قديم 11-05-13, 02:18 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
عزتي بديني
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 5178
المشاركات: 4,486 [+]
الجنس: انثى
المذهب: أهل السنة والجماعة
بمعدل : 0.93 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 27
نقاط التقييم: 510
عزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمر

الإتصالات
الحالة:
عزتي بديني غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : بيت المهتدون إلى الإسلام ومنهج الحق

- الحلقة الأولى- وجدت القرآن كأنه يقرؤني ..!!

عندما فتح القرآن وبدأ يقرأ صدمته آية ، يقول بروفيسور الرياضيات الذي كان ملحداً وقتها : ( أحسست برعشة تنتابني عندما قرأت هذه الآية ، أخذت أفكر في نفسي : هل أنت تخاطبني ؟! ... تولد لدي شعور غريب بأن القرآن كان يخاطبني فعلاً !! ).ما هذه الآية ؟ولماذا أحدثت لديه تلك الرعشة والشعور الغريب ؟

أسئلة الإنسان وإجابات القرآن !!


هذا ما سنتعرف عليه – إن شاء الله - في هذا المقال وما يليه في صحبة " بروفيسور" رياضيات أمريكي كان ملحداً منذ مراهقته حتى شرح الله قلبه للإسلام ، وقد كتب تجربته مع القرآن بطريقة مشوقة ومثيرة ، مسجلاً تفاصيل رائعة عندما كان يطرح على القرآن أسئلته المشكلة عن الخالق ومعنى الحياة ووجود الشر في العالم ، تلك الأسئلة التي قادته إلى الإلحاد ، ثم يسجل بروعة وذكاء كيف عثر على الإجابات عنها بعد تدبره المعمق في آيات الكتاب الكريم .

جاذبية الإسلام لا تقاوم !!

لقد دُهش د. مراد هوفمان من كتابات صاحبنا ، وهوفمان لمن لا يعرفه مسؤول ألماني مرموق شغل عدة مناصب دبلوماسية في الحكومة الألمانية ، وأعلن إسلامه في الثمانينيات من القرن العشرين ، وقد كتب مقدمة أحد كتب صاحبنا بهذه العبارات المؤثرة : (كم دهشت عندما أدركت أن هذا الكتاب ذو مغزى عظيم جداً ، وقد كتب بشكل رائع على غير ما يتوقعه المرء من مدرس رياضيات وبعد بحث وتفكير دقيقين. لقد كان الكتاب وصفاً مفعماً بالحيوية للطريقة التي شعر بها " جيفري لانغ " ، وهو يصطرع من الداخل بالانجذاب بلا مقاومة إلى الإسلام ) .

ما أجمله من وصف : " جاذبية الإسلام لا تقاوم " ، وقد كتب المستشرق الفرنسي الماركسي (مكسيم رودنسون ) كتاباً بعنوان : (جاذبية الإسلام) متحدثاً فيه عن الأشياء التي تجعل الإسلام جذاباً في العقول والنفوس ، والمحزن حقاً أن كثيراً من أبناء المسلمين أصيبوا اليوم ببلادة ، فلا يشعرون بهذه الجاذبية في دينهم ، ولا يحاولون أن يعيدوا اكتشاف روعة دينهم !

جدّدوا إيمانكم !!

لنبدأ في محطات هذه الرحلة الممتعة ، ولنتأمل هذه " الرحلة القرآنية " ، لقد كتب البروفيسور المسلم الأمريكي " جيفري لانغ " ثلاثة كتب مهمة ، حكى فيها كثيراً من تجربته الفكرية مع القرآن ، وهي :
" الصراع من أجل الإيمان - انطباعات أمريكي اعتنق الإسلام " ترجمة د. منذر العبسي .
ثم كتاب " حتى الملائكة تسأل - رحلة إلى الإسلام في أمريكا " ترجمة منذر العبسي .
ثم أصدر كتابه " ضياع ديني - صرخة المسلمين في الغرب " ترجمة إبراهيم يحيى الشهابي .

وقد قرأت هذه الكتب وحاولت أن أوصل إليكم بعضاً من " حرارة الإيمان " التي فيها ، كما أنه قد راق لي أن أنقل لكم التجربة الفكرية لهذا الأستاذ الجامعي في كيفية عثوره على إجابات القرآن عن أسئلته الوجودية ومشكلاته الفلسفية العميقة في الحياة .

وما أحوجنا إلى أن نجدد إيماننا بالتواصل مع المسلمين الجدد ، فلديهم ما يبعث " الطاقة " المحركة في قلوبنا التي تحتاج إلى وهج الإيمان لتعود إليها قوة الحياة المؤمنة بكل عنفوانها وحيويتها .

قصته باختصار !!

يقول " جيفري لا نغ " كثيراً ما يسألني الناس عن إسلامي ، لذلك كنت أشرح الأمر في نصف ساعة ، ولأن السؤال يتكرر كانت إجابتي تزداد قصراً في كل مرة أسأل هذا السؤال ، لقد لخصت قصتي في هذه الكلمات : ( ولدت مسيحياً ، ثم إني في الثامنة عشرة من عمري أصبحت ملحداً بسبب الاعتراضات العقلانية على فكرة الله في المسيحية ، بقيت ملحداً لمدة عشر سنوات تالية ، قرأت تفسيراً للقرآن <أي ترجمة القرآن > في سن الثامنة والعشرين ، فوجدت فيه إجابات متماسكة ومنطقية لأسئلتي . هذا الأمر دفعني للإيمان بالله عن طريق الإسلام من خلال قراءتي للقرآن ، وهكذا أصبحت مسلماً ) ( حتى الملائكة تسأل ص 272 ) .

لماذا شكّ في وجود الله ؟

لكن كيف استسلم للشك في وجود الله في سن مبكرة ؟

يقول د. جيفري لانغ : ( نحن لا نختار ذكرياتنا ، بل تنساب إلى عقولنا ، وتملأ اللحظات الخالية من التفكير ) ويا لها من عبارة عميقة صادقة فكثيراً ما تحتل ذكرياتنا السيئة مراكز التفكير المنطقي وتعطلها .

وقد حاول أن يتذكر في كتابه ( ضياع ديني ص 30 – 34 ) قصة إلحاده وسببها ، وهي مهمة جداً لمعرفة نفسيات بعض الملحدين وسبب شكهم في وجود الله ، وسأقوم بتلخيصها كما رواها هو ؛

نشأتُ في مدينة صاخبة عنيفة ، في بيت لا يقل عنها صخباً وعنفاً ، كان والدي على الدوام متوحشاً مدمراً ، يحاول أن يكبت غضبه كل ليلة بشرب مفرط للخمر ، وإدمانه على الخمر ، جعله أكثر تقلباً وأسرع إثارة

عشت وإخوتي الأربعة طفولة قلقة يسودها الرعب ، وأسوأ ما كان في حياتنا رؤية والدي وهو يوبخ أمي بطريقة ساخرة مهينة ويهددها

إن الخوف الذي يتولد لديك وأنت ترى والدك يعنف أمك ويضربها يختلف تماماً عن أي خوف آخر ؛ لأنها هي المنبع الوحيد للطف والحنان والحب والحماية ، أمي كانت هي الشخص الوحيد الذي أستطيع محبته ، كانت أقرب أصدقائي إلي ، حاميتي ، وبطلي الوحيد ، كانت كاثوليكية عميقة الإيمان ، ممرضة متفرغة ، وقفت حياتها للآخرين ، يحبها الجيران كلهم ، وكانت أكثر من عرفت إحساناً وعطاء.

إن أقسى إثم على الإطلاق إدراكك أنك لا تستطيع فعل شيء لمنع والدك من إيذاء أمك ، وحرصاً على سلامتك تختبئ في فراشك عندما يصب أبوك جام غضبه على أمك ، وبذلك تكون قد استبدلت بسلامتك الشخصية احترامك لنفسك ، إنك تعاني مع حادثة كهذه ، بل تدرك بوضوح أكبر مدى ضعفك وعجزك وتفاهتك وجبنك ، إن كرهاً ينمو ويفرخ في ذاتك ليس فقط تجاه الرجل الذي نسميه " أباً " ، بل تجاه نفسك أيضاً ، إذ من المريع جدا أن تضع شخصاً ما في الخيار بين نفسه وبين أمه

عندما كنت صغيراً كنت أحلم بحياة ليست فيها والدي ، كنت أريد أن يختفي العنف ، كنت أريد أن أتخلص من الخوف ، كنت أشعر أني وقعت في شرك حلم مزعج لا مخرج منه . لذلك كنت أدعو الله أن يزيح والدي من حياتنا وأن يوقف الألم ، ولكن والدي ظل موجوداً دائماً ، فشرعت أشك منذ حداثة سني بوجود الله ... كل ما كنت أراه في عالمي هو الفوضى والعنف ، ولهذا كان سهلاً علي أن أشك بوجود الله ... تركتُ الإيمان بالله بسبب الخوف والغضب المنسوجين في فوضى طفولتي وجرحها .

لم أستطع أن أفهم السبب أو أدرك الحكمة التي تجعل أمي تعاني من عنف والدي وسوء معاملته ، لم أستطع أن أتخيل أي ذنب اقترفت، أو أي ذنب اقترفناه – نحن أبناءها – ليكون جزاءنا هذا الأب ، كنتُ أفتقر للرشد الذي يمكنني من فرز هذه الأسئلة وتصنيفها بالرغم من أنه كان يمور في نفسي غضب ، ويهيمن علي خوف يحفزانني على إثارتها ، من قبيل :

لماذا خلق الله مثل هذا العالم العنيف ؟
لماذا جعلنا نزاعين للإجرام قابلين للفساد والتخريب ؟
لماذا لم يجعلنا ملائكة أو شيئاً آخر أفضل ؟
لماذا جعل الأقوياء يعذبون الضعفاء ويضطهدونهم ؟
كنت أريد أن أعرف لماذا ، وأطالب بالجواب ، كنت أريد تفسيراً مقنعاً مترابطاً ، كنت أريد أن أعرف الحقيقة لا أكثر . لقد أوجز بروفيسور الرياضيات قصة إلحاده بكل شفافية .

ما أدق تحليلك يا "جيفري" !

إن حديث د. جيفري لانغ عن قصة إلحاده كان يتسم بالدقة الشديدة وبنبرة ممزوجة بالصدق في كل حرف منها ، وبقليل من التمعن سنجد أن هناك ثلاثة أمور مهمة تحتاج إلى بعض التعليقات :
1- أسئلة يفرزها الخوف ويكتبها الغضب :
حالتا الخوف الشديد والغضب العارم كانتا وراء طرح أسئلة الشك في الله ، بمعنى أن تلك الأسئلة لم تكن نابعة عن حالة التفكير الهادئ المتزن ، وإنما كانت وليدة من أعماق نفسية متعبة متألمة ، فهي أسئلة ردة فعل على حالة قاسية عابرة ، ولهذا أعجبتني عقلانيته حين قال : (كنتُ أفتقر للرشد الذي يمكنني من فرز هذه الأسئلة وتصنيفها ) .

لذلك كانت أسئلته كما هي الحال لدى كثير من الشاكين في الله وعدله ورحمته هي أسئلة غير منظمة أو منهجية بل تعاني من الفوضى وعدم الترتيب والتسلسل المنطقي في طرحها ، وهذا غير مستغرب ؛ لأنها وليدة ( الغضب ) و ( الخوف ) وهما من حالات فقدان التركيز العقلي والسيطرة على النفس .


2-منطق المتشكك : إذا لم تُجب دعائي وتحقق رغباتي فلن أؤمن بوجودك يا رب !

واستوقفني كلامه عن دعاء الله الدائم ، من دون استجابة فورية لإبعاد والده عن حياتهم ، ومن خلال تجربتي الشخصية في الحوار مع بعض الشباب والشابات ، أكاد أجزم أن ( مشكلة فهمهم لاستجابة الدعاء ) متمحورة حول هذه الدنيا والآن ، فإذا لم يُستجب لهم الآن وفوراً فإن الله غير موجود ، أما أن تُحدثه عن أنها قد تُدخر له في يوم القيامة ، وهذا أفضل للمؤمن بالآخرة ، أو بأنه يُصرف عنه من السوء مثلها ، فيرى كل تلك الأجوبة لا شيء لأنه كل همه هو الدنيا ولا شيء غير الدنيا .

وهذا المنطق " الطفولي " الساذج الذي يريد أن يخضع حكمة الله وسننه الكونية العامة لأهوائه وطلباته الشخصية ، هو الذي يقف وراء الشك في وجود الله لدى الكثيرين منهم ، لذلك تكون تلك الشكوك بمثابة اعتراض غاضب على حكمة الله لعدم تلبية رغباتهم الآنية .


3- الإلحاد العاطفي:

ومن خلال وصف " لانغ " لقصة إلحاده يتبين بأن هناك ما يسميه بعض المحللين " بالإلحاد العاطفي " ، وقد طرأ لي أن أشبه (المتشكك في وجود الله) بإنسان محبط مكتئب أغلق على نفسه أضيق مكان في " قبو " منزله ، فضاقت رؤيته للكون والحياة ولم يعد يرى أي شيء منهما إلا من ثقب صغير في فتحة الباب ، كذلك الملحد حين يحاكم حكمة الله ورحمته وعدله إلى مشكلته الشخصية فقط ، فيصبح الأمر كأن بينه وبين الدين عداوة أو ثأر شخصي ، فيصبح أي استنقاص للدين يثيره جداً ويجذبه ، وأما الأجوبة العقلانية عن أسئلته فتعد مملة ومكررة لأبعد حد ، بل قد قرأت لأحدهم مرة ، أنه إذا رأى كتاباً أو مقالاً فيه آية ، تركه إلى غير رجعة ، فهل مثل هذا يقال عنه أنه يبحث عن الحق ؟!

إن للباحث عن الحق صفات ، ليست منها هذه المواقف المتوترة ، المتشبعة بالكراهية لله ورسله إلى درجة الحنق الشديد ، وإذا لم يكن هذا هو ضيق الأفق ، فما هو تعريفه إذن ؟


الإسلام مُشوّهاً !

ونعود إلى قصة " د. جيفري لانغ " ففي سنة 1982 أصبح أستاذاً في جامعة سان فرنسيسكو وهو لم يزل في الثامنة والعشرين بعد ، والتقى وقتها بأسرة مسلمة من السعودية أهداه أحد أفرادها ترجمة للقرآن ، يقول د. جيفري : ( كنت لا أعرف عملياً شيئاً عن الإسلام لكني كنت أفترض ولا أدري لماذا ، أن الدين الإسلامي أكثر أديان العالم خرافة ) (ضياع ديني ص 36 )

هل أنت تخاطبني ؟

عندما فتح القرآن وبدأ يقرأ صدمته هذه الآية الكريمة ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) البقرة : 2 ، يقول: ( أحسست برعشة تنتابني عندما قرأت هذه الآية ، أخذت أفكر في نفسي :هل أنت تخاطبني ؟! ... تولد لدي شعور غريب بأن القرآن كان يخاطبني فعلاً !! ) (ضياع ديني ص 37 )

وسبب ذلك كما يذكر هو بنفسه : أنه وجد طريقة القرآن ملائمة لعرض الوحي ، فهو ليس كالكتاب المقدس عند النصارى في عهديه القديم والجديد يقدم سرداً لتاريخ شعب أو سيرة نبي أو معلم عظيم ، أو مجموعة أقوال رسول ، إن صيغة الخطاب في القرآن مباشرة من الله إلى البشر ، ولهذا يقول : ( اعتقدت أن هذا هو بالضبط ما نتوقعه من وحي إلهي .. وكلما تقدمت في القرآن ازداد احترامي لطريقته وأساليبه .. لقد تبينت أن المتكلم قد أدخل إلى النص عدداً من المقاطع يعلم أنها ستثير أسئلة وردود فعل معينة لدى القارئ ، ومن ثم يجيب على ردود فعله المتوقعة سلفاً في مقاطع تالية ، إن القرآن يشغل القارئ بحديث ذهني وروحي .. لقد أحسست أن المتكلم يعرف على وجه الدقة الطبيعة البشرية ) بتصرف من كتاب ( ضياع ديني ص 37-38) .


وكأن القرآن يقرؤك !

وقد وصف " جيفري لانغ " في كتبه الثلاثة شعوره نحو القرآن ، ولم يجد أدق من وصف فريدريك دني في كتابه " الإسلام " وهو شخص غير مسلم ولكن جاء بعبارة أذهلته : ( تلك التجربة العجيبة غير الطبيعية التي يشعر بها المرء أحياناً لدى قراءته القرآن ، وتلك اللحظات التي يشعر فيها القارئ بحضور شيء غامض وأحياناً مرعب معه ، وبدلاً من قراءة القرآن ، فإن القارئ يشعر وكأن القرآن يقرؤه ) . ( حتى الملائكة تسأل ص 206) ( ضياع ديني ص 38) ( الصراع من أجل الإيمان ص 81 ) .

ثم جاء بعبارة من أروع ما قرأت تنبض بالصدق مع الله ، قال : ( إن الذين يضعون مصالحهم الدنيوية والذاتية فوق الإيمان ، هؤلاء لا ينتفعون من قراءة القرآن ما لم يغيروا بُنيتهم الفكرية ) .

كم هي مبهرة وأخاذة هذه العبارة ، إنها في الصميم : ( ما لم يغيروا بُنيتهم الفكرية ) !

في الحلقة القادمة إن شاء الله سنمضي في محاولة اكتناه هذا الشعور : كيف وجد " لانغ " أن القرآن كأنه يقرؤه ؟ وسنعرض أسئلته الفكرية التي بحث عنها طويلاً ووجد لها إجابة في كتاب الله عزوجل .



كلمات البحث

شبكــة أنصــار آل محمــد ,شبكــة أنصــار ,آل محمــد ,منتدى أنصــار





glh`h Hsgl fv,tds,v hgvdhqdhj hglgp] ?










عرض البوم صور عزتي بديني   رد مع اقتباس
قديم 11-05-13, 02:34 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
عزتي بديني
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 5178
المشاركات: 4,486 [+]
الجنس: انثى
المذهب: أهل السنة والجماعة
بمعدل : 0.93 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 27
نقاط التقييم: 510
عزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمر

الإتصالات
الحالة:
عزتي بديني غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عزتي بديني المنتدى : بيت المهتدون إلى الإسلام ومنهج الحق
افتراضي

الحلقة الثانية : على صفحات القرآن قابلت نفسي

"إنه لمن المؤكد حقاً بأن دراسة القرآن ما ضعفت يوماً كما أن إيقاعاته المسيطرة ما فقدت تأثيرها في عقول الناس " .

افتتح د. جيفري لانغ فصل " القرآن " في كتابه " الصراع من أجل الإيمان " (ص52) بالعبارة الآنفة عن أثر القرآن في العقول إعجاباً بها وتأكيداً لمضامينها، وهي لأحد كبار المستشرقين في القرن العشرين البريطاني هاملتون جيب.


هذا القرآن يعرفني أكثر من نفسي !


وبعبارات جميلة تأخذ بالألباب لأنها تنبض بالصدق حتى تكاد تصافحه فيها ، وصف بروفسور الرياضيات حالته الفكرية والشعورية حين بدأ رحلة طرح الأسئلة الكبرى التي قادته إلى الإلحاد على القرآن بحثاً عن جواب فيه ، ولنقرأ كلامه حين قرأ القرآن لأول مرة وكان ملحداً وقت ذاك ، يقول " جيفري لانغ " :


( إذا ما أخذتَ القرآن بجدية فإنه لا يمكنك قراءته ببساطة ، فإما أن تكون لتوك قد استسلمت له ، أو أنك ستقاومه ، فهو يحمل عليك وكأن له حقوقاً عليك بشكل مباشر وشخصي ، وهو يجادلك وينتقدك ويخجلك ويتحداك ، ومن حيث الظاهر يرسم خطوط المعركة ، ولقد كنتُ على الطرف الآخر في المواجهة ، ولم أكن في وضع أحسد عليه ، إذ بدا واضحاً أن المتكلم بهذا القرآن كان يعرفني أكثر من نفسي... لقد كان القرآن يسبقني دوماً في تفكيري ويُزيل الحواجز التي كنتُ قد بنيتها منذ سنوات ، وكان يخاطب تساؤلاتي .

وفي كل ليلة كنتُ أضع أسئلتي واعتراضاتي ، ولكني كنتُ إلى حد ما ، أكتشف الإجابة في اليوم التالي ، ويبدو أن القرآن كان يقرأ أفكاري، ويكتب الأسطر المناسبة لحين موعد قراءتي القادمة . لقد قابلتُ نفسي وجهاً لوجه في صفحات القرآن وكنتُ خائفاً مما رأيت ، كنتُ أشعر بالانقياد بحيث أشق طريقي إلى الزاوية التي لم تحتو سوى على خيار واحد ) . (الصراع من أجل الإيمان ص 34)

عشر آيات قلبت حياتي !

يمضي " جيفري " في قراءة القرآن فيتحدث بشكل مبهر عن قصة خلق آدم نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة وحوار الخالق مع الملائكة في شأن ذلك ، مع ملاحظة أنه يحكي هنا عبارات طرأت له عندما كان ملحداً قبل أن يُسلم ، ولهذا سنجد أن سياق الكلام يعبر عن حالته تلك ، يقول " لانغ " :

لم أقرأ في حياتي شيئاً سبب لي تشويشاً أكثر من هذه الآيات العشر : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .... " البقرة : 30-39

لم أستطع التوقف لحظة عن التفكير فيها ، كنت أفكر فيها ليل نهار في أثناء الطعام وخلال ذهابي إلى عملي وإيابي منه ، وعندما أجلس وحدي ، وحين أشاهد التلفاز ، ووقت آوي إلى فراشي ، وظللت أقلبها وأراجعها في ذهني محاولاً تجميعها معاً كقطع الأحجية ، وغدت هي المحك عند قراءتي لبقية القرآن ، وكلما أتيت إلى نص يبدو أنه ذو علاقة بموضوع غاية الحياة ، أقارنه بالأفكار التي طُرحت في هذه القصة ، بدأت أشعر رويدا رويدا أني كنت أحل شيئاً من عقدة الأسئلة المتشابكة التي أوجدتها هذه القصة ، ولكني لم أستطع تجميعها في تفسير معقول لوجود الإنسان على الأرض ، كنتُ تواقاً لمتابعة تحقيقاتي وتقصياتي ...

فاجأتني الآية الثلاثون من سورة البقرة هذه ، ليس لأنها تبدأ بقصة تتعلق بأول رجل وأول امرأة ، بل بالطريقة التي تعرض بموجبها هذه الحكاية ، وعندما قرأتها شعرت أني وحيد (معزول) وكأن المتكلم دفعني جانباً وألقى بي في فضاء خال صامت كي يحدثني وحدي مباشرة ...

حتى الملائكة تسأل ؟
إن الملائكة هم الذين طرحوا السؤال قائلين ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك )

فكأن سؤالهم في الأصل هو سؤالي نفسه : لماذا تخلق يا ربنا أكثر المخلوقات عنفاً واقترافاً للذنوب ؟\

لماذا تضع يا رب على الأرض من يحدث فيها خراباً ودماراً ؟

ويكتسب هذا السؤال قوة أعظم ؛ لأنه طرح في السماء ... لقد كان سؤال الملائكة هو سؤالي تماماً !! نعم هذا هو اعتراضي !!

لقد غُلفت حياتي كلها في هذه الأسطر !! شعرتُ وكأن القرآن يهز عواطفي ليستفزني ...

بدا لي على الفور أن للقرآن برنامجاً آخر ، وأن له رؤية ورسالة مختلفتين كلياً عن فكرة كانت ملتصقة في ذهني نتيجة قراءة قصة الخلق في " الكتاب المقدس " وهي أن الحياة على الأرض كانت عقوبة بسبب الخطيئة البشرية التي جرت من آدم ، وليست فرصة لنا لنكون خلفاء في الأرض ، وهنا يظهر الفرق فالقرآن يقول شيئاً مختلفاً : إن آدم خُلق ليصبح خليفة في الأرض ، هذا المعنى يختلف عن فكرة سيطرت علي وهي أن الوجود البشري على الأرض ما هو إلا عقوبة !!

ذكاء آدم وسجود الملائكة !

لقد ظهر لي أن القرآن في هذه القصة المحورية والمهمة يركز على ذكاء الإنسان ...

لقد تعجبت للطريقة التي يجمع فيها القرآن هذا القدر الكبير من المعنى في كلمات قليلة ، ولنلاحظ أن آدم لم يُسم الأشياء المحيطة به فحسب، بل إن الله علمه ، الأمر الذي يؤكد على مقدرة الإنسان على التعلم ، وعلى ذكائه ، ولنلاحظ أيضاً ما يتعلمه آدم . إنه يكتسب القدرة على تسمية كل الأشياء ، وعلى وضع رموز لفظية لما يدركه كله ، ولأفكاره جميعها وخبراته ومشاعره .

ويؤكد القرآن على موهبة اللغة دون مواهب الإنسان الأخرى ؛ لأنها على ما يبدو هي الأداة الفكرية المتطورة جداً التي تميز الإنسان عن بقية المخلوقات الأرضية ، فبفضل اللغة ينمو بنو الإنسان ، أكثر من أي موهبة أخرى ، ويتقدمون ويتعلمون ...

تبين قصة خلق آدم بوضوح بروز الذكاء البشري في الجواب عن سؤال الملائكة الذي كان من ضمن أهم أسئلتي أيضاً ... لقد نجح آدم حين أخفق الملائكة في تسمية الأشياء مبيناً ذكاءه المتفوق عليهم ...

واكتشفتُ الحقيقة الغائبة !

صحيح أن الله خلق في الإنسان القدرة على ارتكاب الخطأ ولكنه منحه صفات أخرى ، لم يستطع الملائكة فهمها ولا تقديرها حق قدرها عندما طرحوا ذلك السؤال ...

لقد كانت الملائكة لا تعلم الجانب الآخر من الطبيعة البشرية . صحيح أن بعض الناس يستطيعون ارتكاب أخطاء فادحة ، ولكن آخرين يستطيعون فعل خير عظيم ، وبعض الأفراد قادرون على التضحية بالنفس ، وعلى القيام بأكثر الأعمال عدالة ونبلاً وأوسعها إحساناً وكرماً ، وأشدها دفئاً ولطفاً ، ويستطيع ناس أن يبدوا أعلى درجات الرحمة والعطف تجاه أقرانهم البشر... مثلي كمثل الملائكة لم أفكر بهذا ، لم أر لزمن طويل سوى الجانب المظلم من الشخصية البشرية ؛
فتساءلت في نفسي : هل الأمر هكذا ؟

هل يقول القرآن : إنه بالإضافة إلى موهبة الذكاء التي منحنا الله إياها ، قد جعل كلاً منا كائناً أخلاقياً ، يفهم الصواب والخطأ ؟

هل يقول القرآن : إن الله زودنا كذلك بإلهام ملائكي وإغواء شيطاني ليعزز وعينا الأخلاقي ؟

هل القرآن يبرز أهمية كوننا مخلوقات نستطيع بل يجب أن نمارس خيارات أخلاقية ؟

والجواب : في القرآن : ( ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ) الشمس : 7-10

.. لم يعد لدي أدنى شك في أن القرآن يعد الشخصية البشرية أعظم من الشخصية الملائكية التي لا تعصي الله أبداً والتي كنت أتمنى لو أن البشر خلقوا على شاكلتها لئلا يرتكبوا الشرور ، إن آية الأمر بالسجود لآدم قد أزالت كل شك عندي في ذلك : البشر أفضل من الملائكة !

أصل الشرور !

وعندما نجح آدم وأخفقت الملائكة قال الله لهم : (اسجدوا لآدم) فسجدوا مظهرين اعترافهم بتفوقه ، والسجود للمخلوق الجديد رمز للخضوع له ، ومع ذلك رفض إبليس أن يسجد ، وبرفضه يبين الله أن أصل نشوء الخطيئة الكبر الزائف المدمر للذات ، وليس أصل الخطيئة كما في القرآن هو المال أو الطمع أو الشهوة .

وبدأت أطرح على نفسي أسئلة :

لنفرض جدلاً وجود إله حق فهل يُعقل أن يرفض الناس عن وعي ما يشعرون أنه حق ؟!

هل يخالفون ضميرهم عناداً ؟!

قلت لنفسي – طبعاً - : كم من مرة أنكرتُ الحقيقة وتلاعبتُ بها لأنغمس في رذيلة شخصية ؟

وكم من مرة سوغتُ أفعالاً تبدو بوضوح وجلاء أنها مدمرة ومحطمة للذات رافضاً أن أعترفُ بأخطائي حتى لنفسي ؟

فقلت لنفسي : إذا كان الله موجوداً فإني بالتأكيد قد تجاهلتُ آياته ، ولكن (إذا) هذه كبيرة ، وأدركتُ أني أخوض معركة ، فإن كانت قادتني هذه الآيات العشر إلى هذا الكرب ، فلا بد أن التحدي الذي ينتظرني سيكون كبيراً في باقي القرآن .. إني أواجه خصماً فائق القدرة ).

انتهى النقل باختصار وتصرف من كتاب " ضياع ديني " (ص 39 – 52) .

الصدق مع الله ..

أكثر شيء شدني في كلام هذا البروفسور هو صدقه مع الله ، ولعلكم لاحظتم كيف تنبه إلى خطورة خطيئة (الكبر) ، وكيف توصل إلى أنها أعظم حاجب يحول دون الوصول إلى الحقيقة ، وليعالج نفسه من هذا الداء حمل عليها يقرعها بأسئلة مخجلة ، ثم سجل اعترافه بكل شفافية بأنه يعرف من نفسه معاندة الحقيقة ورفضها ، وهنا فقط تذكرت كلامه الرائع جداً حين قال : ( والقرآن شأنه شأن العديد من كتب المعرفة ، يتطلب استعداداً كي يستفيد المرء مما يحتويه إلى أبعد درجة ممكنة ، والذين سوف يحظون بالفوز العظيم هم أكثر الناس صدقاً مع الله ) (حتى الملائكة تسأل ص 44) .

نعم إن القرآن يتطلب استعداداً ، وهذا الاستعداد هو الصدق مع الله ، ومن مشمولاته الصدق مع النفس ، هذا الرجل هُدي للحق – في ظني – بسبب صدقه أولاً ، ولا تزال أسئلته تؤثر في وجداني لأبعد حد وهو يقول :

كم من مرة أنكرتُ الحقيقة وتلاعبتُ بها لأنغمس في رذيلة شخصية ؟

وكم من مرة سوغتُ أفعالاً تبدو بوضوح وجلاء أنها مدمرة ومحطمة للذات رافضاً أن أعترفُ بأخطائي حتى لنفسي ؟

ما أصعب على النفس أن تعترف بمكابرتها وهي التي تعيش دائماً في محيط أوهامها التي تسول بها الأخطاء ..


إن اللحظة الفارقة في حياة أي إنسان .. هي الخطوة الأولى نحو الحقيقة ، حين يسأل نفسه تلك الأسئلة التي تدك حصون (الكبر) بداخله.


وسنواصل إن شاء الله في الحلقة القادمة رحلة بروفسور الرياضيات مع القرآن ، وتدبره لمعنى الحياة وغايتها وكيف اكتشف ذلك في القرآن .










عرض البوم صور عزتي بديني   رد مع اقتباس
قديم 11-05-13, 02:46 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
عزتي بديني
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 5178
المشاركات: 4,486 [+]
الجنس: انثى
المذهب: أهل السنة والجماعة
بمعدل : 0.93 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 27
نقاط التقييم: 510
عزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمر

الإتصالات
الحالة:
عزتي بديني غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عزتي بديني المنتدى : بيت المهتدون إلى الإسلام ومنهج الحق
افتراضي

الحلقة الثالثة : لافوز بلا ألم .. بالمعاناة نتطور روحياً

لافوز بلا ألم ..
دموع البروفسور تنهمر ؟
وكيف أجاب عن سؤال : هل لمعاناتنا في الحياة فائدة ؟
متى قال : لم أعد أثق في إلحادي ؟


في الحلقتين السابقتين من قصة إسلام بروفسور الرياضيات " جيفري لانغ " تعرضنا لرحلته مع القرآن ومحاوراته التي كان يدخل فيها بكل جدية ، وعرفنا أن قصة خلق آدم نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة أثارت انتباهه وبدأت تُحدث تغييراً كبيراً في تصوراته ، ولكنه كما أخبر عن نفسه بقيت لديه بعض الشكوك ، وخاض مرحلة من المقاومة بحكم إلحاده السابق ، فلم يستسلم للقرآن ، واستمر في طرح الأسئلة ، واستمرت دراسته للقرآن تأخذ طابع المد والجزر .
وانهمرت دموعي !
وقد تجلى الأمر السابق في قوله : ( لقد مرت علي أوقات وأنا أقرأ فيها القرآن ، وأكون على وشك الاستسلام ، فأشعر أن كلماته تغمرني ، وأن الله هو الذي يكلمني من خلال هذا الكتاب ، ولا أرتبك إن قلت : إني كنت أتأثر بحيث تنهمر دموعي على وجنتي في مناسبات عديدة ، وأشعر أني في حضرة قوة هائلة ورحمة غامرة ، كانت اللحظات الروحية هذه تأخذني دائماً على حين غرة . وكنت أحاول مقاومتها ، وإبعادها عني ، ولكنها كانت أقوى من أن تقاوم ، وكانت مؤثرة جداً بحيث لا يمكن دفعها ، لذلك كانت مقاومتي تضعف أكثر كلما توغلت في النص ، وأتت علي لحظات تيقنت فيها من وجود الله ، عندما كنت أشعر بوجود إله أعرفه ، ولكني كنت أحاول نسيانه ، لم أعرف إن كنت في حالة أفضل أو أسوأ لدى قراءة القرآن ، ولكني عرفت أني تغيرت ، وأني لم أعد أثق بإلحادي ) ضياع ديني (ص136).


هذه الكلمات النابضة بالصدق والتي تحكي مرحلة سبقت إسلام " البروفسور" قرأتها عدة مرات إعجاباً بمضمونها ؛ لأن فيها تشخيصاً دقيقاً لحالة " المتشككين" ففي بعض اللحظات يزورهم يقين هش ، لكنه يتفتت سريعاً أمام قوة الشك المترسخ ، وهذا الرجل أوصلته تجربته لحالة قل أن يعترف بها العقل " المتكبر" وهي بلوغ شعور " لم أعد أثق بإلحادي" ، أو بمعنى آخر " بدأت أشك في شكوكي " أو " لم أعد أؤمن بلا أدريتي " ، الاعتراف بهزيمة الشك مرحلة انتقالية مهمة ممهدة للوصول إلى سماء الإيمان ، فالأمور لا تحدث قفزاً أو وفق نظرية حرق المراحل ، هناك تدرجات لابد من التفطن لها ، وقد فطن "البروفسور" بذكاء إلى أن القرآن أوصله في تلك المرحلة إلى عدم الثقة بإلحاده وشكوكه ، وهذا كان إنجازاً مهماً .


هل لمعاناتنا فائدة ؟


يبدأ البروفسور " جيفري لانغ " رحلته مع القرآن ، وقد اكتشف شيئا مهماً سيغيره جداً ، يقول :

استطعت من خلال دراستي للقرآن أن أرى بوضوح أنه يلح على أن المعاناة عنصر حاسم في ارتقاء البشر وتطورهم ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) سورة البلد : 4 ، ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) سورة الأنبياء : 35 ، ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) العنكبوت :2


تأملتُ ذلك فوجدته في الحياة هو من البدهيات ، فلا شيء يحصل مقابل لا شيء فمثلاً : لقد علق مدرب الرياضة بجامعتنا إعلاناً في غرفة ملابس الرياضيين مفادها : " لا ألم .. لا فوز " بمعنى أن تحسين الأداء الرياضي يتطلب منا الرغبة في المعاناة .

واعتاد أستاذي أن يقول دائماً : إن التعلم يتطلب اجتهاداً وصبراً .

وقال لنا مدرس الرياضيات ذات مرة : إن المسائل الصعبة هي التي نتعلم منها أكثر .

لم أشك أبداً في أي من هذه البدهيات ؛ لأنها واضحة وطبيعية ، ويشير القرآن أن القانون الطبيعي نفسه ينطبق على التنمية الروحية، فالكائنات البشرية مخلوقات متفوقة العقل ، والعقل لا ينمو إلا بالتعلم ، ولكن التعلم يستلزم الاختبار أي الابتلاء ، وهي نقطة يكررها القرآن دائماً . إن النمو الأخلاقي والروحي يتضمن تدريب إرادة المرء ، واستخدام العقل وتنميته ، ومعاناة المحن .



لماذا لم أولد مؤمناً..وما الفائدة من عذاباتي بسبب إلحادي ؟


وفي ضوء ما سبق طرح على نفسه هذا السؤال : أليس الإلحاد من الشر فلماذا لم أولد مؤمناً لئلا أمر بآلام هذه التجربة ؟

إن إنكار وجود الله هو من دون شك من الكبائر ، ولكن لأن يعصي المرء ثم يدرك مدى الضياع والفراغ بسبب آثامه التي أعمت بصيرته ، ثم يكتشف الإيمان ؛ لهي خبرة عظيمة رغم مرارتها ؛ لأن ما مادعاه للإلحاد أصبح الآن أكثر من مجرد تحذيرات ، لقد أصبح مع التجربة والألم دروساً مندمجة مع النفس تقودها للهداية ، وما لم نخطئ ثم ندرك أخطاءنا ثم نصلحها ، فإن روحانيتنا سوف تبقى ساكنة دون حراك ، إذن الخطأ وإدراك الخطأ ثم إصلاحه ، هي أمور حيوية لتطورنا ونمائنا في هذه المرحلة الدنيوية .

لكن لماذا لم نُبرمج على الخير وعمل الفضائل ؟

لماذا لم يخلقنا الله بالصفات الفاضلة منذ البداية ؟

والجواب : من الممكن أن نبرمج الحاسب ليكون صحيحاً دائماً ، ولكننا لا نستطيع وصفه بالصادق أو بالحكيم ، وسماعة الطبيب تساعد المريض ، ولكننا لا نستطيع وصفها بالجهاز الرحيم ... إن ما يجعل العمل فاضلاً وصالحاً هو إرادة فعله ، واستحسان الحاجة التي يتوجه إليها ذلك العمل ، ولهذا جعل الله الإنسان المؤمن الذي قاوم الإغواء وصبر على الآلام واختار رضا الله هو أفضل حتى من الملائكة ، ولذا أمرهم سبحانه بأن يسجدوا لآدم نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة ، فالملائكة مخلوقون بغير قدرة على الاختيار ، لا يعصون الله أبداً ، ويفعلون ما يؤمرون به .


لن ننمو روحياً إلا بالمحن والابتلاءات !


ومع كل صحيفة من القرآن أقرؤها تتعزز لدي صورة الحياة بأنها اختبار وامتحان .

لقد أصبح الأمر واضحاً لي الآن بأن المعاناة ضرورية لنمونا في الفضيلة ، وينطبق القول نفسه على العقل البشري والإرادة البشرية . إذ يؤكد القرآن على كل من المعاناة والعقل والاختيار بصورة متكررة ، ويؤكد أن لها جميعاً أدواراً في تطورنا الروحي ، إن عملية تعلم كيفية النمو في الرأفة مثلاً لا يمكن أن تُدرك من دون المعاناة ، وكلما ازددنا نمواً في الرحمة تعاظمت مقدرتنا على معرفة رحمة الله غير المحدودة ، وكلما تعلمنا الصفح والغفران أكثر ، ازددنا مقدرة على معرفة غفران الله وعفوه غير المحدود ... إن المعاناة حيوية للعقل والإرادة لنجرب هذه الفضائل وندركها .



" ثلاثية " التنمية الروحية للإنسان !


ومع المضي في رحلتنا نجد أن القرآن يشدد على الملامح الثلاثة التالية من مسيرة حياة الإنسان :

1 - التفكير أو العقل
2 - حرية الإرادة والاختيار
3 - البلاء والمعاناة

بل القرآن يؤكد بصفة مستمرة وفي آيات كثيرة على أن تطور الإنسان الروحي والأخلاقي يمر بتلك المكونات الجوهرية :

- العقل : وهو أداة قياس نتائج اختبارنا والتعلم منها .

- الإرادة الحرة : أو القدرة على الاختيار .

- المعاناة والشدائد والمحن : وهي لا تقل أهمية عن العنصرين السابقين .

وحتى يتعلم الإنسان أهمية الصدق فإن هذا يتطلب وجود خيار الكذب وبالتالي : القدرة على التمييز والاختيار ... وهكذا فالحياة هي عملية مستمرة من النماء والفساد ، وعلى الرغم من أن الله يقدم لنا فرصاً عديدة لدرب الهداية إلا أنه يدعنا لنخطئ فبالتجربة والخطأ ، وبإدراكنا لأخطائنا وتسامينا فوقها نتعلم ونتقدم نحو مستوى أعلى من الصلاح .


كيف أتعامل مع الأسئلة الجوهرية ؟


ومن أسئلة " جيفري " التي أقلقته وبحث عن إجابتها في القرآن : هل نحن مزودون بالبيئة والقانون الملائمين لنمونا الروحي ؟ وإذا كان الأمر كذلك هل ستكون ملائمة كذلك لو أزيلت الآلام منها ؟

كانت كل أسئلته تقريباً تتلخص فيما يسمى بمشكلة الشر ، لماذا هذا العالم يضج بالآلام والشرور ؟

لماذا يوجد مرض وموت ومصائب وجرائم وحروب ومعاناة ؟

لماذا يعاني البشر ؟

جاء طرحه لسؤاله السابق المكون من فقرتين بعد أن اهتدى إلى أن الله خلق آدم وميزه بالذكاء ومنحه العقل والإرادة الحرة الأخلاقية للتمييز بين الصواب والخطأ ، وكم كان رائعاً وهو يفكر بعقلية منهجية في الجواب عن أسئلته ، فقد قال : ( إن مفتاح الوصول إلى الحقيقة هو إيجاد الأسئلة الصحيحة ، الأسئلة التي تعزل القضايا الجوهرية ، فعندما بدأنا تحقيقاتنا كانت أسئلتنا عامة وتحوي أسئلة فرعية في ذاتها ، ولكن إن كنا مفلحين فسوف نتمكن من تقسيم بحثنا إلى عدد من الأسئلة التي لا تتقلص و تُختزل ، ومن نجيب عنها واحداً تلو آخر . هذا ما ساعدني القرآن على عمله ، لم يزودني دائماً بأجوبة واضحة ، ولكنه كان يرشدني من خلال عملية التساؤل ، وعندما وصلت إلى السؤال المذكور آنفاً لم أتعب في البحث عن جوابه . فالأمر واضح بأننا مزودون ببيئة وقانون ملائمين لنمونا في الفضيلة ، وهناك أمثلة كثيرة عنّا ... هناك أمثلة عديدة لحالات درامية تتعلق بمجرمين انقلبوا في النهاية إلى صالحين يضرب بهم المثل في الفضيلة ، ففي حياتي الخاصة واجهتُ فرصاً عديدة للاختيار بين الصواب والخطأ ، عرفتُ بفضلها نتائج الشر المدمرة ، ونتائج الخير المعمرة ، وعلمت بفضل ملاحظاتي وخبرتي أن السلوك الخاطئ والسلوك الصحيح يغدوان عادة تتأصل في شخصية المرء .

باختصار وتصرف من : كتاب ضياع ديني ص 148 – 150 ، وكتاب حتى الملائكة تسأل ص 54 ، وص 103-105



لماذا بدأ يشك في إلحاده ؟


ويقف " جيفري" موقف المراجع لنفسه بعد أن وجد تأثير القرآن وحقائقه عليه ، ويسطر لنا ببراعة مثيرة تلك اللحظات ، لحظات التردد : إلى أين سينتهي بي المطاف مع هذا القرآن ؟ فيقول : ( بدأت دراستي للقرآن كتحقيق منطقي عقلي بسيط ، ولكنها بدأت تأخذ بالتدريج أبعاداً روحية ، واكتشفت في أثناء قراءتي للقرآن أن مناقشاتي الفسلفية ضد وجود الله - - وكنت أعتقد أنها قوية منيعة - أضعف بكثير مما كنت أظن ، وجدت أنها كانت مبنية على مجموعة مقولات لم يقبلها القرآن ، ومن جهة أخرى عرض القرآن تفسيراً للوجود البشري قائماً على تصورات لم أفكر بها من قبل أبداً ومع ذلك بدت لي طبيعية إذ اكتشفت تماسكاً ملفتاً للنظر، وعندما تبددت معارضاتي لوجود الله بدأت تنتابني الشكوك بشأن الإلحاد ) ضياع ديني ص 164
وهنا تبلغ الحبكة قمة التعقيد ، فماذا بقي في جعبة " جيفري " وصراعه مع شكوكه ؟ هذا ما سنحاول اكتشافه في الحلقة القادمة إن شاء الله .










عرض البوم صور عزتي بديني   رد مع اقتباس
قديم 11-05-13, 03:05 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
عزتي بديني
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 5178
المشاركات: 4,486 [+]
الجنس: انثى
المذهب: أهل السنة والجماعة
بمعدل : 0.93 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 27
نقاط التقييم: 510
عزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمر

الإتصالات
الحالة:
عزتي بديني غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عزتي بديني المنتدى : بيت المهتدون إلى الإسلام ومنهج الحق
افتراضي

الحلقة الرابعة : وأدهشني القرآن ..هذه هي غاية الإنسان في الحياة !

في المقال " الرابع " ستجد إجابة عن :

لماذا أبكته هذه السورة لأكثر من نصف ساعة ؟
ما أهم سؤال في الحياة ؟
ما الذي أدهش البروفسور ؟

هيمنة القرآن !

يؤكد " جيفري لانغ " باستمرار وإلحاح على أن للقرآن سيطرة وهيمنة على القلوب والعقول ، منوهاً بأن هذا الأمر يلاحظه حتى غير المسلمين ، وفي إحدى المرات استدل على ذلك بما ذكره المستشرق البريطاني المعروف آرثر . آربيري في مفتتح ترجمته للقرآن الكريم حين ذكر أنه وجد في القرآن عوناً له في بعض الأوقات الصعبة التي مر بها في حياته قائلاً : " إنه حينما يستمع إلى القرآن يُتلى بالعربية فكأنما يستمع إلى نبضات قلبه " حتى الملائكة تسأل ص206


أهم سؤال على الإطلاق !

ولا يزال البروفسور " جيفري" يحكي للقراء قصة إسلامه ورحلته مع القرآن التي استمرت لأسابيع يدرس فيها ويحلل ويبحث بمنهجية منظمة عن أسئلة الوجود التي أقلقته ، ولقد كان سؤال :

ما غاية الإنسان في الحياة ؟ أوهل للحياة معنى ؟ هو جوهر صراعه طوال حياته قبل أن يطمئن قلبه إلى الدخول في الإسلام ، بل قال مرة أنه كتب كتبه لغرض أن ينتفع أولاده بها : ( آملاً أن يعينهم صراعي في البحث عن معنى الحياة ) حتى الملائكة تسأل ص 19 .

وقال : ( إن السؤال عن غاية الحياة هو أمر جوهري... إن الطبيعة الإنسانية تشتمل على روحانية لايمكن تجاهلها ، بل هي حاجة غريزية تدفعنا كي يرى كل منا حياته على أنها ذات معنى ، ويردد " فيكتور فرانكل " مقولة مفادها أنه إذا ما استطاع أحد ما أن يمد الإنسان بإجابة قاطعة بـ " لماذا" نحيا ؟ فإننا لا محالة سوف نجد " كيف" نحيا ؟ ، ولكنها لا يمكن أن تكون أية " لماذا " ، بل لابد أن تكون ملزمة عقلياً وفكرياً وروحياً ) حتى الملائكة تسأل ص 22 - 23


إيجابية الابتلاء وديناميكيته !

ويحاول البروفسور أن يجد الجواب ، ولندعه يتحدث عن تجربته في ذلك ، يقول :

إن القاسم المشترك بين المؤمن والملحد هو ردود أفعالهما حيال المعاناة الإنسانية ، فالأول قد يعد ذلك أمراً مستحقاً أو سراً لا سبيل إلى فهمه ، في حين ينظر إليه الثاني على أنه أمر غير ضروري ولا يمكن تسويغه ، ولكن القرآن لا يؤيد أياً من وجهتي النظر هاتين . فالبلاء والمحنة يُعتقد أنهما حتميان وضروريان للتطور الإنساني ، ولا بد للمؤمن والملحد أن يمرا بهذه التجربة ، إن الإنسان لا يترقى من خلال معاناة الصبر فقط ، ولكن أيضاً من خلال المجاهدة والكفاح ضد مشاق الحياة وابتلاءاتها ، وهذا يشرح سبب كون الجهاد أحد المفاهيم الرئيسة في القرآن – لأنه عنصر تغيير ومقاومة - ، إن موقف القرآن حيال المعاناة والابتلاء ليس سلبياً بل إيجابياً وديناميكياً فعالاً ، لم تكن الحياة يوماً سهلة ، ولم يُقصد منها أن تكون سهلة ، ويشير القرآن إلى أن الحياة الناجحة هي أشبه باقتحام " العقبة ( فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة ) البلد: 11 - 12 ، وهو اقتحام يحاول معظم الناس تحاشيه ؛ لأنهم يحبون السهولة والكسل .

هذا ما أدهشني في القرآن !

لقد دهشت من إصرار القرآن الشديد على النشاط الاجتماعي من خلال التأكيد المستمر على الجهاد في سبيل الله وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مما يؤكد أن القرآن يحث المؤمنين على الانخراط في الحياة السياسية والاجتماعية ، وقد كنت أعتقد أن الدين شأن خاص وشخصي ، لكن القرآن يقول لنا بشكل صريح : إن الإيمان يجب أن يتضمن عملاً قوياً لخير المجتمع وإصلاحه .

إن القرآن يقول وبلا شك : إن للحياة سببها ، وإن ذلك السبب يتعلق بتعزيز علاقة معينة بين الله والإنسان الذي عليه أن يقترب من الله من خلال الممارسة العملية وليس بمجرد التصورات والأفكار فقط ، بل لا بد أن يقوم بممارسة بعض الصفات الفاضلة ، التي هي في الحقيقة من أسماء الله الحسنى أيضاً ولله المثل الأعلى ، فالله رحيم يحب الرحماء ، كريم يحب الكرماء ، حكيم يحب الحكماء ، عدل يحب العادلين ، وهكذا .

أين مفتاح الفوز في الحياة ؟

إن مفتاح الفوز في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة قد بينه القرآن بياناً قاطعاً وفي أماكن متعددة بحيث لا يخفى ذلك على أي قارئ جاد ، فالقرآن يؤكد على أن الوحيدين الذين سوف يستفيدون من حياتهم في الدنيا هم ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فهذه العبارة القرآنية تتكرر في القرآن بكثرة ، وهي تؤكد على العلاقة المتبادلة والحتمية للإيمان الصحيح مع الأعمال الصالحة ، والفعل "عمل" يعني "أنجز" و "فعل" و "أحدث" و "صنع" ، وجميع ذلك يتضمن بذل الجهد والطاقة والفعل والنشاط والعمل العام ، وتشير عبارة " وعملوا الصالحات " إلى أولئك الذين يواظبون بكد على إصلاح الأمور ، وعلى إعادة الأمن والاستقرار .

هذه غاية الحياة !

وهكذا تتبدى لنا غاية الحياة : علينا أن نوطن أنفسنا على الفضيلة والحكمة والعدالة والرحمة والعفو والصلاح ، وأن نهتم بالناس ، وأن نحبهم ، وعلينا أن ندرب أنفسنا على الرحمة والصبر والكرم ، وذلك من خلال كفاحنا وجهادنا في سبيل العيش ، وفي القرآن نجد أن هذه الخصال هي خصال الإيمان الصحيح ، يجب علينا أن نتشرب من هذه الخصال وننميها في النفس إن استطعنا ، ليس فقط لنجعل من الدنيا مكاناً أفضل للعيش ، بل لأنها حالات سامية من الواقع الذي خلقه الواحد الأحد سبحانه ، وإذا ما نشأنا على هذه الخصال فإننا نكبر في الوقت نفسه بقدرتنا على أن نتلقى ونشعر برحمة الله وعفوه وحنانه وعدله ومحبته ، وبهذه الطريقة نزداد قرباً من الله .

ولكن كيف نتصور مفهوم القرب من الله ؟

لنأخذ المحبة كمثال فكلما تذوقنا محبة الناس لنا ازدادت خبرتنا بمحبة الله ، وإني أدرك أن خبرة ابني بمحبتي له أكبر من خبرة " قطتي " التي هي بدورها أكبر من خبرة " أسماكي " ؛ لأن طفلي يعرف الحب بمستوى يفوق " القطة " أو " السمكة " . وأظن أن محبتي لوالديّ اليوم هي أكبر من محبتي لهما عندما كنت طفلاً ، ذلك أني منذ أصبحت أباً بدأت أعرف وأشعر بشكل أفضل بقوة هذا الحب لأنني عانيت منذ رزقت بأطفال ، وبالمعاناة يتعمق الفهم ويزداد .

بلا عطاء و مشاركة لن يكون للحياة معنى !

ومن خلال الوصايا العديدة الواردة في القرآن ووصفها لأفعال وأنماط الأفراد الذين يحبهم الله ، أجد من اليسير إنشاء قائمة جزئية بالصالحات من الأعمال ، فعلى المرء وفق القرآن أن يكون محسناً ورحيماً وغفوراً مسامحاً للآخرين وعادلاً وأن يحمي الضعيف وأن يدافع عن المظلوم وأن يطلب المعرفة والحكمة وأن يكون كريماً صادقا متواضعاً محباً للآخرين ويجب علينا أن نعلّم الآخرين ونشجعهم على ممارسة هذه الفضائل ، ونحن تبعاً لذلك نتعلم ونترقى في هذه الفضائل أيضاً .

إن الحياة هي في الحقيقة ليست مسألة أخذ فحسب بل مسألة عطاء ومشاركة ، وهذا ما يعطي الحياة معناها وغايتها . فالعقيدة والأخلاق العملية والروحانية تتداخل كثيراً في القرآن بعضها مع بعض لدرجة التمازج .

إن الإيمان والعمل الصالح ضروريان إذا ما أردنا أن نعرف الله ونتقرب إليه ، فعندما نكون رحماء تجاه مخلوق آخر ، فإن ذلك الكائن يكون متلقياً لرحمة الله من خلالنا ، وبمعنى آخر إن الفضائل التي يعيش الإنسان تجربتها إنما هي مظهر من مظاهر أسماء الله الحسنى .

لا معنى للحياة بلا محبة الله !

إن غاية وجودنا الأساسية هي أن نحب الله وأن يحبنا الله ، ولا يمكن أن نقيم علاقة محبة مع من ننكر وجوده ، إن حب الله بالتأكيد سيُمنح لأولئك الذين يُشاركونه هذا الحب ويحبونه ، وهذا ما يرفضه الكثيرون .

إن القرآن يبين لنا أن أعمالنا لا تنفع الله ، بل الإنسان هو الذي ينتفع بها أو يخسر ، ومع ذلك يبين القرآن أن الله يريد من خلال التجربة الأرضية التي يخوضها الإنسان أن يرفع الأشخاص الذين يحبونه ، إن حياة التقوى والعلاقة مع الله تمنحنا السعادة والنمو الذاتي وسلاما داخلياً ، وتجعلنا أقدر على الاتصال به سبحانه ، ولكننا لن نستطيع أن نحصل على كل ذلك إلا بالكفاح والمعاناة على الأرض .

هل سيفتح الله على قلبي ؟

وبعد أن انتهت قراءتي للقرآن التي استغرقت عدة أسابيع وكأنها سنوات ، وجدت أن القرآن قد أيقظ فيّ روحانية كنت أنكر وجودها في نفسي وسيطر عليها ، ولكن رحلتي مع القرآن انتهت الآن .

تساءلت بعد ذلك :

هل سيفتح الله على قلبي فأرى ؟

هل يمكن أن يكون هناك إله حقاً ؟

لماذا كنتُ أنكر وجود الله ؟

وما الهدف من الاستمرار في الإنكار ؟

كم من آيات القرآن ومناقشاته التي وصلت إلى قلبي وألهمتني ؟

لِمَ لا أعترف بأن هذا الذي كنتُ أتوق له توقاً موجعاً ، وأن هذا الذي كنت أفتقده وأسعى إليه ، ليس سوى الله ؟

لماذا لم أتخلَ عنه ولم يتخلَ عني ؟

إن الله لا يتخلى عن أولئك الذين يبحثون عنه ، عندما قرأت السورة الثالثة والتسعين (سورة الضحى) وهي من أواخر سور القرآن التي تعرفتُ عليها في آخر رحلتي معه .

تأثرت كثيراً لوعدها بمحبة الله المغذية للروح ، إلى درجة أني بكيتُ لما يزيد عن نصف ساعة على ما أعتقد ، شعرت كطفل ضائع أنقذته أمه بعد طول عذاب ؛ ذلك أن هذه السورة تخبرنا أن الله لن يتخلى عنا في أحلك الظروف إذا ما توجهنا إليه . ( ماودعك ربك وما قلى .. ووجدك ضآلا فهدى ) الضحى: 3 - 7

ووقعت المفاجأة !

في الثامن من نوفمبر من عام 1982م نحو الساعة الثالثة ظهرا ذهبت إلى المسجد في سان فرانسيسكو ، قلت لنفسي : سأذهب لأطرح بعض الأسئلة ؛ لأن اعتناقي للإسلام كان مستحيلاً ، وبعد نصف ساعة خرجت من المسجد مسلماً !

وفي الحلقة القادمة إن شاء الله سنكمل هذه الرحلة الجميلة ، فلم تزل في جعبة بروفسور الرياضيات المسلم مكاشفات مشوقة للغاية .·
ملحوظة : النقل من كتاب صراع من أجل الإيمان مواضع عدة منها ( ص 98 – 102) ، وكتاب حتى الملائكة تسأل ( ص 63-87)، وضياع ديني ( ص 125 – 167) باختصار وتصرف .










عرض البوم صور عزتي بديني   رد مع اقتباس
قديم 11-05-13, 03:28 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
عزتي بديني
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 5178
المشاركات: 4,486 [+]
الجنس: انثى
المذهب: أهل السنة والجماعة
بمعدل : 0.93 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 27
نقاط التقييم: 510
عزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمر

الإتصالات
الحالة:
عزتي بديني غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عزتي بديني المنتدى : بيت المهتدون إلى الإسلام ومنهج الحق
افتراضي

الحلقة الخامسة : إعترافات خطيرة لملحد سابق

في هذا المقال ستجد إجابة عن هذه الأسئلة :

- ماذا قال " جيفري " في دعاء أول صلاة بعد إسلامه ؟

- ما المغري في الإلحاد ؟

- هل للملحد أخلاقيات ؟

- ما أكثر شيء يرعب الملحد ؟


من الأمور اللافتة للانتباه قلة " الوثائق" في المراجع العربية التي يتحدث فيها ملاحدة سابقون بالتفصيل عن " خارطة نفسياتهم وتفكيرهم " أبان إلحادهم، وفي نظري أن من أهم تلك الوثائق حديث د. " جيفري لانغ " عن أسراره النفسية في مرحلة إلحاده التي سبقت دخوله إلى الإسلام، والخطير في الأمر لأي دارس لظاهرة الإلحاد أنه سيجد تلك الوثيقة " اللانغية " إن صح التعبير تحمل في طياتها معلومات في غاية الأهمية صادرة عن تجربة حقيقية بل ومن غربي تربى على ثقافة حرية التعبير والتفكير ولا يعاني من ضغط اجتماعي يحول بينه وبين التصريح بماضيه الإلحادي ، ثم هو بعد ذلك كله آمن بالإسلام وعاش في نور الهداية أكثر من ثلاثة عقود مما يتيح له أن يشخص " نفسية الملحد وتفكيره " تشخيصاً أقرب إلى الموضوعية والعلمية من غيره ، ومثل هذه الوثيقة المفصلة من الندرة بمكان في المكتبة العربية المعاصرة، لذا أحببت أن أعرضها على القراء الكرام لتحقيق الفائدة خاصة للمتابعين لظاهرة الإلحاد الجديد التي أثارت المشهد المحلي في الآونة الأخيرة .

لماذا ألحد ؟

تحدثنا في المقالة الأولى " وجدت القرآن كأنه يقرؤني " عن بداية إلحاده ، عندما ذكر قصة عنف والده تجاه والدته التي أحبها "جيفري" حباً شديداً ، وما صاحب طفولته من خوف كبير كان ينمو دائماً من بطش أبيه وشراسته ، وفي آخر سنة في المدرسة الثانوية بدأت نقاشاته مع " الكاهن " الذي يدرس لهم مادة التربية الدينية وكانت تلك المناقشات حول وجود الله حيث كان "جيفري" يعترض على الأدلة ويشكك في قوتها ، وقد أخبره المعلم بأن عليه أن يغادر الصف وألا يعود حتى يغير وجهة نظره ، وإلا فإنه سوف يرسب في المقرر.

وقد أبلغ والده بذلك فقال له : " كيف لا يمكنك أن تؤمن بالله ؟ سوف يُذلك الله يا جيفري ! ولسوف يُخزيك لدرجة تتمنى فيها أنك لم تخلق أبداُ "

.رد جيفري : ولكن لماذا ؟ هل لمجرد أني لم أستطع الإجابة عن أسئلتي ؟

ثم يقول : " وهكذا أصبحت ملحداً في نظر العائلة والأصدقاء .. مع أني لم أتخل عن إيماني بالله .. ما قلته هو أني وجدت البراهين التي قدمت في درس التربية الدينية غير ملائمة .. ومهما يكن فإني لم أرفض هذا اللقب الجديد ، لأن المشاحنة تركت أثراً كبيراً فيّ" [الصراع من أجل الإيمان ص: 23-24 ]\

من المهم أن نقف هنا مع حالة " التهديد " الفاشلة التي يُواجه بها " مراهق متمرد " وكيف أنها قد تقوده إلى الإصرار على موقفه ، فمن يظن أن التهديد بالإكراه وممارسة التخويف للعقل المتسائل ستجعله يكف عن أسئلته وأفكاره فهو واهم ، " المراهق المتمرد " بطبعه يُحب إثبات ذاته المختلفة ويهوى بشدة أن يتميز عن السائد المحيط به ، لذلك من المهم جداً أن نتعامل مع ذلك بهدوء شديد ، وأن نمنحه فرصة التعلم وأن نفتح له باب النقاش ، فحتى اعتراضاته يمكن لنا بسهولة أن نسجل عليها اعتراضات عقليه أيضاً تتشكك فيها ، إن أسلوب الطرد والتهديد لهو أفضل هدية نقدمها للباطل وبهذا نكون بالفعل أعواناً للشيطان على ذلك الفتى ، وسيجد نفسه بعد مدة قصيرة ، وقد ارتمى في أحضان الضد عناداً وإصراراً على موقفه بل والتمادي فيه ، كما قال : " لأن المشاحنة تركت أثراً كبيراً فيّ " !! فلتكن الحكمة هي موجهنا في التعامل مع هذه الحالات ، ولا نسمح للرغبة في القهر والاستعلاء أن تُملي علينا أفعالنا ، لندع الرحمة العاقلة تُفكر لنا فهؤلاء أولادنا .

ما المُغري في الإلحاد ؟

يسجل " لانغ " تحليلاً نفسياً خطيراً للمنح التي يجنيها الملحد من الإلحاد ، فيقول : " لقد كنتُ من جيل تربى على عدم الثقة فهناك خوف دائم من أن أحداً ما سوف يؤذيك ، وخوف من شيء ما لم نكن نعلمه ، إن فكرة أن الله خلق الدنيا على هذه الحالة ، وفوق ذلك سوف يعاقبنا في النهاية جميعاً ما عدا نفراً قليلاً منا ، كانت أكثر رعباً وسيطرة على عقولنا من فكرة ألا نؤمن بالله على الإطلاق .

وهكذا فقد أصبحتُ ملحداً في سن الثامنة عشرة من عمري .. في البدء شعرت بالحرية ؛ لأن رؤيتي الجديدة حررتني من الفوبيا (الرهاب، الهلع ) .. لقد كنتُ حراً لأعيش حياتي الخاصة بي وحدي ، ولم يكن لدي ما يدعو للقلق من أجل إرضاء قوة فوق بشرية ، وكنتُ فخوراً إلى حد ما بأنني كنتُ أمتلك الجرأة لتحمل مسؤولية وجودي وأملك زمام نفسي ، شعرت بالأمان فيما يختص بمشاعري وبمداركي ، وكانت رغباتي طوع إرادتي بعيدة عن سيطرة أو مشاركة الكائن الأسمى أو أي شخص آخر ، لقد كنتُ مركز عالمي الخاص بي وخالقه ومغذيه ومنظمه ، وأنا الذي كنت أقرر لنفسي ما كان خيراً أو شراً أو صواباً أو خطأ ، لقد أصبحت إله نفسي ومنقذها " [الصراع من أجل الإيمان ص: 24-25 ]

هذا النص خطير ومذهل ، يؤكد على أن المتملحد المراهق يجذبه الإلحاد في بداياته ؛ لأنه يحرره من الخوف ، ويُطلق له رغباته بلا أي قانون حاكم ، لقد كان " لانغ " صريحاً لدرجة الألم مع النفس حين قال : " لقد أصبحت إله نفسي " ، ولنعد لوصف القرآن الدقيق لهذه الحالة ، قال تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ) الجاثية : 23

ما أدق الوصف ! لقد جعل الملحد هواه ورغباته وشهواته وميوله وتحيزاته هي المطاعة ، ولذا فقد ألّه نفسه ، لقد عبر "لانغ" عن مرحلة إلحاده السابق بدقة شديدة حين قال : " كنت أقرر لنفسي ما كان خيراً أو شراً ، صواباً أو خطأ ، لقد أصبحت إله نفسي ومنقذها ".

هل للمُلحد أخلاقيات ؟

شدد " لانغ " على أنه حتى بعد أن قرر أن يكون إله نفسه إلا أنه لم يطلق العنان لها كما لم يفكر أن يستسلم إلى الجشع تماماً ، "بل زاد اهتمامه بالمشاركة والرعاية والاهتمام ؛ لأنه كان يشعر بحب إنساني جوهري حقيقي ، ولأن الحب هو شيء حقيقي كأي شيء آخر وهو الذي يجعلنا سعداء ؛ لأنك عندما تمنح الحب فإنك في المقابل تتلقى الخير في الحال"

وفي هذا النص ما يجعلنا نؤكد على أهمية مشاعر الحب ودورها في التأثير على تحولات الملحد الإيجابية فيما بعد ، كما أننا يجب ألا نعمم بأن كل الملاحدة غير أخلاقيين بالمطلق ، فهذا التعميم غير صحيح ، إلا أن التزام الملحد بالأخلاقيات هو محل النظر ؛ لأن أخلاقياته لا يوجد مصدر إلزام لها إلا القانون الخارجي ، أما المصدر الداخلي أو الضمير والرقابة الذاتية ، فليس سهلاً عليه أن يبرهن على وجود ذلك المصدر لإلزام البشر كافة بتلك الأخلاقيات كما سيأتي تأكيد " لانغ" على ذلك بعد أسطر قليلة ، وهذه القضية هي إحدى المعضلات المستمرة إلى اليوم التي لم يستطع الإلحاد أن يجد لها جواباً مقنعاً ، بل قد لا يمانع بعضهم من القبول بالدين مع كونه في نظره من الخرافات لا لشيء إلا لعدم قدرته على إيجاد حل لهذه المشكلة .


ما المُرعب في الإلحاد ؟

اكتشف "لانغ" بعد مرور سنوات على تجربته الإلحادية أن الإلحاد قد قذف به إلى أحضان رعب جديد ، يقول : " سرعان ما تعلمت أن لا أحد يعرف الوحدة كالملحد ، فعندما يشعر الشخص العادي بالعزلة فإنه يستطيع أن يناجي من خلال أعماق روحه الواحد الأحد الذي يعرفه ويكون بمقدوره أن يشعر بالاستجابة ، ولكن الملحد لا يستطيع أن يسمح لنفسه بتلك النعمة ؛ لأن عليه أن يسحق هذا الدافع ، ويذكر نفسه بسخفها ؛ لأن الملحد يكون إله عالمه الخاص به ، ولكنه عالم صغير جداً ؛ فعالمه قد حددته إدراكاته ، وهذه الحدود تكون دوماً في تناقص مستمر..

إن المؤمن يمتلك إيماناً بأشياء تفوق إحساسه وإدراكه ، في حين أن الملحد لا يستطيع حتى الثقة بتلك الأشياء ، وعنده ليس هناك من شيء حقيقي تقريباً ولا حتى الحقيقة ذاتها. إن مفاهيم الملحد عن المحبة والرحمة والعدالة هي في تحول وتبدل حسب ميوله ونزواته ، مع الشعور بنفسه وبمن حوله أنهم جميعاً ضحايا لمسألة عدم الاستقرار ، وتراه منهمكاً في نفسه يحاول الحفاظ على وحدتها واتزانها ، وبالتالي يسعى لجعلها ذات معنى .. فالملحد يحتاج للبساطة والعزلة والانفراد .

ولكنه يحتاج أيضاً إلى أن يمد نفسه فيما وراء نفسه ؛ لأننا جميعاً نصبو للخلود ، وبمقدور المؤمن أن يتخيل السبيل لتحقيق ذلك ، أما الملحد فإن عليه أن يفكر بالحل الآن ، وذلك ربما عن طريق الزواج وإنشاء أسرة ، أو تأليف كتاب ، أو إنجاز اختراع ما .. بحيث يعيش في أذهان الآخرين .

إن هدف الملحد الأسمى ليس الذهاب للجنة بل أن يذكره الناس ، ومع ذلك علي أن أسأل : ما الفرق بين هذا وذاك في النهاية ؟!

لا شيء يشبع حاجات الملحد ؛ لأن عقيدته تخبره أنه ليس هناك شيء كامل أو شيء مطلق .. وبعد فشل تجربة زواجي الأول حزنت كثيراً ؛ ليس لأني فقدتُ حب حياتي ، أو أحداً ما لا أستطيع العيش من دونه ، إنما كنتُ أخشى أن أواجه نفسي وحيداً ثانية ، ولكن عندما فكرتُ بذلك ملياً أدركت أني كنتُ دوماً وحيداً سواء أكنت متزوجاً أم عزباً ..

وأدركت بجدية قاسية أن عالمي أصبح سجناً أو مكاناً لأختبئ فيه ، ولكنني لم أكن لأعلم مم كنت أحاول الهرب ، حقاً إنه ليس من السهل أبداً أن تصبح إلهاً " [ الصراع من أجل الإيمان ص: 25-27 ]

هل لاحظتم كيف أن "لانغ" بصدقه المذهل في حكاية تجربة إلحاده يخبرنا بأنه فر من الخوف الديني فوقع فيما هو أشد وهو الرعب الإلحادي ووحدته القاتلة مع عدم ثقته بأي شيء ، وكيف أوقعته تلك المشاعر في سجن معزول أدخل نفسه فيه ، وفي كتابه الآخر [ضياع ديني : ص 166 ] يقول : " كان الفراغ الذي أعيشه هو أكثر ما يزعجني ، ما الذي دفعني إلى مشاعر العزلة التي تنتابني باستمرار ، بالرغم أن حياتي الاجتماعية كانت كاملة ومليئة ؟

"ويعيد "لانغ" مرة أخرى وصفه الملخص لحال الملحد ونفسيته وطريقة تفكيره : " ليس من السهل أبداً أن تصبح إلهاً " وهذا هو الاعتراف الخطير : الملحد يريد بإلحاده أن يُؤلّه نفسه ويتحرر من طاعة الإله الحق ، كما قال تعالى : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً ) الفرقان :43


كيف ينظر المُلحد لمعنى الحياة ؟

يستمر "لانغ" في اعترافاته المهمة ، ويحدثنا عن محاولته البحث عن حلول ليفك حصار الوحدة القاتلة التي يشعر بها بعد أن قرر أن يصبح ملحداً ، يقول بعد انفصال زوجته الأولى عنه :

" في تلك المرحلة شعرت بحاجة ماسة لأن أثور ، أردت أن أكون كل شيء لكل الناس ، ونظرة الناس إلى كانت تعني لي الشيء الكثير، على الرغم من أني كنت أصر أنها لا تعني شيئاً ... أمضيت خمس سنوات من العمل الدؤوب في أطروحتي للدكتوراه ، وحصلت عليها ، ولكن بينما كنت عائداً إلى شقتي بعد مناقشة أطروحتي ومنحي الدرجة العلمية التي حلمت بها ، بدأت فرحتي تتلاشى ، وكنت كلما حاولت استرجاعها غمرني مزيد من الشعور بالسوداوية وخيبة الأمل والمرارة .. اعتقدتُ أن الحياة قد تكون عبارة عن سلسلة من الإعلانات التلفزيونية ، وربما يكون هذا هو السبب الذي يجعلنا توّاقين للأشياء التافهة جداً ، إننا نخدع أنفسنا عندما نعتقد أن غاياتنا في الحياة تحتوي على بعض القيم ، وفي الحقيقة ما نحن سوى نوع آخر من الحيوانات تحاول أن تعيش . وبدأت أفكر بكل شيء ثانية

هل هذا هو كل ما في الحياة ، نجاح مصطنع يليه آخر وهكذا ؟

إننا جميعاً لدينا الرغبة لكي نعلل وجودنا ، وإذا لم يكن هناك من شخص آخر يقدر حياتي إذن ما قيمة الحياة ؟

إذا لم يكن لهذه الحياة أي قيمة فلم الحياة إذن ؟ " الصراع من أجل الإيمان ص 27- 28 باختصار وتصرف .

يُطلعنا " لانغ " هنا على أن الملحد ينتهي في نظرته للحياة إلى العدمية ، فكل شيء مآله إلى الفناء ، كل شيء في الدنيا زائل ولا أهمية له ولا فائدة منه ولا معنى له، الكل مصيره إلى الأفول ، والكل سينتهي ويتلاشى ، لا إله يوجد وبالتالي لا أمل يرتجى ، ولا عدل ينتظر، ولا استمرار للفرح ولا خلود للشباب ولا بقاء لإنجاز أو ديمومة لجمال .. كما قال " لانغ " الملحد يعيش مخادعاً نفسه ، يكذب عليها يقول : لا يهمني الناس ولكنه يهتم لأبعد حد بنظرتهم إليه .إن معضلة الملحد في استناده بإفراط على منهجية " الإنكار " التي يغرق فيها فتطبع كل سلوكيات حياته ، فيمسي مُنكراً مكذباً معانداً لكل ما لا يتفق مع رغباته وميوله ، ويصبح هذا ديدنه يُنكر وينكر حتى يقع في أخطر فخ وهو أنه ينكر الحقائق ويزيفها بينه ونفسه ، ولعل في هذا ما يوضح معنى أن يُنسي الخالق سبحانه الإنسان نفسه ، كما قال تعالى : ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) الحشر:19 فهذه الآية تنطبق على الملحد تماماً ، وما أشد هذه الحال أن يُنسيك الله نفسك فتغفل عن مصلحتها وتذهل عن حقيقتها ، فترى الباطل حقاً ، وترى الحق باطلاً ، فلا تستطيع أن تعرف ما ينفعك وتنسى المهم والجوهري ، وهذه عاقبة الإنكار والتكذيب للحقيقة الأولى والكبرى الخالق سبحانه ، فمن أنكره فهو لغيره من الحقائق أنكر ، ومن كذب بألوهيته فهو إلى تكذيب حقيقة نفسه أسرع وأجدر .

هل يتحدى المُلحد خالقه ؟

في ضوء ما سبق ، من المتوقع أن نفسية الملحد ستكون دائماً متوترة مأزومة ، ويصر باستمرار على أنه هو الأفضل عقلاً وعلماً ويُغذي هذا الشعور داخل نفسه باستمرار لحد التكبر ، وإن كان في حقيقة نفسه يعلم أنه ليس كذلك ، يقول : "لانغ " مشخصاً معضلة تحدي الملحد لخالقه وهي أظهر صور النفسية المتوترة المحتقنة : " إن حياة الملحد هي بحث سقيم عن السعادة سعياً وراء أوهام فارغة ، وما كان كل إحباط إلا ليزيده عطشاً ما دام يتعلق بالجهل ، ويغرق في كل ما هو آني وزائل ، فهو يسوّغ حالته ويجادل فيها عن مبدأ وعقيدة يتحدى من خلالها ربه الذي خلقه ، ويحلف لك إنه يمتلك أنبل الأهداف ، ومع ذلك فهو يستمر بإيذاء نفسه وإيذاء من حوله، لقد عميت بصيرته ، ولفه الويل والثبور" [ الصراع من أجل الإيمان ص: 114]

وهذا التحليل في ظني يصدقه الواقع ، وهو ما ألحظه في بعض صفحات الملاحدة في " تويتر" ، إذ أجد نبرة " التحدي " الشخصي عالية بل وغارقة جداً في الذاتية الضيقة للملحد ، حتى أن المرء ليتساءل : كيف يكون أحدهم - كما يزعم - يبحث عن الحقيقة وهو محتقن بالكراهية ضد الخالق سبحانه وأنبيائه وكتابه الكريم ؟

إن الملحد المكابر وصل إلى قناعة بأنه لا رجعة ، فقد أساء الظنون بربه ، وتلفظ بأحط العبارات في حقه ، واستهزأ بكل المقدسات وأغلق بنفسه نوافذ الهداية والخير عن عقله وفكره ، كما قال سبحانه : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) الصف: 5 ، وبعد حوارات نفسية مجهدة يستسلم الملحد لشعور يائس بأنه قد ابتعد عن ساحل الأمان كثيراً ، ولم يعد هناك من فرصة للعودة ، وقد يملأ بعضهم هذا الفراغ بمعارك التحدي المستمرة ، ولا يتورع حتى عن قول : أتحداك أن تهلكني الآن ؟! كأنه يكلم طفلاً سريع الانفعال .

وأي عقلية هذه التي تتجاهل سنن الله الكونية التي أمضاها بحكمته في الوجود ، وتتغافل عن محورية مبدأ الابتلاء والامتحان الذي يحكم مسارات الحياة وأحداثها ، وتطلب من الخالق أن يُثبت وجوده بإماتته في الحال ؟!

لو استجاب الله لكل مغفل أرعن يطلب إثبات وجوده بهلاكه فوراً ؛ لما بقي لمبدأ الابتلاء أهمية ، ولزالت الحكمة من تلك السنن الكونية التي قضى الله بأن يخضع الكون لها .

ومنهم من يلطف التحدي فيقول : يا رب إن كنتَ موجوداً فخذ بيدي إليك ؟!

ويا للعجب أتشك في الله وتستجديه ؟!

أي سوء أدب مع الله هذا !

الخالق سبحانه لا يتعاظمه شيء فما الذي يحول بينك وبين أن تعزم في مسألتك ودعائك ؟!

ألا ما أبشع التكبر والتحدي !

هل يليق بضعفك وحاجتك وفقرك وهوانك أن تخاطب ربك معلقاً الأمر على وجوده إن كان موجوداً ؟!

كيف ترجو الاستجابة وأنت تخاطبه شاكاً في وجوده وقدرته ؟!

هلا قلت : اللهم أنت الهادي فاهدني يا ذا الجلال والإكرام !

جحيم الإلحاد !

إذا أردت أن تعرف معنى " جحيم الإلحاد " فاقرأ بتمعن هذا الكلام :في أول صلاة صلاها " جيفري لانغ " بعد دخوله الإسلام كان أول دعاء يدعو الله به هو هذا : ( يا رب، إذا ما جنحتُ مرة ثانية نحو الكفر بك في حياتي ، اللهم أهلكني قبل ذلك وخلصني من هذه الحياة ، إنني يا رب أجد الحياة صعبة بنقائصي وعيوبي ، ولكنني برغم ذلك لا أطيق العيش ولو ليوم واحد وأنا منكر لوجودك ) [ حتى الملائكة تسأل - ص 234 ]

وفي الحلقة القادمة إن شاء الله سنكمل رحلتنا مع البروفسور " جيفري لانغ " لنطالع أهم المحطات المتبقية في سيرته الذاتية .










عرض البوم صور عزتي بديني   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(مشاهدة الكل عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1 :
عزتي بديني
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Bookmark and Share


الساعة الآن 04:07 PM

أقسام المنتدى

قســم إسلامنا تاريخٌ ومنهاج | بيت الكتاب والسنة | قســم موسوعة الصوتيات والمرئيات والبرامج | بيت الشكـاوي والإقتراحــات | بيت الآل والأصحاب من منظور أهل السنة والجماعة | قســم الموسوعـة الحواريـة | بيت الحــوار العقـائــدي | بيت الطـب البـديـل وطـب العـائلـة | بيت الأسـرة السعيــدة | قســم الدعم الخاص لقناة وصــال | بيت شبهات وردود | بيت التـاريـخ الإسلامي | بيت المهتدون إلى الإسلام ومنهج الحق | قســم موسوعة الأسرة المسلمـــة | وحــدة الرصــد والمتـابعــة | بيت الصوتيـات والمرئيـات العــام | بيت الصــــور | بيت الأرشيــف والمواضيــع المكــررة | بيت الترحيب بالأعضاء الجدد والمناسبات | بيت الجـوال والحـاسـب والبـرامـج المعـربـة | بيت المكتبـة الإسلاميـة | بيت الأحبـة فــي اللــه الطاقــم الإشـرافــي | بيت موسوعة طالب العلم | قســم الموسوعة الثقافية | البيــت العـــام | قســم دليل وتوثيق | بيت وثائق وبراهين | بيت القصـص والعبـــــــر | بيت الإدارة | بيت الصوتيـات والمرئيـات الخــاص | بيت المعتقد الإسماعيلي الباطني | بيت مختارات من غرف البالتوك لأهل السنة والجماعة | بيت الأحبـة فــي اللــه المراقبيـــــــن | بيت أهل السنه في إيران وفضح النشاط الصفوي | بيت المحــذوفــات | بيت ســؤال وجــواب | بيت أحداث العالم الإسلامي والحوار السياسـي | بيت فـرق وأديـان | باب علــم الحــديـث وشرحــه | بيت الحـــوار الحــــــــّر | وصــال للتواصل | بيت الشعـــر وأصنافـــه | باب أبـداعـات أعضـاء أنصـار الشعـريـة | باب المطبــخ | بيت الداعيـــات | بيت لمســــــــــــات | بيت الفـلاش وعـالـم التصميــم | قســم التـواصـي والتـواصـل | قســم الطــاقــــــــم الإداري | العضويات | بـاب الحــــج | بيـت المــواســم | بـاب التعليمـي | أخبــار قناة وصــال المعتمدة | بيت فـريـق الإنتـاج الإعـلامـي | بيت الـلـغـة العــربـيـة | مطبخ عمل شامل يخص سورية الحبيبة | باب تصاميم من إبداع أعضاء أنصـار آل محمد | بـاب البـرودكــاسـت | بيت تفسير وتعبير الرؤى والأحلام | ســؤال وجــواب بمــا يخــص شبهات الحديث وأهله | كلية اللغة العربية | باب نصح الإسماعيلية | باب غرفـة أبنـاء عائشـة أنصـار آل محمـد | بـيــت المـؤسـســيـــن | بـاب السيـرة النبـويـة | بـاب شهـــر رمضــان | تـراجــم علمـائـنـا |



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant