حفظ الله بأهل الحديث هذا الدين ، وكانوا رحمهم الله لا تأخذهم في الله لومة لائم .
أما المبتدعة فأعدى أعدائهم هم أهل السنة وأهل الحديث حتى قال بعضهم :
يدعون أهل الحديث وها هم *** لا يكادون يفقهون حديثا
وقال آخر في ذم المحدثين :
زوامل للأخبار لا علم عندهم *** بجيّدها ، إلا كعلم الأباعرِ
لعمرك ما يدري المطي إذا غدا *** بأحماله ، أو راح ما في الغرائر
فهو يشبههم بالزاملة التي توضع على البعير ويوضع بداخلها الكتب ، والبعير لا يدري ما فيها وكذب وكذب ، فإنك إذا قرأت في تراجم الكتب مثل : (( صحيح البخاري )) ، و(( سنن ابن ماجه )) ، (( وصحيح ابن خزيمة )) ، (( وصحيح ابن حبان )) ، و (( سنن البيهقي )) ، تجد أن تلك التراجم تدل على فقه عميق ، فإن التراجملم تأت عفوا ، بل جاءت بتفكير ، وترتيب عجيب .
وماذا عند المعتزلة من الهذيان فقد ماتت المعتزلة وماتت أفكارها ، وكانوا في غاية من الذكاء حتى إن أول معتزلي وهو واصل بن عطاء كان خطيبا مصقعا ، وكانت به لثغة في لسانه فلا يستطيع أن ينطق الراء فكان يتجنب النطق بالراء في أسرع وق حتى قال بعضهم :
ويجعل البر قمحا في تصرفه *** وخالف الراء حتى احتال للشعرِ
وهكذا أبو هذيل وإبراهيم النظاموغيرهم من الأذكياء .
وكذلك الطبيب الملحد – وبعضهم يسميه الطبيب المسلم – ابن سيناء في غاية الذكاء ، فأين ذهبت علومهم التي حاربوا بها هذا الدين ؟
فقد ماتوا وماتت علومهم حتى قال بعض الفلاسفة عند أن رجع إلى السنة وهو الرازي :
نهاية إقدام العقول عقالُ *** وغاية سعي العالمين ضلالُ
وأرواحنا في وحشة من جسومنا *** وغاية دنيانا أذىً ووبالُ
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيلَ وقالوا
فأرواحهم في وحشة ، بخلاف المحدث فإنه في طمأنينة في جميع أوقاته .
ويقول الشهرستاني :
لعمري لقد طفت المعاهد كلها *** وسيّرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائرٍ *** على ذقنٍ ، أو قارعا سن نادمِ
فقال الصنعاني رحمه الله في ديوانه معقبا على هذين البيتين :
لعلك أهملت الطواف بمعهد الـــ *** ـــرسول ومن والاه من كل عالمِ
فما حار من يهدي بهدي محمدٍ *** ولست تراه قارعا سن نادمِ
فحالتهم في اضطراب وقلق ، وهكذا حالة المبتدعة العصريين في اضطراب وقلق ، والسني يتمتع براحة وطمأنينه لا تعادلها الكراسي ولا النجمات العسكرية ، ولا أصحاب الأموال والتجار .