|
22-02-24, 12:56 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
تـراجــم علمـائـنـا
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه مناقب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عبدالله بن مسعود بن غافل الصحابي القارئ الملقِّن، والغلام المعلَّم، والفقيه المفهَّم، شهِد بدرًا، وهاجر الهجرتين، وكان يوم اليرموك على النفل. وكان صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسِواكه وسِواده ونعله وطهوره. كنيته: أبو عبدالرحمن أمه رضي الله عنها: هي أمُّ عبد بنت عبد ود، رضي الله عنها، أسلمت ولها صحبة. أوصافه الخُلُقية: كان رجلًا نحيفًا قصيرًا شديدَ الأدمة. إسلامه: كان إسلامه قديمًا في أول الإسلام، في حين أسلم سعيد بن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب قبل إسلام عمر بزمان، وكان سبب إسلامه أنه كان يرعى غنمًا لعقبة بن أبي مُعَيط، فمرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ شاة حائلًا من تلك الغنم، فدرَّت عليه لبنًا غزيرًا. قصة إسلامه: روى أحمد في "المسند" (3598) وابن حبان (7061)، وقالالشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، وفيه أن ابن مسعود قال: ((كنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، فمرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا غلام، هل من لبن؟ فقلت: نعم، ولكنني مؤتمن، قال: فهل من شاة حائل لم ينزُ عليها الفحل؟ فأتيته بشاة فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، وشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: اقلُص، فقلص، ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: يرحمك الله؛ فإنك عليم معلَّم)). سادس ستة في الإسلام: وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/ 384) (32233)، وابن حبان في "صحيحه" (7062)، عن عبدالله بن مسعود، قال: "لقد رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا". بدريٌّ من أهل بدر: شهد بدرًا والحديبية، وهاجر الهجرتين جميعًا؛ الأولى إلى أرض الحبشة، والهجرة الثانية من مكة إلى المدينة، فصلى القبلتين. مناقب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أخرج البخاري والترمذي عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: ((سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدْيِ من النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى نأخذ عنه؛ فقال: ما أعرف أحدًا أقرب سمتًا وهديًا ودلًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أمِّ عبد)). وأخرج مسلم بسنده إلى عبدالرحمن بن يزيد، قال: سمعت ابن مسعود، يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذنك عليَّ أن يُرفَع الحجاب، وأن تستمع سِوادي، حتى أنهاك)). وسوادي: سري، قال: أذِن له أن يسمع سره. وأخرج البخاري والترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه قال: ((قدمت أنا وأخي من اليمن، فمكثنا حينًا ما نرى إلا أن عبدالله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لِما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم)). فضل لابن مسعود دلَّ عليه القرآن: في الحديث الذي رواه مسلم: أن عبدالله بن مسعود قال: ((لما نزل قول الله جل وعلا من سورة المائدة: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 93]، فلما نزلت وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عبدالله، أنت منهم)). خذوا القرآن من عبدالله بن مسعود: وفي الصحيحين عن عبدالله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد - فبدأ به - ومعاذ بن جبل، وأُبيِّ بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة)). أخرج البخاري عن عبدالله بن عمرو، قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، وقال: إن من أحبكم إليَّ أحسنكم أخلاقًا، وقال: استقرئوا القرآن من أربعة؛ من عبدالله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل)). وأخرج أحمد في "المسند" (35) عن عبدالله بن مسعود، ((أن أبا بكر وعمر بشَّراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)). أول من جهر بالقرآن في مكة: أخرج ابن اسحاق في "السير والمغازي" (ص 186)، وعنه أحمد في "فضائل الصحابة" (1535)، قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: ((كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبدالله بن مسعود، قال: اجتمع يومًا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يُجهر لها به قط، فمن رجل يُسْمِعهموه؟ قال عبدالله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلًا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني؛ فإن الله عز وجل سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها فقام عند المقام، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم رافعًا صوته ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ [الرحمن: 1، 2]، قال: ثم استقبلها يقرأ فيها، قال: وتأملوا فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه لَيتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك، قال: ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينَّهم بمثلها، قالوا: حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون)). علمه بالقرآن: أخرج البخاري ومسلم عن مسروق، قال: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((والله الذي لا إله غيره، ما أُنزلت سورة من كتاب الله، إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أُنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمَ أُنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه)). وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ((والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورةً، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم)). وأخرج البخاري ومسلم عن علقمة، قال: ((كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أُنزلت، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أحسنت)). وهو الذي قال فيه أبو موسى الأشعري: "لا تسألوني ما دام هذا الحَبْرُ فيكم"[1]. وروى البخاري ومسلم عن إبراهيم، قال: ((ذهب علقمة إلى الشأم، فأتى المسجد فصلى ركعتين، فقال: اللهم ارزقني جليسًا، فقعد إلى أبي الدرداء، فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة؟ قال: أليس فيكم صاحب السر الذي كان لا يعلمه غيره؛ يعني حذيفة؟ أليس فيكم - أو كان فيكم - الذي أجاره الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الشيطان؛ يعني عمارًا؟ أوليس فيكم صاحب السواك والوساد؛ يعني ابن مسعود؟ كيف كان عبدالله يقرأ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: 1]؟ قال: والذكر والأنثى[2]، فقال: ما زال هؤلاء حتى كادوا يشككوني، وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم)). نصحه لحاملي القرآن: أخرج الإمام أحمد في "الزهد" (892) عن عبدالله بن مسعود، قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بلَيلِه إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًا محزونًا، حكيمًا حليمًا، عليمًا سكينًا، وينبغي لحامل القرآن ألَّا يكون جافيًا، ولا غافلًا، ولا صخَّابًا ولا صيَّاحًا، ولا حديدًا". أقرب الصحابة إلى الله زلفى: أخرج الترمذي عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: ((أتينا على حذيفة، فقلنا: حدثنا بأقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم هديًا ودلًّا، فنأخذ عنه ونسمع منه؟ قال: كان أقرب الناس هديًا ودلًّا وسمتًا برسول الله صلى الله عليه وسلم ابنَ مسعود، حتى يتوارى منا في بيته، ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد هو من أقربهم إلى الله زلفى))؛ [قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح]. وأخرجه البخاري عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى نأخذ عنه، فقال: ((ما أعرف أحدًا أقرب سمتًا وهديًا ودلًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد)). هجرته إلى الحبشة: أخرج أحمد في المسند (4400) بإسناد ضعفه محققو المسند، عن عبدالله بن عتبة، عن ابن مسعود، قال: ((بعثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، ونحن نحوٌ من ثمانين رجلًا، فيهم عبدالله بن مسعود، وجعفر، وعبدالله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى، فأتَوا النجاشي، وبعثتْ قريشٌ عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد بهدية، فلما دخلا على النجاشي سَجَدَا له، ثم ابتدراه عن يمينه، وعن شماله، ثم قالا له: إن نفرًا من بني عمنا نزلوا أرضك، ورغبوا عنا وعن ملتنا، قال: فأين هم؟ قال: هم في أرضك، فابعث إليهم، فبعث إليهم، فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه، فسلَّم ولم يسجد، فقالوا له: ما لك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا نسجد إلا لله عز وجل، قال: وما ذاك؟ قال: إن الله عز وجل بعث إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرنا ألَّا نسجد لأحد إلا لله عز وجل، وأمرنا بالصلاة والزكاة، قال عمرو بن العاص: فإنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم، قال: ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمه؟ قالوا: نقول كما قال الله عز وجل، هو كلمة الله وروحه، ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر، ولم يفرضها ولد، قال: فرفع عودًا من الأرض، ثم قال: يا معشر الحبشة، والقسيسين، والرهبان، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يسوى هذا، مرحبًا بكم، وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، فإنه الذي نجد في الإنجيل، وإنه الرسول الذي بشَّر به عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيتُه حتى أكون أنا أحمل نعليه، وأوضِّئه، وأمر بهدية الآخرين فرُدت إليهما، ثم تعجل عبدالله بن مسعود حتى أدرك بدرًا، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له حين بلغه موته)). وتمسكوا بعهد ابن مسعود: وأخرج الترمذي عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقتدوا باللذَينِ مِن بعدي من أصحابي؛ أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدْيِ عمار، وتمسَّكوا بعهد ابن مسعود)). زهده رضي الله عنه: أخرج البغوي في "معجم الصحابة" (1411) بسنده عن تميم بن حذلم، قال: "جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ أبا بكر وعمر، فما رأيت أحدًا أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أحب إليَّ أن أكون في مِسْلاخه منك يا عبدالله بن مسعود". وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (35660) عن عبدالله بن مسعود، قال: "من أراد الآخرة أضرَّ بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة، يا قوم، فأضروا بالفاني للباقي". وأخرج أبو داود في "الزهد" (167) بسنده عن أبي عبيدة، قال: قال عبدالله: "من استطاع منكم أن يجعل كَنزه في السماء؛ حيث لا يناله اللصوص، ولا يأكله السوس، فإن قلب كل امرئ عند كنزه". وقال ابن أبي شيبة في "المصنف" (34578): حدثنا وكيع عن سفيان عن زبيد عن مرة عن عبدالله، قال: ((إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب، فإذا أحب الله عبدًا أعطاه الإيمان، فمن جبن منكم عن الليل أن يكابده، والعدو أن يجاهده، وضنَّ بالمال أن ينفقه، فليُكْثِرْ من سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)). وقال ابن أبي شيبة في "المصنف" (35692): حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله، قال: ((أنتم أكثر صيامًا، وأكثر صلاةً، وأكثر جهادًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا خيرًا منكم، قالوا: لِمَ يا أبا عبدالرحمن؟ قال: كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة)). عبدالله بن مسعود خليق بالإمارة: أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت مؤمِّرًا أحدًا من غير مشورة منهم، لأمَّرت عليهم ابن أم عبد)). أثقل في الميزان من أُحُدٍ: أخرج أحمد في "المسند" (3991) عن ابن مسعود، ((أنه كان يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكْفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ممَّ تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده، لَهما أثقل في الميزان من أُحُدٍ)). سماع النبي صلى الله عليه وسلم لقراءته: روى البخاري ومسلم (800)، وأبو داود (3668)، والترمذي (3025) عن عبدالله بن مسعود قال: ((قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليَّ، قلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال: نعم، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: حسبك الآن، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان)). سماع النبي لقراءته وتأمينه على دعاء ابن مسعود: وأخرج أحمد في "المسند" (4340) عن ابن مسعود، قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وهو بين أبي بكر، وعمر، وإذا ابن مسعود يصلي، وإذا هو يقرأ النساء، فانتهى إلى رأس المائة، فجعل ابن مسعود يدعو، وهو قائم يصلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسأل تُعْطَهُ، اسأل تعطه، ثم قال: من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل، فليقرأه بقراءة ابن أم عبد، فلما أصبح غدا إليه أبو بكر، ليبشِّره، وقال له: ما سألت الله البارحة؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك إيمانًا لا يرتد، ونعيمًا لا ينفد، ومرافقة محمد في أعلى جنة الخلد، ثم جاء عمر فقيل له: إن أبا بكر قد سبقك، قال: يرحم الله أبا بكر، ما سبقته إلى خير قط، إلا سبقني إليه)). جهاده في سبيل الله: لم يتخلف عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن أي غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد شهد المشاهد كلها. أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ((من ينظر ما صنع أبو جهل، فانطلق ابن مسعود، فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى بَرَدَ، فقال: آنت أبا جهل؟ أنت أبا جهل؟ قال: وهل فوق رجل قتلتموه - أو قال: قتله قومه - قال أبو جهل: فلو غير أكَّار قتلني))، وفي مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم (7221): ((فلو أن غيرك قتلني)). شدة اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم: ورد عن أبي قلابة، أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "عليكم بالعلم قبل أن يُقبَض، وقبضه ذَهابُ أهله، عليكم بالعلم؛ فإن أحدكم لا يدري متى يُقبَض، أو متى يفتقر إلى ما عنده، وستجدون أقوامًا يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدُّع، والتنطُّع، والتعمُّق، وعليكم بالعتيق"[3]. وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "مَن كان مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات؛ أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة وأبرَّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقْلِ دينه؛ فتشبَّهوا بأخلاقهم وطرائقهم؛ فهم كانوا على الهدْيِ المستقيم"[4]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أيضًا قال: "يجيء قوم يتركون من السنة مثل هذا - يعني مفصل الأنملة - فإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى، وإنه لم يكن أهل كتاب قط، إلا كان أول ما يتركون السنة، وآخر ما يتركون الصلاة، ولولا أنهم أهل كتاب لتركوا الصلاة"[5]. عمر بن الخطاب يثني على ابن مسعود: ولِيَ ابن مسعود رضي الله عنه قضاء الكوفة وبيت مالها لعمر بن الخطاب، وصدرًا من خلافة عثمان، ولمـا سيَّره عمر رضي الله عنه إلى الكوفة كتب إلى أهلها: "إني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرًا، وعبدالله بن مسعود معلمًا ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، من أهل بدر فاسمعوا، وقد جعلت ابن مسعود على بيت مالكم فاسمعوا فتعلموا منهما، واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بعبدالله على نفسي"؛ [أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 438) (5663)، صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي]. علمه والرجوع إليه في الفتوى: كان لابن مسعود رضي الله عنه المكانةُ العالية في نفوس الصحابة؛ لجوانب التميز في شخصيته، سيما في باب العلم والفتوى والاجتهاد؛ ولذلك أوصى معاذ بن جبل أصحابه في مرض موته، فقال: "إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، يقول ذلك ثلاث مرات، والتمسوا العلم عند أربعة رهط؛ عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام الذي كان يهوديًّا، فأسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه عاشر عشرة في الجنة))؛ [أخرجه الترمذي (3804)]. أخرج البخاري بسنده إلى هزيل بن شرحبيل، قال: ((سُئل أبو موسى عن بنت، وابنة ابن، وأخت، فقال: للبنت النصف، وللأخت النصف، وائتِ ابن مسعود، فسيتابعني، فسُئل ابن مسعود، وأُخبر بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة ابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، فأتينا أبا موسى، فأخبرناه بقول ابن مسعود، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم)). وأخرج أحمد وأبو داود عن أبي موسى الهلالي، عن أبيه، ((أن رجلًا كان في سفر، فولدت امرأته، فاحتبس لبنها، فجعل يمصه ويمجه، فدخل حلقه، فأتى أبا موسى الأشعري، فقال: حرمت عليك، قال: فأتى ابن مسعود، فسأله؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحرم من الرضاع، إلا ما أنبت اللحم، وأنشز العظم، وفي رواية أبي داود: فقال أبو موسى: لا تسألونا وهذا الحبر فيكم)). وأخرج أبو داود عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، في رجل تزوج امرأةً، فمات عنها ولم يدخل بها، ولم يفرض لها الصَّداق، فقال: ((لها الصداق كاملًا، وعليها العِدَّة، ولها الميراث، فقال معقل بن سنان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق، وفي رواية: قال: اختلفوا إليه شهرًا - أو قال: مرات - قال: فإني أقول فيها: إن لها صداقًا كصداق نسائها، لا وكس ولا شطط، وإن لها الميراث، وعليها العدة، فإن يكُ صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، فقام ناس من أشجع، فيهم الجراح، وأبو سنان، فقالوا: يا بن مسعود، نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق – وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي – كما قضيت، قال: ففرح عبدالله بن مسعود فرحًا شديدًا حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم)). وقال الإمام أحمد في "مسائله" (1147): حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل عن عامر، قال: "ما رأيت رجلًا أفقهَ صاحبًا من عبدالله بن مسعود". بيانه رضي الله عنه لأصول وأدلة الأحكام: أخرج النسائي وصححه الألباني عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: ((أكْثَروا على عبدالله ذات يوم، فقال عبدالله: إنه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي، ولسنا هنالك، ثم إن الله عز وجل قدر علينا أن بلغنا ما ترَون، فمن عرض له منكم قضاء بعد اليوم، فليقضِ بما في كتاب الله، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، فليقضِ بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فليقضِ بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا قضى به الصالحون، فليجتهد رأيه، ولا يقول: إني أخاف، وإني أخاف؛ فإن الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبين ذلك أمور مشتبهات، فدَعْ ما يُريبك إلى ما لا يريبك)). وفيه بيان حجية الإجماع. وفيه الحث على الاجتهاد في استنباط الأحكام لمن كان أهلًا لذلك. وفيه بيان لأدلة الأحكام؛ وهي الكتاب والسنة والإجماع والاجتهاد. ابن مسعود وروايته للحديث النبوي: اتفق البخاري ومسلم له في الصحيحين على أربعة وستين، وانفرد له البخاري بإخراج أحد وعشرين حديثًا، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثًا، وله عند من بقي بالمكرر ثمانمائة وأربعون حديثًا. من حدَّث عنه: حدث عنه: أبو موسى، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وعمران بن حصين، وجابر، وأنس، وأبو أمامة، في طائفة من الصحابة، وعلقمة والأسود، ومسروق، وعبيدة، وأبو واثلة، وقيس بن أبي حازم، وزر بن حبيش، والربيع بن خثيم، وطارق بن شهاب، وزيد بن وهب، وولداه؛ أبو عبيدة، وعبدالرحمن، وأبو الأحوص عوف بن مالك، وأبو عمرو الشيباني، وخلق كثير. وصيته لأتباعه: أخرج أحمد في "الزهد" (889)، وأبو داود في "الزهد" (159) عن عبدالرحمن بن حجيرة، عن أبيه، قال: كان عبدالله بن مسعود إذا قعد يقول: "إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتةً، فمن زرع خيرًا يوشك أن يحصد رغبةً، ومن زرع شرًّا يوشك أن يحصد ندامةً، ولكل زارع ما زرع، لا يسبق بطيء بحظِّه، ولا يُدرِك حريص ما لم يُقدَّر له، فمن أُعطِيَ خيرًا فالله أعطاه، ومن وُقِيَ شرًّا فالله وقاه، المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة". موته رضي الله عنه: مات عبدالله بن مسعود رضي الله عنه بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، فدُفن بالبقيع، وكان يوم توفي فيما قيل: ابن بضع وستين سنة، وصلى عليه الزبير بن العوام رضي الله عنهما. وقال فيه أبو الدرداء يوم جاءه خبر موته: "ما تُرك بعده مثله"؛ [أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1540)]. وهذا ما تيسر. والله وحده من وراء القصد. [1] أخرجه البخاري(6736). [2] الظَّاهرُ أنَّها نزَلَت أوَّلًا هكذا، ثمَّ نزَل: ﴿ وَمَا خَلَقَ ﴾، ولم يَسمَعْها أبو الدَّرْداءِ وابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنهما، فاقْتَصَرا على ما سَمِعاه؛ لأن المصحف جمع في عهد أبي بكر وأجمع عليه الصحابة. [3] الدارمي (144)، البدع والنهي عنها لابن وضاح (163)، السنَّة لمحمد بن نصر المروزي (80). [4] جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 97)، الحجة في بيان المحجة للأصبهاني (498)، الشريعة للآجري (1143). [5] مستدرك الحاكم (8584)، اعتقاد أهل السنة لللالكائي (122)، الإبانة لابن بطه (194). منقول من شبكة الألوكة ... الموضوع الأصلي: الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ... || الكاتب: السليماني || المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد
المصدر: شبكــة أنصــار آل محمــد hgwphfd hg[gdg uf] hggi fk lsu,] vqd uki >>> hggi
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
16-08-24, 03:05 AM | المشاركة رقم: 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
السليماني
المنتدى :
تـراجــم علمـائـنـا
جزاك الله خيراً وجعل ما قدمت في موازين حسناتك
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
21-08-24, 11:46 PM | المشاركة رقم: 3 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
السليماني
المنتدى :
تـراجــم علمـائـنـا
بارك الله فيك وأجزل لك المثوبة ...
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 2 : | |
السليماني, الشـــامـــــخ |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|