السجدة على التربة الحسينية ظهرت في العصر الثاني من الصراع بين الشيعة والتشيع ثم امتدت نحو آفاقٍ أوسع عمت الشيعة جميعاً.
قلما يوجد بيت للشيعة لا توجد فيه التربة التي تسجد عليها الشيعة في صلواتها وهي من تراب " كربلاء " المدينة التي استشهد " الحسين " فيها ورفاته الطاهرة مدفونة فيها، وإنني اعلم ما يقوله فقهاؤنا حول السجود على التربة الحسينية حيث فرقوا بين ما يسجد له وما يسجد عليه وإن السجود على التربة ليس سجوداً لها بل سجوداً عليها لأن السجدة في المذهب الشيعي لا يجوز أن تكون إلا على التراب ومشتقاته ولا يجوز السجدة على الملبوس والمخيوط والمأكول إن السجود على التربة الحسينية كما نعرفها بل يعرفها الشيعة أنفسهم لا تتوقف عند هذا الحد الفقهي او أنه سجود على التراب وحسب بل المسألة أبعد من ذلك بكثير فكثير من الذين يسجدون على التربة يقبلونها ويتبركون بها وفي بعض الأحيان يأكلون قليلاً من تربة " كربلاء " للشفاء في حين أن أكل التراب حرام في الفقه الشيعي ثم إنهم صنعوا من التراب هيئات مختلفة يحملونها في جيوبهم وينقلونها معهم في أسفارهم ويعاملونها معاملة تقديس وتكريم، وحتى كتابة هذه السطور هناك ملايين من الشيعة في شرق الأرض وغربها تلتزم بالسجود على تربة " كربلاء " ومساجدها مليئة بها ويعملون بالتقية عندما يقيمون الصلاة في مساجد الفرق الإسلامية الأخرى حيث يخفونها ولا يظهرونها خوفاً من اعتراض غيرهم عليها، وقد التبس الأمر على كثير من غير الشيعة فظنوا أن هذه التربة أصنام تسجد الشيعة عليها وقد كادت الفتن تحدث في مساجد بلاد لم تعرف شيئاً عن التربة الحسينية ومظاهرها ولست أدري متى دخلت هذه البدعة في صفوف الشيعة فالرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ما سجد قط على تربة " كربلاء " وتقديس التراب لم يكن شيئاً مألوفاً عند المسلمين، ومن الجائز أن هذه الظاهرة أخذت في التوسع منذ عهد الصفويين وعندما أخذت القوافل تزور " كربلاء " في مراسيم خاصة وتعود محملة بآثار من قبر الإمام " الحسين " وهناك بدعة أخرى أضيفت إلى استعمال التربة تتجاوز البدع الأخرى إنها فتوى الفقهاء بجواز إقامة الصلاة التمام للمسافرين بدلاً من القصر عندما يكونوا في الحائر الحسيني بخمسة عشر ذراعاً حول القبر، ومن المجمع عليه عند فقهائنا أن الواجب على المسافر هو إتيان الصلاة قصراً ولكنهم استثنوا الحائر الحسيني من هذه القاعدة ولست أدري كيف استطاع فقهاؤنا – سامحهم الله – الاجتهاد في أمر لم يكن لموضوعه ومحموله أثر في عهد الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وبعد أن أكملت الشريعة الإسلامية وتوفي الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وانقطع الوحي فيا ترى أن الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ أجاز للمسافر الخيار بين القصر والإتمام في حائر الحسين قبل أن يكون هناك شيء بهذا الاسم أم أن قانوناً إلهياً شرع لموضوع لم يكن له أثر في وقته؟ نعم إن هناك روايات تنسب إلى أئمة الشيعة تقول بمثل هذا الخيار للمسافر وعلى تلك الروايات بنى فقهاؤنا فتاواهم التي أفتوا بها.
وقد تعني هذه الفكرة الخطيرة أن الإمام عند فقهائنا يكون مصدر التشريع لا كما كان المتشيعون لأهل البيت يعتقدون في الأئمة قبل ظهور الصراع بين الشيعة والتشيع وعندما كان التشيع يعني أئمة أهل البيت أدرى بأحكام الإسلام من غيرهم لأن في بيتهم نزل الكتاب كما أشرنا إليه أكثر من مرةٍ ومن المؤسف حقاً أن وجود فكرةٍ كهذه تخالج قلوب كثير من فقهائنا وإن لم يبيحوا بها وإلا فماذا يعني الفتوى بجواز الخيار لمسافر بين القصر والإتمام في صلواته عندما يكون في حائر الحسين؟ وعلى أي أساس أو قاعدة شرعية امتاز الحسيني بهذا الامتياز ونزل فيه حكم إلهي وسماوي قبل وجود الحائر بنصف قرن؟
ومرةً أخرى نكرر القول بأن الطريق الوحيد للخلاص من هذا التخلف الفكري العميق الذي أحاط بنا قروناً ويحيط بنا من كل جانب حتى يومنا هذا هو غربلة كتبنا من أمثال هذه الروايات التي تنسب إلى أئمةٍ هداةٍ مهديين هم منها براء، وهكذا غربلة الفقهاء أنفسهم فكثير منهم وراء هذه البدع وتنميتها فالأئمة لم يستحدثوا قوانيناً من عندهم وأحكاماً لم يكن لها أثر في كتاب الله وسنة رسوله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ولك يدّعوا قط شيئاً كهذا بل كل ما امتازوا به أنهم أعرف بكتاب الله وسنة جدهم رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وتلقوا العلم في بيت الرسالة ومهبط الوحي وأخذوا أحكام الشريعة كابراً عن كابر.