إن الآدابَ عند أمم الأرض قاطبة مطلبٌ سامٍ لا يختلف فيه اثنان من ذوي الفطرة الإنسانية السوية، ونحن أهلَ الإسلام زادت آدابنا على غيرنا من جهة أنها ربانية المصدر فهي إذن عبادة وباب عظيم للأجور، وهي غاية ووسيلة في آن واحد.
غاية لأنها عبادة، ووسيلة لغيرها لأن بها تحصيل لآداب أخر.
ومن هنا فإن الإخلال بأي قيمة خلقية سيؤدي إلى أن يَحُلّ محلَّ العبادة ضدُّها، وبالتالي يكون هذا الضد له ثمرات مُرّة.
والأخلاق لها قمّة منها تنبثق بقيتُها، وقد جعل نبيُنا قمةَ أخلاقِ الإسلامِ الحياءَ: "إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلامالحياء". وأصل الجملة في التركيب: [الحياءُ خُلقُ الإسلام]، فلما قدّم ما حقه التأخير دل على الاختصاص والقصر؛ فأخلاق الإسلام مرجعها إلى الحياء، فكأن الحياءَ هو الخلق الوحيد للإسلام؛ لأنه وسيلة لغيره، كما تقول عن رجل له أربعة أبناء لكنّ أحدَهم هو البارُّ أكثر من غيره فتقول: ابنُ زيدٍ عمرُ. ويختلف المعنى إذا قلت: عمرُ ابنُ زيد.
ومن هنا كان غرس الحياء في الصغر أمر محتَّم؛ لأنه سيقود المتربي لبقية الأخلاق، فالمسلم لا يكذب حياءً، ولا يسرق حياءً، ولا يفحش القول حياءً، ولا يتعرى حياءً، ولا يغش حياءً...إلخ.
فالحياء وشاح الآداب يضمها تحت جناحه.
وهذا الخلق العظيم مطلب في الذكر والأنثى غير أنه بها ألصق، وعليها أجمل، وبه تكون أروع.
ولا أقول إن الأم هي المسؤولة عن غرسه في ابنتها، وإنما هنا يأتي دور الأب؛ لأن الرجل يمتلك خاصية الغيرة، والغيرة هي الماء الذي يسقي نبتة الحياء.
فإذا نضب معين الغيرة ماتت أزهار الحياء حتما؛ فاسقِ أيها الرجل أزاهيرَك، فإنما أريجُها سيعود عليكَ.
فعلّمها الحياء بتفاصيله قولا وفعلا، ظاهرا وباطنا
وألبسها حُللَ الحياء البهيّة
وجنّبها كل موطن يَثْلمُ حياءها ويسرقه منها؛ فإنّ السرّاق قد كثروا.