مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
قد تطول علينا المحنة و المعاناة النفسية فينتاب النفس شي ء من الضعف و الوهن قد لا تظهره و تبدو متماسكة أمام من حولها
و قد يطول بنا وقت المرض فتحاول النفس مجاهدة أن تصمد صابرة , مع أنها تعاني في داخلها بعض اليأس
و قد تطول ساعة العسر و تطول تجربته بمقاييسنا البشرية و في ذلك ابتلاء من الله العزيز الحكيم ليرى عبده إن كان من الصابرين الشاكرين أم لا, وهل يستطيع الصمود مع الشكر والرضا أو حتى مع الصبر أم لا
ومع كل ذلك فإن اليسر ليس ببعيد مهما طال العسر فالله سبحانه يخبرنا بل و يأمرنا بألا نيأس من رحمته إذ قال تعالي (و لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )87 يوسف
فالله تعالي يختبر عباده من آن إلي آخر بإنزال النوازل و المصائب إما في النفس أو الأموال أو الثمرات أو منع عن بعض الشهوات , فالحياة كد وجهد , وربما تكون كمد وجهاد , شاء الإنسان أم أبى , و بمقدار الصبر و الصمود و الجلد يكون الاختبار و يكون كذلك مقدار الجزاء و الثواب .
الجنة غالية ...و طريقها محفوف بالمكاره و الشدائد و المحن و الابتلاءات و زاد العبد علي مشاق الطريق , هو التقوى ثم الصبر علي معاناة البلاء .
يقول ابن القيم رحمه الله : " قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها , و الثمن المبذول فيها و المنادى عليها , فإن كان المشترى عظيماً , و الثمن خطيراً , و المنادى جليلا , كانت السلعة نفيسة "
و كثير منا لا يرى البلاء إلا مصيبة لكنه لو تدبر فيه لوجد منه عدة فوائد آكدة منها :
معرفة العبد بمحبة الله تعالي له لأن الله تعالي إذا أحب عبد ابتلاه , فمن ذلك الابتلاء ترفع درجاته , و تتضاعف حسناته , و تكفر خطاياه حتى يمشى علي الأرض و ما عليه من خطيئة , قال النبي صلي الله عليه و سلم (ما يزال البلاء بالمؤمن و المؤمنة في نفسه و ولده و ماله حتى يلقي الله و ما عليه ن خطيئة ) رواه الترمذي , و قال أيضاً (ما يصيب المسلم من هم و لا غم و لا نصب ولا وصب و لا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه ) رواه البخاري
كذلك تطهير القلوب وتنقيتها وتربية المؤمنين و صقل معادنهم و تمحيص ما في قلوبهم , قال تعالي ( و ليبتلى الله ما في صدوركم و ليمحص ما في قلوبكم و الله عليم بذات الصدور ) آل مران 154
ثم تمييز الخبيث من الطيب في الصف المؤمن , قال تعالي ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) آل عمران
كذلك ينتج من تلك المواقف الاختبارية تعلق المؤمن بالله سبحانه وارتباطه بحبله المتين ومعرفته بفقره لربه , ومعرفة قدر الحياة وقيمة المتاع , مقارنا بمتاع الخلود في الآخرة
و تحصيل ثواب الصبر والثبات , يقول الله تعالي : (و الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم و أقاموا الصلاة و أنفقوا مما رزقناهم سراً و علانية و يدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار , جنات عدن يدخلونها و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذريتهم و الملائكة يدخلون عليهم من كل باب , سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار ) 22-24 الرعد
وبالعموم فمهما زاد البلاء و أثقلنا , فعلينا التأسي بأصحاب القدوة من الأنبياء و الصالحين , فالتأسي بهم يهون علي العبد أموراً كثيراً , و يرزقنا الرضا و التسليم و القناعة بأن هذا هو ثمن الطريق إلي الجنة , فيخفف علي العبد ما يلاقيه من آلام ذلك البلاء عندما يجد من هم أفضل منه قد لاقوا و لاقوا فكان دربهم الصبر و الاحتساب ابتغاء الأجر من الله تعالي .
و لنأخذ من نبي الله أيوب كنموذج عبرة وعظة على مستوى الفرد فقد ابتلاه الله تعالي بالمرض فصار قعيداً عاجزاً فضرب لنا مثلاً في الصبر والرضا والتسليم والقبول , فعندما أنهكه المرض و الألم نادي ربه بهذا الدعاء ( أني مسني الضر و أنت أرحم الرحمين ) , ليكشف عنه ما أصابه من ضر و يدفع عنه وساوس الشيطان الفاسدة التي سعت جاهدة أن تزيده ألماً و عذاباً علي ما هو فيه و هذا عزم المؤمنين الصالحين , فقد ذكر أنه ابتلي بذهاب إبله و غنمه و ماله كله و موت أولاده , ثم أبتلي في جسده بما أصيب من قروح و ثآليل كبيرة , ثم ابتلي بالشلل والقعود و طالت هذه المعاناه سنوات و مع ذلك لم يضق بما أصيب به في نفسه و في ولده و في ماله و إنما توجه بالدعاء لربه ليرحمه مما فيه من ضر و قد استجاب الله تعالي لعبده أيوب فكشف ما به من ضر قال تعالي : (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر و آتيناه أهله و مثلهم معهم رحمة من عندنا و ذكرى للعابدين ) الأنبياء 84
أيضاً فإن ما تقع فيه بعض الشعوب الإسلامية الآن على مستوى الجماعة المؤمنة لهو من البلاء فنجد من إراقة الدماء و تشتيت الصف و حالات الانقسام و الفوضى و الانهيار الذي تغلل داخل النفوس فهذه مأساة يقول الله تعالي : (واعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا )
فليكن لنا في رسول الله صلي الله عليه و سلم أسوة حسنة فقد كان يلاقي هو و أصحابه من الفتن والمصائب والشدة ما يلاقونه ولكنهم صبروا وتحملوا الأذى في سبيل الله , فكانت تنزل عليهم التوجيهات الإلهية تبين لهم أن ما يلاقونه من الشدائد إنما هو سنة الله تعالى في تمحيص المؤمنين , فطريق الأنبياء والصالحين وهم الجماعة المسلمة الأولى هو نفس طريق كل جيل , إيمان وجهاد ومحنة وابتلاء وصبر وثبات وقد قال رسول الله " عجبا لأمر المؤمن أمره كله خير وليس ذلك لأحد غير المؤمن , إذا أصابته سراء شكر فكان خير له , وإذا أصابته ضراء صبر فكان خير له "
ولكي نخوض رحلة البلاء دون جزع علينا بعدة وسائل كي تعيننا على الثبات منها مراجعة موقفنا مع كلام الله و الإقبال على القران الكريم ثم ذكر الله تعالي الدائم الذي لايفتر فهو يطرد الشيطان , و يزيل الهم و يشرح الصدر , والتزام شرع الله والعمل الصالح , قال تعالى :"يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " , كذلك ينصح العلماء بتدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل قال تعالى :" وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين " , وفي كل حالة لايستغني المرء عن الدعاء , فالبلاء يجعل الإنسان في كرب فعلى الإنسان أن يتعهد أدعية الكرب ويمعن في الدعاء المخلص الصادق .
إن البلاء واقع واقع يقول سبحانه :" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " , والتباين بين الناس بالصدق والقصد , فليس علينا إلا أن نحسن الظن بربنا آملين منه الفرج بعد الضيق و اليسر بعد العسر فهو سبحانه الحليم بنا , عالم الغيب , بيده الخير , وهو علي كل شىء قدير , وهو سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه يقول تعالي : " أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) 62 النمل
عن حذيفة رضى الله عنه، أنه أخذ حجرين، فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه:
هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟
قالوا: يا أبا عبد الله، ما نرى بينهما من النور إلا قليلا.
قال: والذي نفسي بيده، لتظهرن البدع حتى لا يُــرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور،والله، لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء،
قالوا: تُركت السنة !.
.
[البدع لابن وضاح ١٢٤]