ظلت ذكرى قديمة تلح على السيدة خديجة ا؛ حين اجتمعت مع نساء مكة في عيد لهن في الجاهلية، فتمثل رجل يهودي يخبرهن بنبي يخرج من قريش يقال له أحمد، يُبعث برسالة الله، فلما رأت محمد وشمائله، لم تشك في كونه هو ذلك الرسول. [ابن إسحاق]
كان محمد أنضر الشباب وجهًا وأكملهن رجولة وخلقا، وكانت نفس خديجة تهفو إليه، لكنه لم يكن يفكر في الزواج لقلة ما في يده من المال.
واتفقت الروايات كلها على أن السيدة خديجة ا هي التي خطبت النبي لتتشرف بالزواج منه، ومهدت لإجراءات الخِطبة، وتجاوزت بذلك كل الأعراف والتقاليد التي تجعل الرجل هو الخاطب. [سيرة أمهات المؤمنين للنابلسي]
أرسلت خديجة صديقتها نفيسة للنبي أولًا لتتأكد من رغبته في الزواج منها، ثم ذهبت إليه وعرضت نفسها، وقالت: يا ابن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك، وسطتك (مكانتك) في قومك، وأمانتك، وحسن خلقك، وصدق حديثك.
وعن أنس أن السيدة خديجة لما زارها النبي بإذن من عمه، خرجت إلى الباب وقالت: أرجو أن تكون أنت النبي الذي سيبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي وادع الإله الذي يبعثك لي. [فتح الباري]
ليلة السعد.. كيف تزوج النبي وخديجة؟
أعلمت خديجة أهلها برغبتها في التزوج من محمدﷺ، فوجدت منهم قبولًا وترحيبًا، وكذا رحب أعمام النبي، وخرج معه إلى بيت خديجة عمّاه: أبو طالب، وحمزة.
خطبها أبو طالب لابن أخيه محمدﷺ، بحضور عمها عمرو بن أسد، فوافق ورحّب وقال: هذا الفحل لا يقدع أنفه (وهو مثل عربي يدل على الكفاءة والكرم).وأصدقها النبي بعشرين بكرة (أي: من الإبل) [ابن هشام]
وخطب أبو طالب خطبة زواج النبي قائلا :"إن ابن أخي لا يوزن به رجل إلا رجح به شرفًا ونبلًا وفضلًا وعقلًا، وإن كان في المال قلَّ، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم" يقصد النبوة [الواقدي]
كم كان عمر النبي حين تزوج خديجة؟ لقد كان عمره ﷺ خمس وعشرون (25) عاما، فيما كان عمرها أربعون (40) عاما. [ابن هشام]
في تلك الزيجة المباركة نزل قول الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}[الضحى:8] فقد كانت خديجة نعم الزوج، وقد أعانته لحَمل أمانة الرسالة الأعظم.
ولما انتهى العقد، نُحرت الذبائح ودُقت الدفوف، فإذا بين الحضور "حليمة" قد جاءت من بادية بني سعد، لتشهد عرس ولدها الذي أرضعته، ثم لتعود في الغداة ومعها أربعون رأسا من الغنم، هبة من العروس.
ودمعت عينا "محمد" وهو يتفقد أمه "آمنة" فإذا يد لطيفة رقيقة، تأسو الجرح القديم في حنان غامر، وإذا به يجد في "خديجة" عوضًا جميلًا عما قاساه من طويل حرمان. [سيدات بيت النبوة لبنت الشاطيء]
كان الزواج أكبر دليل على عدم بحث النبي على أسباب المتعة الجسدية، وقد اختار كريمة قومها، وظل هذا الزواج قائمًا حتى توفيت خديجة عن خمسة وستين عامًا، وقد ناهز النبي عليه الصلاة والسلام الخمسين من العمر، دون أن يفكر خلالها بالزواج بأي امرأة أو فتاة أخرى [فقه السيرة للبوطي]
عن حذيفة رضى الله عنه، أنه أخذ حجرين، فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه:
هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟
قالوا: يا أبا عبد الله، ما نرى بينهما من النور إلا قليلا.
قال: والذي نفسي بيده، لتظهرن البدع حتى لا يُــرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور،والله، لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء،
قالوا: تُركت السنة !.
.
[البدع لابن وضاح ١٢٤]