاني جلية في الرواق العدلي بتطبيقاته الإسلامية المبكرة فالصدّيق يحكم، والفاروق يقضي، وحين غدا القاضي حاكمًا ساد في القضاء والسياسة الشرعية حتى أصبح شيخها وواضع أسس قضائية وسياسية كثيرة باجتهاده الموفق، ولا غرو فهو المحدث الملهم دون غيره. ونحمد الله على البقية الباقية من قضاة الحق وقضاء القسطاس المستقيم، ونسأله أن يزيد في الكم والكيف على الوجه الذي يرضيه، وتتحقق به المصالح وتندفع المفاسد وتعظم البركات، ولذا أقف في هذا المقال مع مرتكزات في شخصية القاضي المبارك الشيخ سليمان بن عبدالرحمن الثنيان (1385-1440) الذي ينتسب لبلدة رياض الخبراء وقبيلة سبيع، وعمل قاضيًا ثمّ رئيس محكمة في محافظة حفر الباطن قريبًا من ثلاثين عامًا، وأمضى عشرها رئيس محكمة في مكة الطاهرة إلى أن ارتحل عن الدنيا تاركًا المثال، والقدوة، مع لوعة الفراق، وفي الله العوض عن كل مفقود وفقيد، وسيعرف القارئ سبب تزامن العزاء في وقت واحد بجدة والحفر والرياض، مع كثرة المعزين بحزن وكمد وتوجع ظاهر. يبدو من سيرة الشيخ بره البالغ بوالديه ولذلك حرص على أن يكون عمله قريبًا منهما في حفر الباطن الطيبة إنسانًا وأرضًا، ودافع محاولات استقطابه من المناطق الأخرى مع أنها أكثر وجاهة من بلدته التي اختارها، ومن البر المعهود عنه إشراكه والديه في جميع صدقاته، وبكائه الشديد إذا ذكر والدته الراحلة، مع كثرة دعائه لهما، ثمّ واصل البر بإخوانه وأخواته والقرب منهم، وهذا الصنيع امتداد للبر بالأبوين؛ وهو فقه يغيب عن الإخوة المتنازعين أو المتباعدين. كما أن للشيخ علاقة محبة وثناء مع زوجه التي تنتمي لفرع ثري من ذات الأسرة العريقة، وكان يقول للناس إذا شكروه على أعماله في الخير وخدمة المجتمع: إن الفضل يعود لأم عبدالرحمن فلولاها لما تفرغت للعمل، ومن خيريته تتابع إهدائه لها، وإذا سبقته بشراء شيء مما تحبه بادر بتحويل قيمته لحسابها حتى يسعدها بمحبته لها، ومشاركتها الفرحة. أما طريقة الشيخ مع بناته الست وابنه الوحيد ففيها تربية، وتعليم، وتزكية، وإنفاق، وتشجيع، ولطف، ومزاح، ومسابقات ثقافية ولغوية، وهدايا في المناسبات الطبيعية أو التي يصنعها، ويعلن لهم ثقته بهم وأنهم سنده، وكان قريبًا منهم لدرجة استغراب صديقات البنات من مسلك الحنان واللين للشيخ القاضي في بيته، فلما روت البنات لأبيهن ذلك أجابهن: أترك القضاء والمشيخة في مكتبي، وأنا هنا أب لكم، ولم يقف إحسانه عندهن بل تجاوز البنات إلى صحبتهن، ومن جاور السعيد نال شيئًا من محاسن الجوار، ولربما أكرمت مدينة لأجل عين واحدة. واستمرت صفة الكرم والسخاء مع الشيخ إلى خارج محيط أسرته، حتى يكاد الباحث أن يسأل من من المحتاجين القريبين منه لم ينل شيئًا من عطائه المالي لعلاج أو سكن أو تأثيث أو زواج أو غيرها من الضرورات والحاجيات؟! وفي أعطياته دروس منها أنه لا ينتظر أو يتأنى بل يصرف منحته مباشرة حتى لا يتراجع، وهو أول المنفقين لصالح المشروعات الخيرية التي تطلب منه المساندة بجاهه أو بإدارته، فالرجل كريم بماله، وجاهه، ووقته، ورأيه، وليس عجيبًا أن يتجاوب الأمراء والأثرياء مع طلباته للإنفاق على الخير، فهو المبادر الأول دون أن يكون ذا ثراء عريض. ومن هذا الباب أنه مضياف سباق لدعوة القادمين إلى المحافظة على غداء أو عشاء، ويقيم مأدبة سنوية لأطباء مشافي حفر الباطن، ولا يُعرف أن أحدًا جمع قضاة المنطقة قبله، وبعد انتقاله لمكة استضاف مجلس إدارة إحدى الجمعيات على حسابه، وحجز لهم تذاكر الطيران مع الإقامة في أفخم نزل يطل على الحرم الشريف؛ مع أنها ليست مسؤوليته، وهم ليسوا بحاجة، وهو ليس بثري، وإنما يفعل ذلك رجل ليس للمال خانة في نفسه ولو كانت بعد فاصلة وأصفار! كما يبرز الإصلاح الأسري والوفاق المجتمعي في مرتكزات حياة الشيخ القاضي، ولأجل ذلك بنى لأهل الحي مقرًا يجتمعون فيه، وحرص على لقاء العيد الذي يشارك فيه الجيران، ولتقليل مساحات الخلاف يسارع لإغلاق قضايا التركات والمواريث حتى لا توجد حزازات في النفوس، وله مواقف انتصر فيها لضعفة مظلومين من العمالة، أو لفتيات ابتلين بعضل الأولياء، ولم يأبه للتهديد وسوء ألفاظ بعض الفرقاء. وإذا تخاصم عنده أزواج أصلح بينهما، وحال دون تدخل الآباء والأمهات في حياة الزوجين وغالب تدخلاتهم مفسدة لأنها تنشأ عن شقاق نسائي في الغالب، ومن هذا الباب أنه لا يوقع عقود النكاح إلّا مع الدعاء الصادق للعروسين، ويضع في الوثيقة شيئًا من المال يفرح به الزوج المكدود، وحين أرادت إدارة عمل خيري تكريم أحد موظفيها أصر على أن يشتري الهدية من ماله، وكانت ساعة ثمينة للموظف ومثلها لزوجة الموظف، وهل ينجز المرء إذا كانت قعيدة الدار لا تعينه؟! بينما امتازت طريقته في الإدارة بما يمكن اختصاره بأنه منظم حتى في مكتبه وأوراقه، ولا يفرض رأيه بتوظيف أحد أو إجراء أيًا كان، ووضع آلة تصوير يرى فيها من يقف عند باب مكتبه إذا كان مغلقًا لدواعي قضائية؛ فينجزه إذ أن تأخير الآخرين لا يمتعه مثل بعض ذوي النفوس المتغطرسة، ولا يحب طول الاجتماعات، ويتخذ القرار متى ما استبان له الأرشد من الرأي، ويتراجع عن الخطأ، ويقدم مصالح العمل على مصالح الأفراد؛ ولذلك رفض الموافقة على نقل قضاة وموظفين يحتاجهم المكان. ونهر قاضيًا جديدًا على سوء تصرفه قائلًا: هذا فعلك وأنت ملازم فكيف بك إذا صرت رئيس محكمة؟! والحقيقة أني أكره التعامل مع حديث التخرج من ثلاث فئات هم القضاة والضباط والأطباء، لأن بعضهم تعظم عليه نفسه في أول عمله ولا يرى الناس شيئًا، وكلما تقدم عرف الحقيقة، فيصير رئيس المحكمة والاستشاري والفريق ألطف من القاضي الملازم والطبيب المقيم والضابط الملازم، ولا أعمم لا أعمم. أيضًا من ركائز حياة الشيخ سليمان انصرافه الشديد صوب العمل الخيري والمجتمعي والوقفي، وله استثمار للمناسبات في حث الأثرياء على الوقف، ومن عزم أنجز له أوراقه كي لا يتردد بوسوسة شيطان أو تثبيط إنسان أو هوى نفس، ومن عادته أن يقول لأيّ مقترح يخص العمل الخيري: استعينوا بالله؛ ولذلك بهرت حفر الباطن كثيرًا من المناطق في عملها الخيري ضمن عدة مسارات، والسر يكمن بعد توفيق الله بإخلاص أولئك الكرام في المحافظة، ومن رؤوسهم الشيخ الذي كان فعل الخير والمعروف مذهبه الوحيد. ومع أن الشيخ لم يجد الوقت لإقامة درس علمي إلّا إنه كان بشهادة العارفين وراء كثير من الدروس العلمية والدورات المنهجية في المحافظة، وله خطبة جمعة يحافظ عليها بانضباط شديد وفيها علم وفقه، ورقائق وأدب ونصح، وفن في الخطابة والكلام، وله متابعات للأعمال التي شارك فيها ولو عن بعد دون أن يحس به أحد، ولم ينس ذوي الحاجات من الفقراء والمساكين، وظل يسأل عنهم خفية، ويرسل لهم الأموال من حسابه دون أن يخطرهم أو يخبر أحدًا بذلك ولو كان الشفيع لذي الحاجة. على الصعيد الشخصي حرص الشيخ على أناقة الملبس والمظهر والمكتب والمنزل والمجلس، ولم يكتف بذلك بل سعى لامتلاك ناصية العذب من الكلام وبرع في إسعاد جلسائه؛ فأحاديثه لا تخلو من الدعاء والملاطفة وطرائف الحكمة، وحتى رسائله عبر تطبيق الواتساب شمل بها مجتمعه بأصنافه، وانتقى لكل فريق ما يناسبه دون إملال، وكان قريبًا من كبراء الناس وعامتهم حتى من العمالة التي لا تتكلم بلغتنا. واشتهر بمعرفته لعادات القبائل وشيوخهم، وفراره من التكلف في اللقاءات والحوارات، ووصفه معاصروه بأنه بشوش، ويبث البشر والتفاؤل فيمن حوله، ويمنح ثقته للعاملين معه، ويكثر من الشفاعة، ويتواضع لأيّ أحد فيمازح الأطفال، ويشارك الأيتام في وجباتهم، ويعطيهم أموالًا لم يعتادوا على مثلها، وأجزم أن الشيخ ملأ حياته بأعمال البناء والإصلاح؛ وكم في الخير إذا تسامى من فضائل يخنس معها الباطل وإن قرعت الطبول أمامه وخلفه حتى يذوي أو تنكسر شروره. من أعجب المواقف في حياة القاضي الثنيان أنه أوقف منزله لصالح جمعية تحفيظ القرآن الكريم في حفر الباطن بعد رحيله عنها، ولم يمنعه من ذلك تثمين البيت بالملايين، وحاجته وأسرته لقيمته، ومنها متابعته للشأن البلدي حتى في تعديل مطبات الشوارع، والموقف الأهم حين وقع على أرض ضخمة أحاط بها بعض النافذين للسطو عليها، فحال دون ذلك، وبحث عن مالكها حتى علم أنه متوفى منذ أربعين عامًا، وله وريث واحد توفي قبل أيام من اكتشاف الشيخ لسر الأرض، فصارت هذه الأرض من نصيب أربعة أبناء للوريث الوحيد وهم في حال عوز وفقر، ولم يتركهم الشيخ فريسة للمتلاعبين؛ بل ساعدهم على بيعها بسبعمئة مليون ريال، ورفض أن يستفيد من السعي الضخم صيانة لسمعة القضاء، ومنعًا لسريان الفساد المالي في القطاع العدلي. أشير إلى أني بنيت ما ورد أعلاه على أحاديثي مع بعض أسرة الشيخ، ثمّ قراءة كتاب نافع عنوانه: البيان في مآثر الشيخ سليمان بن عبدالرحمن الثنيان، جمع وترتيب د.عقيل بن سالم الشمري الأستاذ بجامعة حفر الباطن ، ومشاهدة حلقة على اليوتيوب عن الشيخ الراحل ألقاها الأستاذ الشيخ يوسف الجوعي؛ علمًا أن المؤلف والمتحدث من أعيان العمل العلمي والخيري والمجتمعي في محافظة حفر الباطن، ولهم بالشيخ قرب واختصاص. وواجب عليّ التنويه إلى أن الشيخ سليمان الثنيان غادر الدنيا الفانية تاركًا عددًا من البنات وابنًا واحدًا، بعد أن استفرغ الوسع في التربية والتعليم والتزكية، وأصبحت ذريته من أهل النبوغ والتميز في اختصاصاتهم المتنوعة في الشريعة والقانون والهندسة والتمويل والطب والبقية على الدرب سائرون، وإنه لمن إحسان المرء لنفسه وذريته أن يرتبط مع أمثال الشيخ القاضي الذي خدم مجتمعه بتفان وإخلاص وتجديد، والسعيد من فاز به جدًا لبنيه وأولاده، وقد كان العربي يقول وهو صادق: إني أرى أبنائي قبل زواجي من معرفتي بوالد المرأة وأخيها، ومن ظفر بالدر النفيس فلن يستكثر عليه حين ينظم أحسن العقود. أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد hggi hgekdhk hgvplk hgado hgtrdi hg;vdl vpli sgdlhk
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1 : | |
السليماني |
|
|