|
26-05-12, 04:43 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
الشهيد الحُرّ.. (مُهداة إلى شهداء الثورة) إيمان مغازي الشرقاوي عاش يحلم كل ليلة باللحظة التي يصبح فيها حُراً، يملك زمام نفسه دون أن يجد مَن يقيده، لحظة يستطيع أن يقول فيها ما يريد فيرى مَن يسمعه وينصره، ويتحدث فيجد من ينصت إليه ويقيّم رأيه دون أن يكمم فاه أحد، أو يحبس طموحه أو يسجن أمله. إنه يحلم بأن يكون له بيت واسع يصلح لسكناه، وعمل مناسب يتقوّت منه، وطعام طيب يشبع جوعه، وجرعة ماء نظيفة تسدّ عطشه، وأهم من كل ذلك معاملة حسنة تليق بآدميته وإنسانيته.. إنها أحلام عامة الناس البسطاء القانعين! كان يحلم بأن ينال قسطاًً وافراً من التعليم دون الحاجة إلى سداد رسوم الدراسة المكلفة وتذكرة المواصلات المتكدسة أو فاتورة الدروس الباهظة.. يحلم بأن يتنفس هواء نقياً بعد أن جثم شبح التلوث على أنفاسه فكتمها.. يحلم بأن يجد لنفسه ولأهله ثمن الدواء الذي يحتاجه مريضهم دون أن يمد يديه للناس استجداء وعطفاً أعطوه أو منعوه.. يحلم ويحلم ويحلم، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الشباب والكهول والصغار الذين يعيشون زمنهم. زوار الفجر كان يعيش حلمه في اليقظة والمنام، لكنه كان كلما حلم وأعلن أو أفصح عن حلمه يصحو من نومه فزعاً على كابوس زوار الفجر وسارقي الأحلام الذين لا يسمحون له حتى أن يحلم! فيتبدد الحلم ويذهب صوته أدراج الرياح، ولا يسمع له صدى وسط ساعات الاستجواب وسياط الجلاد ونهش الكلاب وقسوة السجن وفظاظة السجان! وكثيراً ما كان يفيق من حلمه على أصواتٍ نشاز غريبة ما كانت مألوفة، إلا أن الناس اعتادوها مع طول مكثها بينهم وعلوّ مكانها فوقهم رغماً عنهم لا اختياراً منهم، إنها تنبئ عن الحقيقة المرة التي يحياها ويحياها معه كثيرون من أمثاله.. تعلن عن واقع مؤلم آن له أن يتغير ويتبدل، ويذهب ويتحول مع صانعيه ومريدي استمراره لصالحهم. ظلت تلك الأصوات تعلو ويختلط بعضها ببعض، فلا يستطيع أن يميزها، أصوات لم تُبق له كرامة ولا راحة قلب.. بل يغلب عليها الصياح والصخب، والضجر والكرب، والضيق والجهل! يرن في أذنيه صوت القيد ويوجع قلبه ذل الحبس، ويؤذيه السباب والضرب، ويضجّ مضجعه الاستعباد والقهر، تنقلب أمامه الحقائق فيُستباح ماله وعرضه، ويُنتهَك حقه، بالاختلاس والرشوة، والزور والغش، والسرقة والكذب.. والسلطة والجاه.. والظلم والترويع.. إنها صور مشوهة مطموسة وحقيقة مغيبة كاذبة، ونفوس تتجرع معه كأس الحرمان، وهي تتظاهر بالسعادة المزيفة خوفاً من أن تمتد إليها الأيدي الطويلة بسوط الهوان والإبادة. حيوية وطاقة إنه ما زال في السنين الذهبية من عمره، ما زال في سن الشباب الذي تملؤه الحيوية والطاقة ويزخر بالحركة والحياة ويرنو إلى العمل والعطاء، لكنك لو نظرتَ إلى وجهه لوجدتَ حياته البئيسة قد خطت على جبينه خطوطها دونما خجل، إنه ما كان له أن يرسمها بنفسه، وإنما خطها وشارك في رسمها كل «جعظري جواظ» نزعت الرحمة من قلبه، فعاث في دنيا البشر فساداً وظلماً حتى صارت ظلاماً، فأكل مال هذا وسرق حرية هذا وبدل سعادة هذا، وكأنه مخلد في دار الزوال، وباقٍ في دنيا الغرور! تفكر في حاله وتساءل في نفسه: ألم يخلقه الله تعالى حراً مكرماً؟ ألم يسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه؟ فمن ذا الذي يغير فطرة الله ويبدل نعمة الله على عباده كفراً وبؤساً؟! أما آن لليل الزور أن ينجلي؟ أما آن لسحب الظلم أن تنقشع؟ أما آن لشمس الحقيقة أن تسطع؟ أما آن للكادحين أن يستريحوا؟ أما آن للجوعى أن يأكلوا؟ أما آن لهذا القيد أن ينكسر؟؟ صاح من أعماق قلبه.. لا بد أن أفعل شيئاً.. ولكن كيف السبيل؟ أيقن أنه يحلم! رجع بذاكرته قليلاً، لقد حاول أن يتزوج بمن تشاركه حياته وتقاسمه همّه وتعيش معه حلمه، لكنه لا يجرؤ على فعل ذلك؛ فهو لا يملك بيتاً للزوجية ولا مالاً لاستئجاره، فضلاً عن عمل مناسب يكفي لتأثيثه ومعيشته معها، ولو ظل طوال شبابه يجمع ما يملك ويدخر لذلك ما استطاع.. حاول جاهداً أن يعمل بشهادته المتوسطة التي حصل عليها لكن أبواب الرزق كانت ضيقة لم يستطع أن يلج فيها، فلم يجد إلا أن يكسب قوت يومه بساعده يوماً بيوم، لكنه إن أصيب فيه أو مرض أو تعب، فإن عليه أن يصبر على الجوع ويتصبر على الحاجة أو يمد يده لمن حوله طلباً للعون. تكميم الأفواه كان عزاؤه أنه ليس وحده على هذه الحال فأصدقاؤه معظمهم مثله، كل يعزي صاحبه، وأحياناًًً ما كانوا يجلسون معاً على المقهى أو في قارعة الطريق يسترقون السمر تخفيفاً عن أنفسهم، ويحاولون الحديث وبث الشكوى والتصبر، ويفكرون في حل لأزمتهم التي اشتدت واستحكمت، فقد كانوا أحياناًً يخشون الذهاب للمسجد خشية أن يتهموا بالإرهاب والتطرف، فهناك من يراقبهم فيها خلسة، ويعدّ كلماتهم سراً ويحصي نظراتهم، يكممون بذلك الأفواه أن تنطق بالحقيقة أو تطلب الإصلاح والتغيير. وفي جلسة من تلك الجلسات على المقهى المجاور لبيته، وبينما كان يتجاذب أطراف الحديث مع صحبه إذا بأصوات تأتي من بعيد تتداخل فيها الحروف وتتناغم في أذنه كلماتها فتجد لها متكئاً، وهتافات تتردد هنا وهناك ترتفع شيئاً فشيئاًً، تشق طريقها إلى قلبه بغير استئذان، وخطوات أقدام تدك الأرض دكاً، وكأنها تناديه وتستحثه، وأطياف شباب في عمر الزهور مثله تلوح من بعيد تقترب منه رويداً رويداً.. إنها تناديه.. وكأنها تصيح فيه.. ها هو حلمك في طريقه إليك.. هيا يا بطل.. افعل معنا شيئاً، ترتفع حناجرهم وتقطع سكون الخوف القابع على صدور الناس، وتذبحه بسكين الثورة التي كانت تُشحذ منذ زمن، تريد أن تقتل الظلم وتقصي الظالمين.. لم يصدق نفسه.. ثورة وطنية.. إنها تغطي أرجاء المكان.. تقترب شيئاً فشيئاً.. ها هي تطالب بكلمة طالما حلم بها في صحوه ونومه، ودعا إليها في سره وجهره لكنها كانت تذهب مع ذهاب حلمه.. كلمة كان يخشى الإفصاح بها حتى لا يقع في أتون الفتنة، فما زالت آثار الجلاد على ظهره! كلمة عاش عمره ينتظر المعجزة في المطالبة بها والسعي لتحقيقها.. كلمة تتغير فيها القيم المتداولة، وتعود الموازين إلى نصابها الحقيقي، كلمة تتعانق مع أخواتها من الكلمات التي تصب كلها في معين واحد يخدم إنسانيته ويعيد إليه كرامته.. هدير الثورة التغيير.. الحرية.. الإيمان.. الأمن والأمان.. العدالة ورفع الظلم.. توفير لقمة الخبز للمكدوحين أمثاله.. النزاهة والشفافية.. إعادة الحقوق المسلوبة.. صاح بأعلى صوته مطالباً معهم بحلمه، خشي في بداية أمره قطاع الطريق إلى الحلم، لكنه في النهاية تغلب على خوفه وحاول الاستمساك به.. انضم إليه ثلة الأصدقاء وتحولوا جميعاً على قلب رجل واحد إلى تلك الثورة الشعبية المباركة التي طالما انتظروها طويلاً.. هتف من أعماقه: الله أكبر.. بَيْد أن ساعة الولادة قد حانت، وأن لحظات المخاض سوف تنتهي.. إنها ولادة تحتاج لعملية جراحية دقيقة وصعبة وغالية الثمن، ولن تتم إلا بفريق طبي متكامل من كل أطياف الشعب على قلب واحد وهدف واحد تخرج بعده الأمة صحيحة تدب فيها الحياة مع زوال أثر المخدر عنها.. لم يصدق أن هذه الأفواه التي كانت مكممة بالأمس القريب قد تحررت الآن وانطلقت لتقول للظالم: لا. ولادة الأمة عند ذلك رأى في نفسه وفي كل هؤلاء المتظاهرين أطباء يطببون ويشاركون في عملية الولادة المتعسرة.. ولادة الأمة الأبية الحرة.. كل يقوم بدوره حتى تتم الولادة بنجاح وتنجو الأمة.. رفع يديه إلى الله داعياً: يااااا الله.. يااااا الله... هيا.. تشجعوا أيها الأبطال.. ها هي الأمة الحرة تطل برأسها عليكم.. الثبات الثبات.. الصبر الصبر.. الجدّ الجدّ.. أي التفاتة تصدر من أحدكم قد تودي بحياة الأمة.. انتبهوا وكونوا متيقظين.. لقد حانت ساعة الوضع.. ويا له من حمل! لقد كان حملاً ثقيلاً دام عمراً طويلاً!! لذا فقد استغرقت الولادة هي الأخرى زمناً، لكن فرج الله آت ورزقه إلينا ماضٍ.. ولا بد من الصبر والثبات.. تنفس نفساً عميقاً وصاح: الله أكبر.. أخيراً وُلِدت الأمة.. الحمد لله.. نعم.. لقد ولدت وها هي بخير.. ولدت ساعة أن تحررت وقالت للظالم: لا.. ولدت حين رفضت الظلم ونشدت العدل.. ولدت حين أيقنت ضرورة تغيير المنكر وأرادت الإصلاح ودعت إليه.. ولدت حين أيقنت أنها لا بد أن تعيش حرة. يا الله!! إنه الحلم.. الأمل.. التغيير.. العمل.. الكرامة.. العزة.. الحرية.. الإنسان.. البيت والسكن.. الزوجة والولد.. الدواء والشفاء.. جرى من فرط فرحه، وبكى من شدة تأثره.. وانطلق مندفعاً بكل ما يملك من قوة، مشاركاًً بعقله وقلبه ولسانه وبدنه.. أخيراً سيتحقق حلمي، ويتجدد أملي.. سأعيش حراً، أعبر عن رأيي دون خوف.. أطالب بحقي دون حبس.. لن تجلد ظهورنا بعد اليوم.. لن تسرق أموالنا.. لن تنتهك حقوقنا.. سيأكل الفقراء ويعيشون.. وسيعمل العاطلون ويتكسبون.. سأتعلم وأجد عملاًً.. وأتزوج وأسكن بيتاًًًًً.. فلسوف أصير حراً.. وبينما هو في حُلمه الجديد، ولأول مرة يعيش الحرية ويتذوق طعمها، إذا برصاصة غادرة تنطلق من بعيد؛ لتخترق قلبه فتسرق منه حلمه بعد أن صار حرّاً!! الموضوع الأصلي: الشهيد الحُرّ.. (مُهداة إلى شهداء الثورة) || الكاتب: جارة المصطفى || المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد
المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد hgaid] hgpEv~>> (lEi]hm Ygn ai]hx hge,vm)
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
26-05-12, 08:36 PM | المشاركة رقم: 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
جارة المصطفى
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
الله ينصرهم على اعداهم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
27-05-12, 01:14 AM | المشاركة رقم: 3 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
جارة المصطفى
المنتدى :
بيت القصـص والعبـــــــر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|