روى الشيخان، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله :" اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ".
وروى الإمام أحمد (2724), بإسناد قوي, عن ابن عباس أن النبي التفت إلى أحد فقال والذي نفس محمد بيده ما يسرني أن أحدا يحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت أدع منه دينارين إلا دينارين أعدهما لدين إن كان فمات وما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة وترك درعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير ".
وروى الشيخان, عن أَبي ذر - - ، قَالَ :" كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبي - - في حَرَّةٍ بِالمَدِينَةِ ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ ، فقال : يَا أَبَا ذَرٍّ قلت : لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله . فقال : مَا يَسُرُّنِي أنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَباً تَمْضي عَلَيَّ ثَلاَثَةُ أيّامٍ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ، إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ ، إِلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ في عِبَادِ الله هكذا وَهَكَذَا وَهكَذَا عن يَمِينِهِ وعن شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ، ثُمَّ سَارَ ، فقال : إنَّ الأَكْثَرينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا عن يمينِهِ وعن شِمَالِهِ وِمنْ خَلْفِهِ وَقَلِيلٌ مَاهُمُ.. الحديث ".
وروى البخاري (3691)، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله جلس على المنبر فقال: إنَّ عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده ".
وروى الترمذي (2352), وصححه الألباني, عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة ".
وروى الترمذي (2377), وصححه, عن عبد الله بن مسعود - - ، قَالَ : نَامَ رسول الله - - عَلَى حَصيرٍ ، فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً . فَقَالَ :" مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ".
وروى مسلم (2040), عن أنس بن مالك قال:" رأى أبو طلحة رسول الله -- مضطجعا في المسجد يتقلب ظهراً لبطن, فأتى أم سليم فقال إني رأيت رسول الله -- مضطجعا في المسجد يتقلب ظهرا لبطن وأظنه جائعاً ".
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما أعجب رسول الله بشئ من الدنيا، ولا أعجبه شئ من أمر الدنيا إلا أن يكون ذا تقى (3).
وروى البخاري في الأدب المفرد, وصححه الألباني, عن أنس بن مالك قال: دخلت على النبي وهو على سرير مرمول بشريط تحت رأسه وسادةٌ من أدم حشوها ليف، ما بين جلده وبين السرير ثوب، فدخل عليه عمرٌ فبكى، فقال له النبي : "ما يبكيك يا عمر؟ "قال: أما والله ما أبكي يا رسول الله ألا أكون أعلم أنك أكرم على الله من كسرى وقيصر، فهما يعيثان فيما يعيثان فيه من الدنيا، وأنت يا رسول الله بالمكان الذي أرى! فقال النبي : " أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟". قلت: بلى يا رسول الله، قال: "فإنه كذلك".
وروى الإمام أحمد (2303), بإسناد صحيح, عن ابن عباس:" أن النبي كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاءً. قال: وكان عامة خبزهم خبز الشعير ".
وروى الإمام أحمد (6820), بإسناد حسن, عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:" أن النبي وجد تحت جنبه تمرة من الليل فأكلها فلم ينم تلك الليلة فقال بعض نسائه يا رسول الله أرقت البارحة ؟ قال:" إني وجدت تحت جنبي تمرة فأكلتها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة فخشيت أن تكون منه ".
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين":" والقرآن مملوء من التزهيد في الدنيا والإخبار بخستها وقلتها وانقطاعها, وسرعة فنائها والترغيب في الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها فإذا أراد الله بعبد خيرا أقام في قلبه شاهدا يعاين به حقيقة الدنيا والآخرة ويؤثر منهما ما هو أولى بالإيثار .
وقد أكثر الناس من الكلام في الزهد وكل أشار إلى ذوقه ونطق عن حاله وشاهده فإن غالب عبارات القوم عن أذواقهم وأحوالهم والكلام بلسان العلم : أوسع من الكلام بلسان الذوق وأقرب إلى الحجة والبرهان.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : الزهد ترك مالا ينفع في الآخرة والورع : ترك ما تخاف ضرره في الآخرة.
وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها ... وقد قال الإمام أحمد بن حنبل : الزهد على ثلاثة أوجه الأول : ترك الحرام وهو زهد العوام والثاني : ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص والثالث : ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين .. والذي أجمع عليه العارفون : أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا وأخذه في منازل الآخرة وعلى هذا صنف المتقدمون كتب الزهد كالزهد لعبد الله ابن المبارك وللإمام أحمد ولوكيع ولهناد بن السري ولغيرهم.
ومتعلقه ستة أشياء : لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها وهي المال والصور والرياسة والناس والنفس وكل ما دون الله, وليس المراد رفضها من الملك فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والملك والنساء ما لهما وكان نبينا من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة وكان علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال وكان الحسن بن علي من الزهاد مع أنه كان من أكثر الأمة محبة للنساء ونكاحا لهن وأغناهم وكان عبد الله بن المبارك من الأئمة الزهاد مع مال كثير وكذلك الليث بن سعد من أئمة الزهاد وكان له رأس مال يقول : لولا هو لتمندَلَ بنا هؤلاء .
ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن أو غيره : ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو لم تصبك. فهذا من أجمع كلام في الزهد وأحسنه.."اهـ.