رحمة الله – عز وجل – صفةُ عظيمةُ لربنا – تبارك وتعالى - ، لا يزال المؤمنون يعلّقون قلوبهم ورجاءهم بها ، بعد بذل الأسباب التي جعلها الله عز وجل – سُلّماً لنيل فضله ورحمته .
ولذا فإنّ اسمي ربنا – تبارك وتعالى – (الرحمن الرحيم) يتصدران أسماء الله – عز وجل – في الذكر فيكررهما المؤمن مرات ومرات في اليوم الواحد في الفاتحة :
(الحمدلله رب العالمين ، الرحمن الرحيم) مقرونين مع اسم ربنا : الله – عز وجل ، وكما في قول الله – عز وجل - : "وهم يكفرون بالرحمن ، قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكّلت وإليه متاب" (الرعد : 30) .
فذكر في هذه الآية الكريمة الأسماء الثلاثة التي ذكرها في الفاتحة ، وهي : الرب ، الإله ، الرحمن .
فالإله المعبود – وهو الله – يتعلّق به الغاية العظمى التي خلق من أجلها ، وهي عبادة الله – عز وجل - ، ومحبته ، والتذلل له ، ولهذا يكون أكثر الذكر المشروع باسم الله.
واسم (الرب) – عز وجل – يتعلّق به معنى أن الرب هو المربي لعبده : الذي إبتدأ خلقه ، ثم ينقله في أطوار حياته ، ثمّ يمدّه بكل ما يقوم به كيانه وحياته ، فهو الخالق الرزاق الناصر الهادي ، ولذلك يأتي ذكر هذا الإسم دائماً مع الإستعانة بالله – عز وجل – ومسألته ، ويأتي أكثر سؤال الله – عز وجل – باسمه (الرب) ، كما في قول الله : (رب اغفر لي ولوالدي) وقوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وقوله (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وغيرها من الآيات.
واسم الله – عز وجل – (لرحمن) الذي فيه اتصاف ربنا – تبارك وتعالى – بالرحمة الكاملة يدفع العبد لكمال التعلّق باسمي (الله ، والرب) ، ويدفعه دفعاً للرجاء والعمل والتعلّق بأسباب تحقيق معنى الإسمين الله والرب ، بعبادة الله – عز وجل – وحده ، وكمال التوكلّ عليه والاستعانة به .
وليس هذا هو البحث المقصود هنا ، لكن البحث المقصود هو أن رحمة الله – عز وجل – لعباده تكون في الدنيا بأشياء قد لا تخطر على بالهم ، لأنَ أفعال الله – عز وجل – لا يدرك الإنسان كل الحكم المتعلقة بها .
وقد جاء في بعض الآثار – فيما أذكر – أن الله – عز وجل – يبتلي عبده بالمرض ، فيسأله العبد رحمته ، فيقول الله – عز وجل – وكيف أرحمه مما به أرحمه ، يعني أن هذا البلاء أو المرض أو غيره من الأمور التي يكرهها الناس تكون رحمةً لهم – ما داموا يتقون الله عز وجل حق تقاته .
وكلّنا يذكر أمر الله – عز وجل – للخضر بقتل الغلام في سورة الكهف حتى لا يؤذي والديه عند كبره ، فهذا رحمةً من الله – عز وجل – بالوالدين ، وان كان ظاهره الألم والأذية .
فرحمة الله – عز وجل – لا تأتي على الإنسان بموجب ما يظنه أو يقدره عقله ، ومن رحمة الله – عز وجل – العظيمة الصريحة والواضحة بعباده في الدين : بقاءً الطائفة الناجية المنصورة التي يبشرَ بها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وحثّ المسلم وأوجب عليه أن يكون منها ، والتي تذكَّر بالأمر الأوّل ، والدين العتيق ، والحق الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وأصحابه ، وتجاهد عليه تبعاً لنبيها – صلى الله عليه وآله وسلم – الذي يبعث ليعدل الملل العوجاء .
ويقابلهم فرق ، وفرق ، تبغضهم ، وتحاربهم ، وتكيد بهم ، وتجلب عليهم ، وتثير الأهواء والشبهات ، وتكذب عليهم ، وتظلمهم ، وتصوّر مذاهبهم على غير الحقيقة .
فمن رحمة الله – عز وجل – وجود هذه الطائفة الناجية ، وجهادها ، ومن رحمة الله – عز وجل – العظيمة أنَ كثيراً من هذه الطوائف يظهرون ولو تمثيلاً – الاعتراف لأئمتهم – ابن باز والآلباني وابن عثيمين – رحمهم الله تعالى – وربيع – وإن رغمت أنوف – بالفضل والعلم والحق والسنة والنصيحة .
وهذا الإعتراف منهم قد يكون أحياناً من أسباب لبس الحق بالباطل في نفوس كثير من المسلمين ، فتستثمر الجماعات هذه الإعتراف في تزكية نفسها ومذاهبها ، فيعظم اللبس ، وتكبر المحنة ، لكن من رحمة الله – عز وجل – يبقي الطريق مفتوحاً أمام من شاء الله هدايته للسنة حين يقف على حقيقة مذاهب هؤلاء الأئمة والفرق بينها وبين مذاهب الجماعات ، فنسأل الله لنا وللمسلمين رحمته وفضله فإنّه لا يملك رحمته وفضله إلاَ هو .
عن حذيفة رضى الله عنه، أنه أخذ حجرين، فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه:
هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟
قالوا: يا أبا عبد الله، ما نرى بينهما من النور إلا قليلا.
قال: والذي نفسي بيده، لتظهرن البدع حتى لا يُــرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور،والله، لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء،
قالوا: تُركت السنة !.
.
[البدع لابن وضاح ١٢٤]