السؤال: في قوله تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )
يقول ما سر تذييل هذه الآية بقوله لعلكم تتقون الجواب: العبادات كلها مما يتقرب إلى الله -جل وعلا- به من صلاة وصيام وحجٍ وغيرها من العبادات الهدف منها تحقيق العبودية التي من أجلها خلق الإنس والجن، وتحقيق العبودية يكون بتقوى الله -جل وعلا- بفعل الواجبات وترك المحرمات، والعبادات إذا أديت على الوجه المأمور به الوارد عن الشرع سواء في الكتاب أو في السنة لا بد أن يكون مآل صاحبها إلى تحقيق التقوى، فإذا صام الإنسان صومًا شرعيًا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وحفظ صيامه من أن يخدشه؛ لأنّ الصوم جُنة ما لم يخدشه صاحبه أو جُنّة ما لم يخرقها فلا شك أن مئآله إلى التقوى- بإذن الله-، وإذا وجد من يصوم في النهار ويعصي في الليل فإنه لن يجد الأثر في هذا الصيام؛ لأنه ليس على الوجه الشرعي المطلوب، والصلاة التي لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر لا بدّ أن يكون فيها خلل وقل مثل هذا في الحج ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَِ )البقرة: 203
بهذا القيد فمتى يرتفع الإثم عن الحاج ويعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه إذا اتقى في حجه «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه»[البخاري:1521]، والصلاة التي تُؤدَّى على الوجه الشرعي «صلوا كما رأيتموني أصلي»[البخاري:631]،لا شك أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن إذا وجدت الفحشاء والمنكر في سلوك بعض المصلين لا بدّ أن يكون هذا ناشئًا عن خلل في هذه العبادة، وقل مثل هذا في الصيام، وقل مثل هذا في الحج، لا بدّ أن يكون هناك خلل في أداء هذه العبادة، في كيفيتها، وفي صورتها الظاهرة، أو في معناها الباطن، لا بدّ أن يكون الإخلاص فيه شيء أو في المتابعة أما إذا أديت بشرطيها الذين لا بدّ منهما لتحقق القبول فإنّه لا بدّ أن تكون النتيجة تحقيق التقوى، فإنّ الإنسان إذا اتقى الله -جل وعلا- لاشك أن عبادته حينئذٍ تكون قد ترتبت عليها آثارها والثمرة التي أنيطت بها فبعض الناس يستدل بقوله ( وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَِ )البقرة: ٢٠٣
يقول أن التأخر أفضل لأنه قرن بالتقوى نقول هذا الكلام ليس بصحيح من تعجل في يومين فلا إثم عليه إن اتقى الله -جل وعلا- يعني ارتفع عنه الإثم إذا اتقى الله -جل وعلا- في حجه ولو تعجل، وإن تأخر فلا إثم عليه إذا اتقى الله -جل وعلا- "لمن اتقى" هذا القيد متعقب لجملتين هو ملحوظ فيهما معًا، ولا يقال إن التقوى مقرونة بمن تأخر دون من تقدم، فيكون معنى الآية مطابق وموافق لمعنى الحديث: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» فلا إثم عليه يعني ارتفع عنه الإثم إذا كان حجه مقرونًا بالتقوى سواء تعجل أو تأخر، ويؤخذ تفضيل التأخر إلى اليوم الثالث من فعله -عليه الصلاة والسلام- وأنّه تأخر.