لا أبالغ لو قلت أني أمضيت ما ينيف على عشر سنوات وأنا أدرس بعض المواد الشرعية وخاصة العقيدة، دراسة ذاتية، فقد كنت أتابع إذاعة القرآن الكريم وأسجل دروس العلامة ابن عثيمين رحمه الله ثم أفرغها حرفيا، وغيره من العلماء، وكنت أشتري شروحات كتب التوحيد والأسماء والصفات، وأستعير من جارتي بعض الأشرطة في ذلك، لكن أكبر مصدر كان لي هو الإذاعة. في أثناء ذلك كنت أميل للبلاغة ميلا شغف قلبي، كانت تستهويني مباحثها ومصطلحاتها التي تلامس أذني لأول مرة أنذاك –مع أني درستها بالمرحلة الثانوية لكن لم تكن كما أروم- فكنت أشتري كتب البلاغة وأقرؤها من أولها لآخرها وقد لا أفهم من الكتاب إلا 40% منه فقط؛ لوعورة بعض مسالكه لكن تكشفت لي الآن بفضل الله حيث صارت اللغة العربية تخصصي. بعد أن تعلمت تعليما ذاتيا التحقت بمعهد شرعي وكان مؤصِّلا قويا لي، وأثناء ذلك التحقت بدورة عن تأصيل علم العقيدة أمضيت فيها ثلاث سنوات، درست فيها عددا من متون التوحيد بالإضافة لقسم التوحيد في مجموع شيخ الإسلام –رحمه الله-، وفي هذه الفترة أيضا ما زلت مع البلاغة في رباط الحب، وكنت أحدث نفسي بأني قطعا وحتما سأكون معلمة توحيد. بعد سنتين تقريبا من انتهاء دراستي بالمعهد فكرت بدخول كلية اللغة العربية لألتقي بمحبوبتي البلاغة، وهناك ما يسمى بالدورة التأهيلية في الجامعة، وأثناء دراستي لهذه الدورة كان في مدينتي معهد شرعي حديث النشأة ويحتاج إلى معلمة مادة (علوم القرآن) فطلبوا مني ذلك لكني رفضت مباشرة لأني أريد التفرغ للجامعة، وقبيل هذا رأيت رؤيا مفادها أني سأكون معلمة لشيء يتصل بالقرآن، ومع ذلك رفضت، فقالوا لي: ائتِ وجربي ولك الخيار بعد ذلك. قلت في نفسي: فعلا لمَ لا أذهب وأجرب. (يدبر الأمر) الخطوة الأولى: ذهبت للمعهد والتقيت بمديرته السمحة والتقيت بالطالبات وقذف الله في قلبي ارتياحا لم أعهده من قبل، ويسر علي طريقة الشرح بما لم يكن في الحسبان، وما هذا إلا توفيق محض منه على عبده الفقير. (يدبر الأمر) الخطوة الأخيرة: وبعد أيام سألت المديرة عن المواد المقررة فسردت علي حتى قالت: والبلاغة. هنا خفق قلبي؛ فبيني وبين البلاغة حب عظيم، قلت لها –وأنا لا أفكر أبدا أن أكون مدرسة للمادة- ينبغي لمن تقوم بتدريس البلاغة على دراية بعلم العقيدة خاصة الأسماء والصفات لكثرة الخلل فيها. فقالت: فهل تعرفين أحدا؟ قلت لها: لا. فنظرت إلي بصمت ثم قالت: ما رأيك أن تقومي بتدريس البلاغة؟ هنا سرح عقلي في تلك السنوات التي درست فيها العقيدة وقلت في نفسي: هل من الممكن أن أكون مدرسة بلاغة بدل التوحيد؟ هل الله عز وجل قدر أن أمضي سنوات في دراسة التوحيد لأجل أن يقيمني معلمة للبلاغة؟ خفق قلبي قبل أن أنطق بالموافقة وتحيرت كثيرا وقلت: لابد أن أسد هذه الثغرة، ذهبت للبيت واستخرت الله ووافقت. وقد قمت بشرح كتاب البلاغة المقرر للمرة الثالثة في المعهد. ومن العقيدة استطعت بفضل الله أن أقوم بتدريس البلاغة على منهج أهل السنة والجماعة. فاللهم لك الحمد والشكر على ما قدرت وما يسرت وما وهبت. وقفة تأمل: تعلّم وتعلّم فلا تدري أين يضعك الله تعالى.
لطيفة: في الفترة التي دخلت فيها الجامعة كان متزامنا مع التقائي منتديات قناة وصال التي صارت منتديات أنصار آل محمد، وكان أول منتدى أعرفه.